حالة من الجدل القانوني والسياسي الشديد صاحبت قرار رئيس الوزراء “غير المفهوم” بشأن توسيع اختصاصات محاكم أمن الدولة العليا طوارئ لتشمل عدة جرائم في قوانين أخرى.
تركيبة الجرائم الجديدة في القرار تفوح منها رائحة القمع والتضييق على المعارضة، خاصة أن طبيعة عمل هذه المحاكم تتعلق بالأساس بمخالفة أوامر رئيس الجمهورية أو قضايا المتفجرات وقلب نظام الحكم والتخابر في أوقات سابقة.
ولكن يبدو أن السيسي يريد ترتيب أوضاع معينة قبل انتخابات الرئاسة المقبلة في 2018، إذ إن كل أنظار النظام الحالي تتجه إلى هذه المعركة التي ربما تكون أكثر سخونة مما يتوقعها أي أحد إذا خاضها منافس قوي للسيسي.
محاكم أمن الدولة
بشكل مفاجئ قرر رئيس الوزراء شريف إسماعيل باعتباره مفوضا من رئيس الجمهورية، بضم عدد من الجرائم المنصوص عليها في عدة قوانين إلى اختصاصات محكمة أمن الدولة طوارئ.
وتضمن القرار الذي جاء قبل أيام قليلة من انتهاء حالة الطوارئ التي تم إعلانها في يوليو الماضي، الجرائم الواردة في قانون التظاهر 107 لسنة 2013، وقانون التجمهر 10 لسنة 1914، وقانون مكافحة الإرهاب 94 لسنة 2015، وقانون تجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت (الإضراب) 34 لسنة 2011، وقانون الأسلحة والذخائر 394 لسنة 1954، وقانون حرية العبادة 113 لسنة 2008.
وكذلك الجرائم المتعلقة بالإرهاب والمساس بأمن الدولة والترويع والبلطجة وتعطيل وسائل المواصلات والمنصوص عليها في قانون العقوبات، وكذلك جرائم التموين ومخالفة التسعير الجبري.
الغريب أن اختصاصات هذه المحاكم كانت تقتصر فقط على كل ما يتعلق بجرائم أمن الدولة مثل المتفجرات وقلب نظام الحكم والتخابر مع جهات أجنبية وغيرها من القضايا، ولكن يبدو أن هناك رغبة في توسيع نطاقها لتشمل قضايا بعضها له طابع سياسي.
وتتشكل هذه المحاكم في ظروف استثنائية خلال فرض حالة الطوارئ فقط وتنتهي حال عدم تجديد الطوارئ مرة أخرى.
وتتكون محاكم أمن الدولة من دوائر خاصة في المحاكم الابتدائية (جزئية) وفي محاكم الاستئناف (عليا) للفصل في الجرائم المترتبة على مخالفة الأوامر العسكرية الخاصة بحظر التجول وأي جرائم أخرى في القانون العام يحيلها لها رئيس الجمهورية أو من يفوضه.
ويعين الرئيس (أو من يفوضه) أعضاء محاكم أمن الدولة بعد أخذ رأي وزير العدل.
وتبقى هذه المحاكم مختصة بنظر تلك الجرائم حتى إذا انتهت حالة الطوارئ، ويختص رئيس الجمهورية بالتصديق على الأحكام الصادرة منها أو تخفيفها أو إلغائها، ولا يجوز الطعن عليها بأي صورة.
جدل قانوني
ويسود جدل قانون حول صحة القرار الصادر من شريف إسماعيل بحكم التفويض من الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
هذا الجدل يتمثل في كيفية إصدار هذا القرار رغم انتهاء حالة الطوارئ 10 أكتوبر الجاري، بموجب تجديدها مرة واحدة فقط خلال شهر يوليو الماضي، بعد قرار بفرضها خلال شهر أبريل الماضي وفقا لنصوص الدستور.
وبالتالي فإن ضم جرائم منصوص عليها في قوانين مختلفة إلى اختصاص محكمة أمن الدولة طوارئ منعدم واقعيا، لأن المحكمة ينتهي عملها بمجرد وقف حالة الطوارئ، على الرغم من امتداد تأثيرها حتى بعد إلغائها في القضايا التي لا تزال منظورة أمامها.
ولكن ظهر رأي قانوني آخر يتحدث عن أنه في ظل عدم تجديد الطوارئ فإن القرار يعني تشكيل محاكم أمن الدولة التي سبق إلغاؤها في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك في عام 2003.
وقال المحامي عادل معوض: إن القانون الخاص بإنشاء محاكم أمن الدولة العليا طوارئ، تم إلغاؤه بالقانون رقم 95 لسنة 2003، وتم نشره في الجريدة الرسمية في العدد الصادر رقم 25 بتاريخ 19 من يونيو في العام ذاته.
ولفت معوض إلى أنه ينبغي أولا وضع تشريع جديد من مجلس النواب يتيح إنشاء هذه المحاكم مرة أخرى بدون فرض حالة الطوارئ.
وهذا يؤكد ارتباط ظهور محاكم أمن الدولة فقط بفرض حالة الطوارئ، وبخلاف ذلك لا يجوز عملها، إذ إنها محاكم استثنائية.
وبدا أن هذا القرار ليس إلا مقدمة لاستمرار حالة الطوارئ، لأنه لا ينطبق بأثر رجعي على القضايا التي كانت منظورة أمام القضاء العادي خلال فترة الطوارئ.
المستشار عادل الشوربجى النائب الأول السابق لرئيس محكمة النقض قال إن القرار مقدمة لإعادة فرض حالة الطوارئ من جديد، مضيفا أن القرار يتعلق بالقضايا الجديدة التي ستعرض على النيابة العامة، عقب سريان قرار رئيس الوزراء.
معركة قضائية
حالة الجدل القانوني السالف الإشارة إليها، لم تكن بعيدة عن ساحات القضاء مع بداية تشكيل محاكم أمن الدول العليا طوارئ بعد فرض حالة الطوارئ وموافقة مجلس النواب عليها.
ونظرت محكمة القضاء الإداري دعوى إلغاء محاكم أمن الدولة، ولكن في فبراير الماضي أصدرت دائرة الحقوق والحريات حكما بعد الاختصاص ولائيا بنظر هذه الدعوى.
ولكن ظلت المعركة القضائية مشتعلة مع إحالة المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة المواد 12 و14 و20 من القانون 158 لسنة 1962، المعروف بـ”قانون الطوارئ” للمحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستوريتهم.
كما يدفع خالد علي المحامي الحقوقي باتجاه عدم دستورية عدة مواد في قانون الطوارئ المصاحب لحالة الطوارئ التي فرضها السيسي، من خلال دعوى قضائية أمام القضاء الإداري.
ودفع خالد علي بعدم دستورية المواد ٩ و١٢،١٤،١٦،١٧،١٩،٢٠ من قانون الطوارئ، مطالبا بالتصريح له بتقديم طعنه أمام المحكمة الدستورية لتفنيد المواد المشار إليها.
يبقى أن تصدر المحكمة الدستورية حكمها في عدم دستورية بعض مواد قانون الطوارئ، وخاصة فيما يتعلق بعدم ضمانة المحاكمة العادلة؛ لعدم الطعن على الأحكام الصادرة إلا من خلال التماس لرئيس الجمهورية.
قمع المعارضة
” القانون ١٦٢ لسنة ١٩٥٨ بشأن حالة الطوارئ أنشأ محاكم أمن الدولة العليا والجزئية، للفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة للأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية، أو من يقوم مقامه حال إعلان حالة الطوارئ، وهي محاكم تتمتع بطابع خاص بما يتفق مع ظروف وجودها ونطاق اختصاصها”. كان هذا جزءا من حيثيات المحكمة الإدارية العليا حول اختصاصات هذا النوع من المحاكم.
ومن واقع هذه الحيثيات فإن هذه المحاكم يقتصر عملها على كل ما يصدر بالمخالفة لأوامر رئيس الجمهورية في ظل حالة الطوارئ فقط، أي أن عملها يقتصر على رقابة تنفيذ القرارات ولا يمتد تأثيرها لما هو أبعد من ذلك.
ولكن قرار رئيس الوزراء يشمل بعض القضايا ذات الطابع السياسي مثل التظاهر والترويع والتجمهر والمساس بأمن الدولة وغيرها، والتي تكون اتهامات “معلبة” يتم تلفيقها للنشطاء السياسيين المعارضين.
وهنا فإن السيسي يحاول من خلال توسيع اختصاصات هذه المحاكم حال قرار مد حالة الطوارئ خلال الفترة المقبلة، إلى وضع المعارضة تحت رحمته الشخصية، إذ إن محاكم أمن الدولة العليا يتم تشكيلها من قبل السيسي نفسه، ثم هو المتحكم في التصديق أو التخفيف أو إلغاء الأحكام، ولا يجوز الطعن على الأحكام ولكن يمكن التقدم بالتماس إلى رئيس الجمهورية فقط.
وفي هذه الحالة يصبح السيسي “خصما وحكما” في آن واحد، خاصة أنه يخشى من خروج أي تظاهرات خلال الفترة المقبلة ضده في ظل السياسات التي يتبعها وتأثيراتها السلبية على تزايد حالة الغضب الشعبي بعد غلاء الأسعار وتراجع مستوى المعيشة.
وتتيح الاختصاصات الجديدة لمحاكم أمن الدولة تحقيق ما يعتبره السيسي “العدالة الناجزة” من حيث عدم استغراق المحاكمات فترات طويلة تمتد لسنوات خاصة مع وجود درجات النقض وكثرة عدد القضايا، وبالتالي فإن هذه المحاكم توفر تنفيذا سريعا للأحكام والتي ستكون بصبغة سياسية تماما.
ولكن في هذا المقام فإنه تجدر الإشارة إلى أن هذا النمط من المحاكمات يمكن أن يستغل في إطار ضغوط سياسية على المعارضة، من حيث إمكانية إلغاء أي حكم في أي وقت مادام قد صدر من محكمة أمن الدولة العليا، وذلك في سبيل تحقيق توازنات معينة مع الأطراف السياسية.
اضف تعليقا