العدسة – الأناضول

في قرية شمالي مصر، كان القدر قبل 25 عامًا، يكشف عن ميلاد النجم الكروي البارز عالميًا، محمد صلاح، في ظل ظروف أسرية صعبة للغاية، ربما كانت لا تعلم آنذاك أن صوت بكاء المولود الجديد سيكون تمردًا على الأوضاع، وصولاً لأن يكون رسولا للبهجة في مصر.

مسقط رأسه

ولد محمد صلاح غالي عام 1992 في قرية نجريج بمحافظة الغربية شمالي البلاد، حيث فلاحون تشققت أيديهم من أعمال الأرض وموظفون ينهضون لأعمالهم مبكرًا، وسيدات يتحدثن عن أحلامهن أو همومن أمام أبواب منازل بسيطة.

محمد هو الأخ الأكبر بين ثلاثة من أبناء رجل كان يعمل في وظيفة حكومية ساعيًا على احتياجات منزله، ويعود لبيته مساءً حيث الزوجة التي لا تعمل، لكنها تسهر على تربية الأبناء كعادة أهل القرى في مصر.

أجواء قروية بسيطة انطلق منها صلاح في سباق مع طموحه عبر ذلك المنزل المتواضع الذي لم يكن في أحلامه أن يكون محط كاميرات وسائل الإعلام المحلية والغربية.

عرفت أزقة نجريج، ذلك الشاب منذ طفولته لاعبًا يصطاد الأهداف بمهارة عالية، ولذا كان بين أبناء قريته محل تنافس من يظفر به لاعبًا داخل فريقه في ملعب القرية البسيط.

تلك ملامح شارع لا يميزه عن بقية شوارع نجريج إلا أنه شهد ميلاد وبدايات موهبة “مو صلاح” كما يلقبه جمهور فريقه الحالي ليفربول الإنجليزي (مو: أول حرفين من اسمه بالانجليزي Mohammed).

بداية المسيرة

هذه المهارة الفريدة، دفعت والد صلاح عقب وصوله لسن السابعة أن يلحقه بأندية محلية تبعد عن مسقط رأسه نحو 30 كيلومترًا، إلّا أن المسافة البعيدة والإرهاق الشديد الذي كان يعانيه الفرعون الصغير نتيجة سفره يوميًا للتدريب، دفع والده لنقله لنادٍ قريب من القرية.

ووفق تصريحات صحفية سابقة لوالده، صلاح غالي، فإن أحد الكشافين للمواهب الصغيرة كان قادمًا للقرية لمشاهدة لاعب آخر، وفور وصوله لمركز شباب القرية رأى نجله ضمن تقسيمة كروية، فانبهر بأدائه وضمه إلى فريق جديد بمدينة طنطا شمال مصر، وهناك اكتشفه من جديد أحد مديري فرق الناشئين نادي المقاولون العرب (نادي محلي بارز بالقاهرة) وطلب ضمه.

ونتيجة لظروف سفره كل يوم من قريته إلى القاهرة، فضَّل صلاح أن يلتحق بالتعليم المهني وليس الثانوي العام نظرًا للغياب المتكرر وكذلك للظروف المادية لأسرته التي أرهقتها ميزانية إعداده وتمريناته، ولكن المحن فيما يبدو شدّت عود نجوميته وقوت إرادة طموح القروي الصغير.

ويشير والده إلى أن ما وصل إليه نجله لم يكن وليد الصدفة، مؤكدًا أن الأسرة بالكامل دفعت ثمن ممارسته للكرة، خاصة بعد انتقاله لنادي المقاولون بالقاهرة، حيث كان يعود منتصف الليل بعد رحلة مواصلات تستمر 12 ساعة متنقلًا بين عدة مدن حتى يصل لقريته.

محمد صلاح بدأ مسيرته مع المقاولون المصري عام 2010، حيث انضم إلى صفوف فريق الناشئين، ولكن تطور أدائه اللافت دفع مدرب الفريق الأول إلى إشراكه في إحدى مباريات الدوري المصري نال خلالها إشادة الجميع.

وفي الموسم التالي، أضحى صلاح لاعبًا أساسيًا في الفريق الأول حيث لعب 42 مباراة سجل خلالها 12 هدفًا، وجذب أنظار المتابعين والنقاد وأعين كشافي الأندية الأخرى، فحاول نادي الزمالك الشهير التعاقد معه، بيد أنهم اعتبروا تكلفة الصفقة كبيرة جدًا قياسًا على عمره، لذا غضوا الطرف عنها.

بداية أوروبية

عام 2012 حمل مفاجأة كبيرة لصلاح، فقد قرر نادي بازل السويسري التعاقد معه، فكان ذلك تجربته الاحترافية الأولى في القارة الأوربية بمقابل وصل حينها إلى 2.5 مليون يورو.

أمضى صلاح موسمين ناجحين جدًا مع فريق بازل، ونجح في إحراز لقب الدوري معه، وحل وصيفًا في مسابقة الكأس بعد خسارته المباراة النهائية.

في الموسم التالي، تابع محمد صلاح تألقه مع فريق بازل، وشارك في دوري أبطال أوروبا، إلّا أن بازل لم يتمكن من تحقيق أي لقب في هذا الموسم، فكان هذا الأمر من الأسباب التي دعته للتفكير بعروض الأندية الأخرى التي انهالت عليه، وكان أهمها عروض تشيلسي وليفربول الإنجليزيين.

لعب صلاح مع بازل السويسري 79 مباراة سجل خلالها 20 هدفًا، قبل أن يقرر الانتقال إلى صفوف تشيلسي ليلعب في صفوفه بدءًا من موسم 2013-2014 بصفقة بلغت 11 مليون يورو.

في نهاية عام 2013، تزوج الفرعون المصري من بنت قريته ماجي محمد، وأنجب منها ابنة أسماها مكة.

سوء حظ

لم تكن فترة صلاح مع نادي تشيلسي موفقة كثيرًا، حيث شارك في 11 مباراة فقط خلال الموسم الأول سجل فيها هدفين، ولم يكن وضعه في الموسم الثاني بأفضل حالاً من سابقه، فلم يشارك سوى في 8 مباريات فشل خلالها في إحراز أي هدف.\

توهج في فيورنتينا

بعد تجربة صعبة في تشيلسي قرر صلاح الانتقال إلى الدوري الإيطالي حيث انضم على سبيل الإعارة إلى نادي فيورنتينا، وفي تلك الفترة شارك في 26 مباراة، أحرز خلالها 9 أهداف، وقدم أداءً قويًا، رغم صعوبة اللعب في “الكالتشيو” خصوصًا من جهة اللعب البدني العنيف.

رغم ذلك برهن صلاح على قدرة عالية على التكيف، وتألق في مباريات كثيرة أشهرها تلك التي خاضها فريقه ضد يوفنتوس بطل الدوري حيث سجل هدفين قادا فيورنتينا للصعود لنصف نهائي كأس إيطاليا مارس/ آذار 2015.

محط أنظار الأندية

تألق صلاح جعله محط أنظار الأندية العالمية، فنجح روما الإيطالي في الظفر بخدماته موسم 2015-2016 بمقابل 22 مليون يورو.

وأكمل صلاح مسيرة تألقه في الملاعب الإيطالية، فكان عنصرًا حاسمًا في خط الهجوم لدى فريق “الذئاب”، وأضحى من عناصر تشكيلته الأساسية.

وخلال الموسمين الذين قضاهما مع روما، خاض 83 مباراة في جميع البطولات، سجل خلالها 34 هدفًا، واختير خلال موسم 2016-2017 أفضل لاعب في الفريق.

نجومية ليفربول

شكل موسم 2017-2018 الذي لم ينته بعد، محطة مفصلية في تاريخ صلاح، فقد انتقل بدايته إلى صفوف ليفربول الإنجليزي مقابل 42 مليون يورو، ليعود بذلك إلى منافسات الدوري الأعرق في العالم.

وقاد “مو” فريقه الجديد للتألق في منافسات دوري أبطال أوروبا والدوري الإنجليزي، ليكون أول لاعب في تاريخ ليفربول يسجل 36 هدفًا في جميع المسابقات خلال الموسم الأول.

وتخطى ابن “نجريج” حاجز 100 هدف ووصل للهدف رقم 101 في مسيرته الأوروبية مع الأندية المختلفة في جميع المسابقات، مع بازل السويسري وتشيلسي الإنجليزي وفيورنيتنا وروما الإيطاليين وليفربول.

كأس العالم وصلاح الدولي

على صعيد منتخب بلاده، تدرج صلاح في فئاته السنية المختلفة، وشارك في العديد من المنافسات التي خاضها المنتخب.

فأحرز مع منتخب مصر المركز الثالث في بطولة أفريقيا للشباب عام 2011، وحقق المركز الثاني في منافسات بطولة أمم أفريقيا عام 2017.

إلا أن الإنجاز الأكبر تمثل في قيادة المنتخب الأول للتأهل إلى كأس العالم المقرر إقامتها في يونيو/ حزيران المقبل في روسيا.

ورغم تلك النجومية والعالمية في ليفربول يعود الفرعون الصغير لقريته نجريج كل مرة مدعمًا إياها بإنشاءات خدمية وأعمال خيرية عديدة، لم تنقطع لقريته ولأنحاء عدة في مصر.