في الأسبوع الأول من إبريل/ نيسان الماضي، افتتح قائد الانقلاب المصري، عبد الفتاح السيسي مجمع الوثائق المؤمَّنة والذكية، بحضور رئيس حكومته، مصطفى مدبولي وعدد من الوزراء وكبار رجال النظام.
وفي الافتتاح، أُعلن أن المجمع سيكون الجهة المنوط بها إصدار مختلف الوثائق الحكومية، وذلك من خلال منظومة مركزية موحدة على المستوى الوطني، تضمن حوكمة إصدار وثائق الدولة بأحدث مواصفات التأمين العالمية.
وقد أثير جدل داخل الأروقة الرسمية حول الجهة التي سيكون هذا المجمع تابعًا لها، لا سيما في ظل تعاون عدد من الجهات الرسمية في إنشائه خلال الأعوام السابقة، حين تحدث السيسي في صيف 2019 عن إنشاء “عقل مصر”، الذي يضم جميع قواعد البيانات الخاصة بالدولة والخوادم الإلكترونية الخاصة بالوزارات والهيئات والخدمات التي تقدمها الحكومة.
وأشار السيسي حينها إلى أنه “سيتم حفظه في مكان آمن وسري تحت الأرض وبعمق 14 متراً”. واعتبر أن عمل هذا “العقل” متعلق بصورة رئيسية بإنشاء مجمع الإصدارات المؤمّنة، بسبب تكاملهما في السيطرة المركزية على مختلف أعمال الدولة وبيانات المواطنين، فضلاً عن الاختصاصات الأخرى التي سيتم إسنادها له.
ويوم الأحد الماضي، صدر قرار السيسي في الجريدة الرسمية، المتعلق بإنشاء المجمع وتنظيمه. ونصّ القرار على تغيير أسلوب وطريقة وإجراءات إدارة وثائق المواطنين بصورة غير مسبوقة في تاريخ مصر، وتحولها إلى المركزية تحت سيطرة عسكرية كاملة على بيانات المواطنين، والطبيعة الفنية للوثائق وكذلك التدخل في رسومها وكيفية إصدارها. وقلّص في المقابل دور الجهات الحكومية المدنية المتعاملة مع الجمهور، بما فيها وزارة الداخلية.
تابع لوزير الدفاع..
وبالرغم أن التوقعات كانت تتجه إلى أن المجمع الجديد سيكون تابعًا لرئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء، على اعتبار أن المجمع سيكون جهة تقدم الخدمات المختلفة في جميع قطاعات الدولة، وبصفة خاصة قطاع السجل المدني التابع لوزارة الداخلية.
لكن السيسي أبى إلا أن يكون المجمع إحدى وحدات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزير الدفاع مباشرة. وهو ما يعني إشراف العسكر على منظومة وضع الحلول التكنولوجية المتكاملة والمركزية، في تصميم وتأمين وطباعة وإصدار الإصدارات والنماذج المحررات الرسمية، التي تشمل جميع المستندات الرسمية للأفراد الطبيعيين المتعلقة بحالتهم المدنية أو الاجتماعية أو المالية منذ تاريخ الميلاد وحتى الوفاة، أو إثبات تبعيتهم أو عملهم بجهة معينة.
ودور هذا المجمع لا يقتصر على تزويد الجهات المختلفة باحتياجاتها، بل سيكون مسؤولًا عن إصدار الوثائق وتسليمها للجهات الطالبة التعامل مع المواطنين. وهذا الوضع يقتضي أن يكون للمجمع ارتباط بجميع قواعد البيانات على مستوى الدولة، ليتمكن من مباشرة اختصاصه بوضع “كود” موحّد، وبتوحيد الخواص والمواصفات الفنية لشهادات الميلاد والزواج والطلاق والوفاة والملكية والتعليم والدراسات العليا ونماذج الهوية، مثل بطاقات الرقم القومي وجوازات السفر الإلكترونية.
وكذا يرتبط المجمع بتراخيص قيادة المركبات وحمل السلاح وإقامة الأجانب داخل البلاد وخارجها والهوية الرقمية وغيرها، وصولاً إلى البطاقة الذكية الموحدة للمواطن.
وللتأكيد على فكرة “مركزية قاعدة البيانات”، يتضمن القرار نصاً بربط جميع الإصدارات مركزياً، بقواعد جديدة ستنشأ للبيانات البيومترية المركزية بالمجمع، “وبالتنسيق التام مع الجهات الرسمية المسؤولة عن جدارة البيانات الخاصة بتلك الإصدارات”.
دور اقتصادي حيوي..
وسيختص المجمع العسكري بدور اقتصادي حيوي يخرج للمرة الأولى عن اختصاص المصرف المركزي المصري، وهو توفير احتياجات هذا المصرف من أوراق البنكنوت الخام بعلامات التأمين، بفئاتها الحالية والمستقبلية.
وحوى القرار نصاً مثيراً للانتباه، وهو “أن لا تخلو أحكامه بحق الجهات المعنية في تحمل مسؤوليتها واتخاذ إجراءاتها لتدقيق وصحة البيانات وإدخالها، على أن يكون الإصدار مركزياً بالمجمع، وأن تتولى الجهات تسليم مخرجات الحلول التكنولوجية التي يقدمها المجمع لصالحها، واستيفاء الرسوم وتحصيل الضرائب المقررة بمقتضى القوانين المنظمة لشؤونها”. فحين يخطئ المجمع التابع للجيش، فذلك لا يعني ألا يتحمل الآخرون هذا الخطأ.
مقدمة لزيادات أخرى..
وحول هذا النص، تشير مصادر حكومية إلى أن المجمع هو الذي سيطبع ويصدر جميع الأوراق الثبوتية والنماذج المطلوبة، وسيسلمها للجهات الحكومية المختلفة، التي ستسلمها بدورها للمواطنين، وتتقاضى الرسوم المقررة عليها لحسابها كما هو منصوص في القوانين المنظمة لأعمالها.
لكن وبسبب هذا التقسيم الجديد في عملية الإصدار إلى ثلاث مراحل (تلقي طلبات أو إخطارات في الجهات الحكومية، ثم إصدار في المجمع العسكري، ثم تسليم في الجهات الحكومية)، ستطرأ زيادة أكيدة على أسعار الخدمات الحكومية المختلفة التي تتطلب وجود إصدارات. ويعبّر نص القرار ضمناً على أن “حصيلة نشاط المجمع عن الأعمال والخدمات التي يؤديها أو يقدمها للغير”، والمقصود بـ”الغير” هنا جميع الجهات الحكومية.
وذكرت المصادر الحكومية أن قرار وزير الداخلية الصادر الأسبوع الماضي بزيادة سعر خدمات صحيفة “الحالة الجنائية” للمواطنين، “هي مقدمة لزيادات أخرى في الأسعار، مرتقبة بناء على الاتفاق بين الوزارة والمجمع العسكري الجديد”.
ويبسط القرار سيطرة وزير الدفاع على إدارة المجمع، الذي يخوله السيسي سلطة اختيار أعضاء مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي له، بشرط وحيد هو وجود ممثلين لوزارتي الداخلية والمالية والمخابرات العامة والمصرف المركزي فقط، مع عدم وجود تمثيل لباقي الجهات الحكومية الأخرى ولا مجلس الوزراء.
يذكر أن السيسي قال إن إنشاء مجمع الوثائق المؤمَّنة والذكية، سيساهم في إحداث نقلة كبيرة بالتوازي مع فكرة “الحكومة الذكية” التي ستنطلق في العاصمة الإدارية الجديدة، وأن الوثائق الصادرة عن المجمع ستكون محل ثقة وسيكون من المستحيل تقليدها أو تزييفها، وهو ما سيساهم في زيادة الثقة في التعاملات، وتقليل الفساد، وحوكمة الإجراءات، معلناً أن تكلفة المجمع اقتربت من مليار دولار.
اضف تعليقا