العدسة – ياسين وجدي:

زيارة ثالثة في سنوات قلائل ، تتصدرها شعارات الدعم السعودي للحليفة الباكستانية، لكن هذه المرة باتت زيارة ذات رائحة نووية بامتياز في إطار الصراع المتصاعد في المنطقة في مواجهة إيران.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سيكون ضيفا في هذا الإطار على إسلام آباد خلال أيام ، تلاحقه تكهنات كثيرة بتفعيل أكبر للملف النووي بجانب الاستفادة من ثروات البلاد سواء عبر بوابة النفط أو الاستثمار، وهو ما نتوقف عنده.

الزيارة الثالثة !

ستكون الرحلة المقررة خلال شهر فبراير هي الزيارة الثالثة التي يقوم بها ولي العهد السعودي إلى باكستان منذ عام 2015، عندما أصبح والده ملكاً وتم تعيينه وزيراً للدفاع.

ففي زيارته في يناير 2016، وقّعت الدولتان اتفاقية غير محددة للتعاون العسكري ، وعندما توقّف في باكستان مرة أخرى بينما كان في طريقه إلى الصين في شهر أغسطس، أشاد “بعمق العلاقة الاستراتيجية بين الشعبين”.

ووفق صحيفة” باكستان توداي” فإن زيارة ولي العهد السعودي بناء على دعوة  رئيس الوزراء الباكستانى عمران خان العام الماضى ستحمل العديد من أوجه التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين منها ما أعلنه وزير الطاقة والصناعة السعودي خالد  الفالح مؤخرا من أن المملكة ستقوم باستثمارات تاريخية في باكستان منها أن مصفاة النفط الحكومية في جوادر سيتم تشغيلها بالاستثمار السعودي، وهو المشروع الذي سيكون أكبر استثمار من قبل المملكة في باكستان.

لكن صحيفة “هندوستان تايمز” الهندية ، ذكرت أن هناك جولة أسيوية لـ”بن سلمان” ستبدأ في السادس عشر من الشهر الحالي، وستقوده إلى باكستان وماليزيا ثم الهند، ونقلت عن مصادر ذي صلة أن الوفد المرافق سيضم مسؤولين كبارا في قطاعات النفط والاستثمار.

إذا فإن الأسباب المعلنة حتى الآن هي النفط والاستثمار، فيما يرجح سايمون هندرسون مدير  “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن للزيارة أبعاد تخص التسليح النووي !.

وأضاف في تقدير موقف أصدره المعهد أن أسباب الزيارة الحقيقة متعلقة بالأنشطة في مجال الانتشار النووي متسترة خلف شعارات المساعدة المالية من دول الخليج التي بدأت بوعد  ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إسلام أباد بتقديم 3 مليارات دولار في شكل مساعدات، في حين أودعت السعودية مليار دولار كدفعة أولى من تعهداتها النقدية بقيمة 3 مليارات دولار. “هندرسون” يتوقع في هذا الإطار أن وراء كواليس المناقشات الاقتصادية، تطورات جديدة محتملة في التفاهمات السعودية -الباكستانية حول الأسلحة النووية والصواريخ ، وسط معلومات عن قيام تعاون سعودي محتمل في مجال الصواريخ مع كل من باكستان والصين.

تصعيد نووي !

ووفق مراقبون فإن التصعيد النووي بات هو لغة الحوار غير المباشر بشكل كبير بين الخصمين اللدودين إيران والسعودية .

ويعزز هذا الاتجاه ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست” من أن مرفق جديد في الصحراء السعودية في “الوطاح” يشبه موقع باكستاني في “خانبور” شمال غرب إسلام أباد، وقد تم تشييده في أوائل التسعينيات لتجميع الصواريخ الصينية من طراز “M-11″، التي تشكل جزءاً من الترسانة النووية الباكستانية.

ووفقاً لصحيفة الـ “واشنطن بوست”، قد لا يكون مصنع الصواريخ السعودي عملياً بعد، لكن النافذة الدبلوماسية لن تبقى مفتوحة لفترة أطول ، وهو ما يدعو إلى قلق كبير لأنها تشيرإلى أن سباق التسلح النووي المرعب في الشرق الأوسط لم يعد مجرد إمكانية بعيدة لكي يتم ردعها، بل عملية قد بدأت بالفعل.  

ولي العهد السعودي تعهد فعليا في مارس 2018 بأن بلاده ستطور وتمتلك سلاحا نوويا إذا امتلكت منافستها الإقليمية إيران قنبلة نووية ، وذلك في حوار له مع برنامج 60 دقيقة على شبكة “سي بي إس” الأمريكية، وهو ما فتح الباب واسعا للتحذيرات ، حيث حذرت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحية لها من أن السعودية قد تمتلك سلاحا نوويًا بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية ولكن آخر ما تحتاجه المنطقة هو دولة أخرى تمتلك ترسانة نووية بجانب”إسرائيل”.

إنها باكستان وليس الولايات المتحدة الأمريكية ، هكذا أكدت هيئة الإذاعة البريطانية حيث نقلت تصريحات لرئيس الاستخبارات الصهيوني السابق، عاموس يدلين، أكد فيها أنه لو حصلت إيران على قنبلة نووية “لن ينتظر السعوديون شهرًا” موضحا في تصريحه الذي يعود إلى عام 2013 أن المملكة بالفعل دفعت ثمن القنبلة، وسوف يتجهون نحو باكستان ويأتون بما يريدونه من هناك.

وفي هذا الشأن عزز تقرير لمعهد “هرتسليا” الصهيوني الصفقة السعودية الباكستانية  والذي أشار إلى أن السعودية قدمت لباكستان مساعدات مالية ضخمة في الوقت الذي عانت فيه الأخيرة من عقوبات دولية، وهو ما مكن باكستان من تطوير برنامجها النووي وامتلاك قنبلة نووية بالفعل ، ستكون تحت طلب السعودية.

في الشكل هناك أراء ، حيث يرى مراقبون آخرون أن هناك طريقان أمام السعودية لتحقيق الصعود النووي وهما شراء قنابل نووية من حليفها الباكستاني الذي مولت برامجه النووية في وقت سابق بتشجيع أمريكي أو بناء ترسانة مفاعلات وبرامج نووية على أراضيها بالاستعانة بالخبرات الباكستانية والغربية ، ولكن المرجح في ظل وجود معارضة باكستانية قوية يعززها حجم الشيعة الاتجاه إلى بناء المفاعلات بدعم صيني وخبرات باكستانية.

وفي هذا السياق كشف اللواء ركن دكتور شامي محمد الظاهري، قائد كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة السعودية، في تصريحات له عن أن السعودية تتوافر لديها الإمكانيات البشرية والمالية، والعلاقات الرائعة مع الشركات العالمية، وبالتالي فهي مؤهلة لتصنيع قنبلة نووية”.

بدورها ترى “دويتشه فيله ” الألمانية البارزة أن الصراع النووي بين الرياض وطهران قد يُدخل منطقة الشرق الأوسط، الغارقة في النزاعات، ضمن دوامة غير مسبوقة من التوتر.

أفق المستقبل !

وفي ظل هذه المخاوف والتوقعات سيبقى التعاون السعودي الباكستاني في المجال النووي على وجه التحديد تتحكم فيه العديد من العوامل التي ستحدد أفقه ومستقبله!

 

وفي هذا الشأن يرى د. يوآل جوزينسكي، الخبير بمعهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني فإن باكستان ستمنح السعودية مظلة نووية في مواجهة إيران ولكن بعد الاطمئنان للأبعاد الدولية المرتبة اقتصاديا عليها خاصة في ظل حرصها على العلاقة مع ايران وخوفها من العقوبات الدولية.

وبحسب الخبير بمعهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني فإن ايران عندما أعلنت في وقت سابق اعتزامها نشر سلاحها النووي، عمدت باكستان إلى نشر سلاحها النووي الباكستاني في السعودية، في إطار التزامها بالحفاظ على أمن السعودية، كما نقلت لها التكنولوجيا اللازمة لبدء البرنامج النووي السني في المملكة.

ورجح د. يوآل جوزينسكي، أن تكون باكستان “مظلة نووية” للسعودية عبر التزامها بالرد على أي قوة أجنبية يمكن أن تشكِل تهديدًا على المملكة والأماكن المقدسة الإسلامية بها، موضحا أنه  في حال ما أرادت باكستان، تنفيذ صفقة نووية مع السعودية ، فإنه سيكون عليها أن تأخذ بعين الاعتبار شبكة مصالحها الإقليمية الشاملة، بما فيها علاقاتها مع إيران، والثمن الاقتصادي والسياسي الباهظ الذي سينبغي عليها أن تدفعه لقاء مساعدتها للسعودية سواء من قِبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إضافة إلى تعرضها لعقوبات شديدة، يزيد على هذا وجوب تعاملها مع الضرر الاقتصادي والسياسي الشديد، وتحويلها إيران إلى عدو لدود.

في المقابل مازالت لغة ايران صلبة متربصة في مواجهة الاستعراض السعودي، وهو ما جسده نائب رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني، أبو الفضل حسن بيغي، مؤكدا عدم حاجة بلاده لامتلاك السلاح النووي ولكنه حذر أية دولة من الاقتراب من إيران قائلا: “إذا كان هناك بلد يريد اللعب معنا فتلك الدولة تعرف بأنه سيتم تدميرها فورا”في إشارة إلى الخصم اللدود السعودية.