العدسة_ منذر العلي
ربما لم تكن الموافقة السريعة لمجلس النواب على قرار رئيس الجمهورية بفرض حالة الطوارئ في عموم البلاد لمدة 3 أشهر، مستغربة، كونها تأتي تتويجًا لمجموعة من القرارات والقوانين التي أقرها المجلس على مدار أقل من عامين هي عمره حتى الآن.
هذه القوانين عكست في مجموعها ما يمكن وصفه بالتبعية الكاملة من مجلس يفترض أنه انتخب لتحقيق ورعاية مصالح الشعب والتعبير عنه، إلى مجرد “سكرتير” للحكومة أو للسلطة بشكل عام يأتمر بأمرها ويحقق مرادها بل وينطق بلسانها.
مجلس النواب ضرب في معظم قراراته وقوانينه عرض الحائط بآمال وطموحات المصريين، في مجلس ظن كثيرون أنّه سيكون مختلفًا لمجيئه في أعقاب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013.
وعلى النقيض من مواقف البرلمان من البسطاء وهم غالبية المصريين، فقد انحاز بشكل مفضوح لفئات معينة بأوامر حكومية.
البرلمان المصري
341 قانونًا في 29 ساعة!
“أول القصيدة..” ففيما اعتبره مجلس النواب من بين إنجازاته، وافق المجلس على 341 قرارًا بقانون أصدره الرئيسان عدلي منصور وعبدالفتاح السيسي في غيبة البرلمان، وذلك في 29 ساعة فقط، في سابقة تاريخية لم تحدث من قبل، وربما لن تحدث مرة أخرى.
وتعلل البرلمان في ذلك بالمادة 156 من الدستور التي ألزمت بعرض ومناقشة والموافقة على القوانين التي أصدرها رئيس الجمهورية خلال 15 يومًا من انعقاد المجلس الجديد.
اللافت أن أبرز تلك القرارات بقوانين التي تمت الموافقة عليها تخص الجيش والشرطة والهيئات القضائية وبعض الجهات الاقتصادية.
ومن بينها: قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1970، ومشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة، ومشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن الهيئة القومية للإنتاج الحربي، ومشروعي قانونين بتعديل بعض أحكام هيئات الشرطة، ومشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن تعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة.
حرص المجلس على تنفيذ الدستور للموافقة على قرارات وقوانين صدرت في غيبته، توجه خالفه البرلمان سريعًا، حين خالف نص المادة 101 من الدستور بشأن تولي مجلس النواب سلطة التشريع، وذلك بشأن مشروع القانون المقدم من حزبي المصريين الأحرار والوفد، بشأن بناء وترميم الكنائس، حيث تم تحويله إلى الحكومة لدراسته أولًا.
كما خالف نص المادة 130، حيث تجاهل مناقشة الاستجوابات التي تقدم بها النواب ضد وزير التموين بشأن فساد القمح، ووزير التربية والتعليم بشأن تسريب الامتحانات.
وفي أغسطس 2016، قبيل انتهاء دور الانعقاد الأول أقر مجلس النواب قانون القيمة المضافة الذي مهد لارتفاعات قياسية غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات، مشفوعًا بقرارات اقتصادية أخرى اثقلت كاهل المواطنين.
وفي الشهر ذاته أقر البرلمان قانون بناء وترميم الكنائس، وسط اعتراضات مسيحية عالية، وعديد من الشبهات وعلامات الاستفهام أحاطت به.
السيسي في البرلمان
قوانين مثيرة للجدل
لم ييأس مجلس النواب من رفض قانون الخدمة المدنية، الذي لاقى ردود أفعال مستنكرة على كل المستويات في دور الانعقاد الأول، الذي انتهى سبتمبر 2016، وأسرع بالموافقة على القانون الحكومي مع بداية دور الانعقاد الثاني.
هذا الدور الذي انتهى في يوليو الماضي بعد 10 أشهر، شهد بحسب وصف رئيس المجلس علي عبدالعال شهد إقرار أكبر عدد من التشريعات في تاريخ الحياة النيابية المصرية، بلغ 217 مشروع قانون مقدم من جانب الحكومة والنواب.
وفي نوفمبر الماضي، وافق البرلمان على أبرز القوانين المثيرة لجدل تخطى حدود مصر وهو قانون الجمعيات الأهلية، الذي وصفته 45 منظمة حقوقية دولية بأنه “قمعي” ويقيد عمل المنظمات والجمعيات غير الحكومية.
وكان المجال الأمني من أبرز ما شهده هذا الدور في مجال إقرار القوانين، وفي مقدمتها تعديلات قانون التظاهر سيئ السمعة والذي لا يزال كثيرون يطالبون بشمول شبان حصلوا على أحكام نهائية بالسجن لمدد طويلة في قوائم لجنة العفو الرئاسي.
ومن بينها أيضًا: تعديلات قوانين الإجراءات الجنائية وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض والكيانات الإرهابية والإرهاب، وقانون الطوارئ.
هذه القوانين تحديدًا، شكلت في مجملها منظومة قنّنت السلطة من خلالها قمع المعارضين السياسيين والزج بهم في السجون وتقليل فرصة الفرار من أحكام قضائية مغلظة أضرت بسمعة القضاء المصري داخليًا وخارجيًا، فضلًا عن إدراج المئات على قوائم الإرهاب دونما تحقيق أو اتهامات واضحة.
وفي يونيو الماضي، أقر البرلمان اتفاقية إعادة تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، التي تنازلت فيها مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، وسبقها في أبريل بالموافقة على فرض حالة الطوارئ في عموم البلاد في أعقاب تفجيري كنيستي طنطا والإسكندرية.
كما أقر المجلس مشروع قانون يقضي بفرض ضريبة 50 جنيهًا على كافة الأوراق القضائية للمواطنين أمام الجهات القضائية كافة، توجه حصيلتها لصندوق الرعاية الصحية للقضاة العاديين والعسكريين.
البرلمان وافق أيضًا على مشروع قانون يقضي بإنشاء صندوق تحسين خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية لأعضاء هيئة الشرطة وأسرهم، ويُقر القانون فرض رسوم جديدة لتمويل هذا الصندوق؛ على كل ما تصدره وزارة الداخلية من أوراق، بما لا يجاوز 5 جنيهات.
ولتمويل الصندوق أيضًا أقر المجلس زيادة الرسوم على تذاكر المباريات والحفلات بالمسارح والملاهي، وفرض رسوم على المسافرين وعلى تصاريح العمل، بما لا يجاوز 5 جنيهات أيضًا.
وضمت قائمة مشروعات القوانين الحكومية التي وافق عليها المجلس خلال دور الانعقاد الثاني عدة قوانين، أبرزها: قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين، قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام الذي أثار جدلًا واسعًا، قانون نقابة الإعلاميين، قانون الاستثمار، تراخيص المنشآت الصناعية.
تعديل بعض أحكام الضريبة على الدخل وقانون ضريبة الدمغة، قانون بزيادة المعاشات العسكرية، قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، تعديل قانون تنظيم زراعة الأعضاء، تعديلات قانون الأحوال الشخصية، قانون هيئة الشرطة.
شريف اسماعيل في البرلمان
المجلس ابن النظام
هذا التوجه من قبل مجلس النواب في مجاراة الحكومة، فتح الباب على مصراعيه أمام الحديث عن طبيعة تلك العلاقة بينهما وظروف نشأة وتكوين البرلمان.
ربما سبقت تلك الظروف انتخاب المجلس، وهو ما كشفه “حازم عبدالعظيم” أحد قيادات حملة ترشيح السيسي لرئاسة الجمهورية، من إعداد قائمة “دعم مصر” لخوض انتخابات مجلس النواب داخل مقر المخابرات العامة.
التبعية ظهرت في تشكيل المجلس، حيث مثّل ائتلاف دعم مصر الأغلبية في البرلمان، هذا الائتلاف المكون من ضباط سابقين في الجيش ووزارة الداخلية ورجال أعمال، وبعض المنتمين للحزب الوطني المُنحل، والعائلات الكبرى، وكان يقوده ضابط المخابرات الراحل “سامح سيف اليزل”.
وقبل أن يكمل يومه الأول أرسل البرلمان برقية إلى السيسي، تلا رئيسه علي عبدالعال جزءًا منها، قائلًا: “يا سيادة الرئيس، في ظل الظروف التاريخية التي يمر بها عالمنا العربي، وما يواجهه من تهديدات الإرهاب، يؤيد بصيرة وحكمة قائد تحرك لتوحيد الصف العربي؛ فسِر على بركة الله، قلوبنا معكم، ورعاية الله تحيطكم، وشعب مصر يؤيد خطاكم”.
لم تكن تلك الكلمات لتصدر من رئيس سلطة منتخبة، تجاه رئيس سلطة مكلَّف برقابة أدائه ولو حتى من قبيل المجاملة، إلا أنها كشفت خط سير المجلس، وما سيكون عليه في قابل الأيام.
“عبدالعال”، يصر على إقحام السيسي في أي إنجاز تشريعي، حتى إنه كتب في افتتاحية العدد التذكاري من المنشور، المُعد من قبل البرلمان بمناسبة مرور 150 عامًا على الحياة النيابية في مصر: “ولقد بدأت دورتنا بشعاع من نور أضاء طريق أمتنا، حيث وضع فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي دليل عملنا وإطار حركتنا..”.
اضف تعليقا