يعتبر محمود الهباش من أكثر الشخصيات الجدلية والمثيرة للجدل من بين الشخصيات التي لها باع كبير في الفساد وإثارة الفتن في السلطة الفلسطينية، فالصعود الصاروخي للهباش من سائق تاكسي وبائع خضار إلى سدة الحكم مفارقة قد لا تجدها عند الكثير من المسؤولين الفلسطينيين، فجلَّ مسؤولي السلطة جاؤوا من خلفية تنظيمية تابعة لحركة فتح أو أمنية مدعومة من إسرائيل، فبعد تأسيس السلطة الفلسطينية كان معظم من تبوأ المناصب له تاريخ حافل  مع التطبيع أو تواطؤ عائلي لأبويه وأجداده مع الاحتلال البريطاني والإسرائيلي، والأمثلة أكثر من أن تحصى، فهؤلاء جميعاً كان التنظيم الفتحاوي في ظهورهم  أو الاحتلال الإسرائيلي داعماً أساسياً لهم، وهناك فئة اعتمدت على دعم دول الجوار كمندوب لهذه الدولة بالسلطة الفلسطينية مثل جبريل الرجوب وعلاقته بمصر ومحمد دحلان وعلاقته بالإمارات ومحمود عباس وعلاقته بالمخابرات الروسية وهكذا للجميع، لكن محمود الهباش بدأ حياته السياسية بطريقة مغايرة على قاعدة سأصل إلى رأس الهرم إما بسلم وإما على الجماجم ورفات القتلى، فلو عدنا قليلاً إلى الخلف قامت إستراتيجية الهباش الأولى المولود في مخيم النصيرات في قطاع غزة عام 1963م على الانتساب إلى تنظيم ما والوصول من خلاله للمراتب العليا في ذلك التنظيم، وبسبب نشأته في قطاع غزة توجه نظره بداية إلى التنظيم الأقوى على الساحة الغزاوية وهو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وانتسب إلى صفوفها ممنّياً النفس بالصعود إلى هرم تلك الحركة مما يسهل له تحقيق مآربه الشخصية المتمثلة بالثراء العاجل وتحقيق نفوذ كان يتوق إليه أثناء عملة كسائق وبائع خضار في مخيم النصيرات ومدن قطاع غزة، خاصة أنه كان يتعرض للتنمر من السائقين والباعة الآخرين، فكان طموحه الوصول إلى أعلا المراتب للخروج من مأزق التنمر عليه والذي مثّل له  عقدة كأداء ما زال يحياها حتى الآن، ويعيد ما كان يحصل معه ضد الآخرين افتراءً وتهدئة لنفسه المريضة. واستقبلته حركة حماس بين صفوفها وأحسنت معاملته؛ إلا أنه آثر الفساد وسلوك الطرق المُلتفة فبعد فترة بسيطة من انتماءه للحركة تورط في قضايا فساد وسرقة للأموال جعلت حركة حماس تلفظه معيدة إياه إلى الشارع، فكان للهباش نصيب من اسمه (الهباش)،  لكن طموحه لم يتركه يعود إلى ما كان عليه، فأسس حزباً سياسياً وسمّاه حزب الاتحاد، وأخذ يمارس من خلاله نشاطه للوصول إلى الجاه والسلطة مرة أخرى، إلا أن انكشاف أمره ومعرفة أهل غزة بسلوكياته المعيبة جعلت حزبه هذا لا يتمتع بأي مصداقية في الشارع الفلسطيني، فعمل على تحصيل مؤهل علمي مجهول مكان الانتساب الاكاديمي، حتى يكمل مسلسل تسلقه وتحقيق مبتغاه. وكانت عينه هذه المرة على تنظيم فتح لما يشكله من قوة لها وزن في الشارع الفلسطيني، فكانت استراتيجيته قائمة على شتم تنظيمه السابق وإصدار تصريحات ضد حركة حماس وأفرادها ومقاوميها، وأمتهن هذا العمل حتى أصبح أسم الهباش مقترناً بكل تهجم وافتراء على هذه الحركة، لا لشيء سوى أنها رفضت فساده وعرّت كذبه، من هنا التقطته حركة فتح وجعلته بوقاً ناعقاً  للشتيمة ومهاجمة الآخرين، وفي عام 2007م هرب من قطاع غزة متوجهاً صوب الضفة الغربية، ومنها بدأ مشوار صعوده المريب في سلم الفساد والاختلاس والسرقة، فتم تعيينه في حكومة سلام فياض (عراب التنسيق الأمني والتوريط المالي للفلسطينيين) وزيراً للزراعة ووزير للأوقاف والمقدسات الإسلامية وأخيراً قاضياً لقضاة فلسطين ومستشار الرئيس للشؤون الدينية وخطيب مسجد التشريفات في رام الله، هذا الصعود مكنّه من تأسيس دولته الخاصة داخل السلطة الفلسطينية، وقودها مهاجمة حركة حماس والتودد للإسرائيليين، فأحكم سيطرته على الجهاز الشرعي والقضائي الفلسطيني وعلى إدارة المساجد والأوقاف، وجعل الوظيفة في هذه المؤسسات مرتبطة به شخصياً وضرورة أن يقدم الموظف في هذه الدوائر الولاء الشخصي له ومباركة الأجهزة الأمنية، فمن يعين بهذه المؤسسات يجب أن يكون مرتبطاً عضوياً بجهازي المخابرات العامة والامن الوقائي وموافقة الهباش الشخصية، مما جعل الجهاز الشرعي الفلسطيني بكافة مكوناته مزرعة خاصة للهباش وبحماية أمنية فلسطينية، هذا  الأمر جعل المساجد تخلو من الأئمة، فالشرط الأساسي لتولي هذه الوظيفة تعاون الإمام مع الأجهزة الأمنية والتبليغ عن كل نشاط يحصل في مسجده، وأن تكون الخطب موالية للسلطة ولا تتطرق للشأن العام، فالخطبة تُكتب في مقرات الأجهزة الأمنية وتوزع عن طريق دوائر الأوقاف في كل مدينة، والأمِّة السابقون يتعرضون لمضايقات وتحذيرات قبل الصعود إلى المنابر، والقضاة الشرعيون يجب أن يكون ولائهم للهباش وطاعتهم للأجهزة الأمنية، وتم تفريغ دوائر الأوقاف من كافة الموظفين الذين يخالفون رأي الهباش وتوجهاته، سواء بالإقالة أو النقل أو التهميش وسحب الصلاحيات، وأمسى من يتولى إدارة دوائر الأوقاف مندوبين للأجهزة الأمنية مثل محمد جهاد الكيلاني مدير اوقاف مدينة نابلس وغيره من المدراء، وأصبحت الأوقاف تلعب دوراً أمنياً اكثر منه شرعياً، والهباش ملك متوج لهذا القطاع دون حسيب أو رقيب، ولم يكتفِ الهباش بذلك فقد قام بإنشاء مباني جديدة للدوائر القائمة والاستفادة من العمولة التي تقاضاها من قبل المقاولين والتي قدرت بملايين الدولات، بالإضافة لتأجير آلاف الدونمات التابعة للأوقاف بقيمة دينار واحد للدونم، مع العلم إن هذه الأراضي تدر ملايين الدولات، مما يعني وجود اتفاق من الباطن لتقاسم الريع مع من استأجر هذه الأراضي، كذلك عمد على توفير وظائف عليا لأولاده في السلطة الفلسطينية، فأبنه أنس تم تعيينه وكيل عام للنيابة، علماً أن معدله في الثانوية العام 53 وتم منحه شهادة بالقانون زوراً وبهتاناً وبالوساطة وواسطة أبيه، وأما ابنته شيماء فتم تعينينها سكرتير ثاني في السفارة الفلسطينية في تركيا وابنته إسراء مستشارة في مكتب الرئيس وحاليا في هيئة مكافحة الفساد، وامتدت شبكة أملاكه لتشمل عشرات العقارات في الضفة الغربية والأردن والإمارات العربية المتحدة وبعض الدول الأوروبية ومعظم هذه الأملاك مسجلة باسم زوجته أمل يوسف الهباش.

لم يكن وصول الهباش لما وصل إليه سهلاً فقد كلفه ذلك أن يصبح ملك الشتيمة والافتراء، والصعود إلى منابر المساجد وإصدار فتاوى بقتل الفلسطينيين وكل من يخالف الرئيس محمود عباس، وإصدار فتوى يقول فيها أن حضور جنازة إسحاق رابين وحكام دولة إسرائيل واجب ديني وأن الرسول محمد صل الله عليه وسلم لو كان حياً لفعل ما فعله عباس، كذلك التحريض بامتداد قصف قطاع غزة من قبل السعودية والتحالف العربي أسوة بقصف اليمن، والتحريض على قتل المتظاهرين الفلسطينيين، والدخول في علاقات ودية مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وغير هذه الأمور الكثير مما بُطًن منها أو ظهر. ومازال الهباش يثير الكثير من القضايا ويجيد العزف على ما يروق لنفس محمود عباس وزبانيته لعلمه أن هذه الطريق التي تحفظ له ما وصل إليه، وقد نجح محمود الهباش بجمع مجموعة من الموالين له والمدافعين عنه، خاصة من أوساط من تم شراؤهم بالمناصب مثل القاضي عبد الله حرب مدير ديوان التفتيش وعضو محكمة الاستئناف الشرعية والذي نصّب نفسه مدافعاً أول عن سلوكيات الهباش وتجميلها بآراء شرعية يفصلها حسب المطلوب.

والهباش على هذه الصورة أصبح ظاهرة ملفتة محلياً ودولياً على الفساد واستغلال المنصب لتحقيق مآرب خاصة، وهو يرى نفسه بأنه حقق ما يريد خاصة الانتقام من حركة حماس بسبب فصله منها بعد سرقته لأموال كان مؤتمن عليها.