كان عام 2005 نقطة تحول؛ إذ عبرت الدول الغربية عن امتعاضها الكبير للتهديدات التي تلاحق الهوية والثقافة الغربيتين بسبب الأخطار الإرهابية، الأمر الذي تركز أكثر في خطابات اليمينين في معظم دول الغرب.
على وقع ذلك، ارتفعت خطابات الكراهية ضد الإسلام، وزادت الجرائم الناتجة والمتأثرة بمثل هذا النوع من الخطابات؛ إذ أصبح هذا الأمر “عاديًا” في وسائل الإعلام.
وقد أدت مثل تلك الخطابات إلى وصول دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، كما خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووصلت الجماعات اليمينية إلى الحكم في دول أوروبية عدة.
وبعد تحليل خطابات عدد من المجموعات اليمينية في الغرب، تبين أن السياسيين والأكاديميين يفتقرون إلى تحليل عميق لطبيعة المجموعات الإرهابية، وهو أمر يحتاج إلى معالجة فورية، كون فهم هذه المجموعات يعتبر الطريقة الأفضل لفهم شعبية اليمين المتطرف المتزايدة.
ارتفعت العديد من الأصوات في الولايات المتحدة مطالبة السلطات بالتعاطي بجدية مع التهديد الذي بات يمثله “الإرهاب الأبيض” بعد حادثتي إطلاق نار داميتين في البلاد، في حين اتهم الديموقراطيون دونالد ترامب بتغذيته بتصريحاته اللامسؤلة.
وقال بيت بوتاجاج المرشح للانتخابات التمهيدية الديموقراطية في تصريح “بات واضحا أن الأرواح التي زهقت في شارلستون وسان دييغو وبيتسبرغ، وعلى الأرجح أيضا في إل باسو، هي من نتاج إرهاب قومي أبيض”، مشيرا في كلامه الى هجمات استهدفت في السابق كنيسة للسود ومعبدين يهوديين، وأخيرا الاعتداء الذي استهدف مركزا تجاريا في إل باسو في ولاية تكساس السبت.
وتقع مدينة إل باسو على الحدود مع المكسيك، ويشكل الناطقون بالاسبانية نحو 85% من سكانها، أما مطلق النار فيها فهو شاب أبيض في الحادية والعشرين من العمر قاد سيارته لمدة تسع ساعات من احدى ضواحي مدينة دالاس ليرتكب مجزرة في ساعة ذروة داخل مركز تجاري في إل باسو.
فقد أطلق النار من بندقية هجومية وقتل 20 شخصا وأصاب 26 آخرين قبل أن يستسلم الى الشرطة التي تشتبه بدوافع عنصرية دفعته للقيام بفعلته.
ونقلت مواقع التواصل الاجتماعي كلاما منسوبا للجاني يندد فيه ب”الاجتياح اللاتيني لتكساس”، ويتطرق الى المجزرة التي ارتكبها عنصري أبيض يؤمن بتفوق العرق الأبيض استهدفت مسجدين في كرايست تشيرش في نيوزيلندا في الخامس عشر من آذار/مارس الماضي ما أدى الى مقتل 51 شخصا.
وبعد 13 ساعة على مجزرة ال باسو زرع مسلح الرعب في أحد أحياء مدينة دايتون في ولاية أوهايو عندما أطلق النار على المارة مرديا تسعة أشخاص في أقل من دقيقة، وأكد الشهود أنه رجل أبيض.
وأعاد المرشح الديموقراطي في السباق إلى البيت الأبيض بيت بوتاجاج في تصريح لشبكة فوكس نيوز ما حصل إلى “ضعف سياسات ضبط سوق السلاح من جهة، وإلى ارتفاع وتيرة إرهاب محلي تحركه نوازع قومية بيضاء من جهة ثانية”.
وتابع بوتاجاج الذي يترأس بلدية مدينة ساوث بند في ولاية انديانا “لن نتمكن من حماية أميركا من هذا الخطر ما لم نكن مستعدين لتسميته مباشرة”، مضيفا “على الحكومة أن تتوقف عن اعتبار ما حصل مجرد صدفة وأن لا مجال للقيام بأي شيء لمنعه”.
ووصف الرئيس ترامب مجزرة ال باسو ب”العمل الجبان”من دون أن يتطرق الى الدوافع المحتملة للجاني، في حين عمل رئيس بلدية المدينة الجمهوري على التقليل من خطورة الاعتداء ووصف الجاني ب”الرجل المختل الشيطاني التوجه”.
إلا أن هذا التفسير لا يرضي الكثيرين ولا حتى بعض الجمهوريين، فقد غرد المسؤول الجمهوري في ولاية تكساس جورج ب. بوش، وهو شقيق الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش قائلا “إن مكافحة الإرهاب هي أصلا أولوية، لكنني أعتقد أنه بات من الواجب حاليا أن تتضمن أيضا الوقوف بحزم بوجه هذا الإرهاب الأبيض”، مضيفا “إنه تهديد فعلي علينا التنديد به والعمل على القضاء عليه”.
هوية بيضاء
وتفيد أرقام قدمها مركز الأبحاث “نيو أميركا” أن اعمال العنف التي ارتكبها اليمين المتطرف أوقعت من الضحايا أكثر مما أوقعته الهجمات الاسلامية المتطرفة في الولايات المتحدة.
ويعتبر روبرت ماكنزي المسؤول في هذا المركز أن السلطات تأخرت في التحرك لمواجهته‘ وكتب في مطلع السنة الحالية “حتى في عهد الديموقراطي باراك أوباما تجاهلت أجهزة الاستخبارات مرارا تهديدات مصدرها اليمين المتطرف لأسباب سياسية”.
لكن ما تغير منذ انتخاب دونالد ترامب عام 2016 هو نوعية النقاش العام.
فالرئيس بات يتكلم بشكل مفتوح عن “اجتياح” المهاجرين، ورفض ادانة تظاهرات اليمين المتطرف في شارلوتسفيل في آب/اغسطس 2017، ودعا أخيرا نوابا في المعارضة من الأقليات “إلى العودة إلى بلدانهم”.
وذهبت اليزابيث وارن المرشحة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي الأحد الى حد القول إن “الرئيس يحض شخصيا على العنصرية وعلى تفوق العرق الأبيض”.
في حين ذهب المرشح الديموقراطي الثالث بيتو أوروركي الى أبعد من ذلك عندما اعتبر أن دونالد ترامب “لا يحض على الخطابات العنصرية فحسب، بل يحض على العنف الذي يليها أيضا”.
لكنه تابع قائلا “هذا لا يأتي منه فحسب”، منددا أيضا بشبكة فوكس نيوز، وبالدعاية العنصرية التي تنتشر على الانترنت، “وبتزايد نسبة التسامح مع العنصرية” لدى الأميركيين.
اضف تعليقا