تأثرت القضية الفلسطينية بالعديد من التطورات البائسة في العقد الماضي. لم تتحقق المصالحة التي طال انتظارها بين فتح وحماس بعد؛ ولا تزال المخططات الاستيطانية الإسرائيلية مستمرة، بهدف سيء لابتلاع الضفة الغربية بأكملها، وتم نقل السفارة الأمريكية رسميا إلى مدينة القدس المحتلة مما أدى إلى مقتل أي أمل في حل الدولتين. قامت أربع دول عربية بتطبيع العلاقات رسميا مع الاحتلال الإسرائيلي، والأهم من ذلك، أن إسرائيل قتلت الآلاف من الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وأصابت عشرات الآلاف، مع عدم وجود أمل في الأفق في حل قضية السجناء أو اللاجئين.
ومع ذلك، فإن سلوك القيادة الفلسطينية تجاه هذه الفظائع البشعة لا يلبي الحد الأدنى من توقعات الشعب الفلسطيني، الذي يكافح منذ أكثر من سبعة عقود ضد الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الصهيوني في المنطقة. في الواقع، أعطى سلوك السلطة الفلسطينية إهانة للضرر بالحقائق الجديدة المبنية على الأرض، مما يشير إلى أن هناك نخبة صاعدة من داخل السلطة الفلسطينية تفضل بقاء الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، بالنظر إلى حقيقة أن مصالح النخبة أصبحت متشابكة إلى حد كبير مع بقاء الاحتلال الإسرائيلي. ناهيك عن تصرفات الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخيرة التي أظهرت أن الزعيم الفلسطيني لا يفعل شيئا سوى السير على خطى الديكتاتوريين العرب.
تتراوح هذه الإجراءات، بدءا من إجراءاته العقابية المستمرة ضد قطاع غزة، وقمع قوات الأمن للمنشقين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقراره بحل الكيان المنتخب الوحيد في “برلمان” المجلس التشريعي الفلسطيني، ومؤخرا قراره الأحادي الجانب بعقد المجلس المركزي الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي يهدف إلى ترتيب حقبة ما بعد عباس من خلال منح المزيد من السلطة والنفوذ لفريق فتح ذي التوجه الأمني.
منذ منتصف عام 2017، تفرض السلطة الفلسطينية التي يقودها عباس إجراءات عقابية ضد شعب قطاع غزة، بحجة “ممارسة الضغط على حماس لتسليم مقاليد السلطة في غزة”، في خطوة أدت إلى تفاقم الوضع الإنساني البائس بالفعل في القطاع الساحلي.
وفقا لتقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش بعد أشهر من دخول العقوبات حيز التنفيذ، فإن إجراءات السلطة الفلسطينية “فاقمت” الظروف القاسية للشعب الناجمة عن الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 16 عاما على غزة. جاءت هذه الإجراءات، التي استهدفت أيضا أعضاء فتح الذين يعيشون في غزة الفقيرة، ضمن سياسة “العقاب الجماعي” وهو إجراء يلجأ إليه العديد من الديكتاتوريين العرب أثناء التعامل مع خصومهم السياسيين. التاريخ العربي مليء بجرائم “العقاب الجماعي” التي يرتكبها الطغاة العرب ضد شعوبهم. جرائم صدام حسين ضد الأكراد، وفظائع الأسد ضد سكان مدينة حماة، ومذابح معمر القذافي ضد سكان بنغازي ومصراتة، ومؤخرا، مذبحة عبد الفتاح السيسي لمتظاهري ميدان رابعة.
كان للعمل الثاني للسلوك الديكتاتوري للرئيس الفلسطيني علاقة باستهداف معارضيه. كان قتل شخصية المعارضة الفلسطينية الشهيرة، نزار بنات، مثالا فظيعا على هذه السياسة الهجومية. كان بنات على رأس قائمة الانتخابات التي كانت تعمل ليلا ونهارا للترشح لانتخابات البرلمان الفلسطيني المقرر إجراؤها في مايو من العام الماضي. تم إلغاء العملية الانتخابية بأكملها ولا أحد يعرف الأسباب الدقيقة وراء ذلك، بحجة الإنكار الإسرائيلي لاحتجازهم في القدس، التي كانت موجودة دائما. كانت العديد من القوى السياسية الفلسطينية، بما في ذلك القائمة الانتخابية لبنات تناقش بدائل للقرار الإسرائيلي، ولكن كل شيء عبث بعد خطوة عباس الأحادية الجانب. ذكّر هذا الحادث الشعب الفلسطيني بالاغتيالات ذات الدوافع السياسية التي وقعت في البلدان العربية المجاورة، حيث تعامل هذه الأنظمة الديكتاتورية دائما مع شخصيات المعارضة على أنها ليست سوى تهديد محتمل.
ثالثا، تم تبني تحرك عباس لإلغاء البرلمان الفلسطيني باعتباره الهيئة المنتخبة الوحيدة دون أي أسس قانونية. تم انتخاب البرلمان الفلسطيني في عام 2006، حيث اجتاحت منافستها السياسية حماس النتائج وحصلت على أكثر من 60 في المائة من المقاعد. منذ ذلك الوقت، سجنت إسرائيل العشرات من نواب الضفة الغربية، مما ساهم في تعطيل أنشطة البرلمان. علاوة على ذلك، أمر الرئيس عباس بإغلاق أبواب البرلمان مما أعاق عقد أي جلسة برلمانية لأكثر من عشر سنوات. وفقا للقانون الأساسي الفلسطيني، لا أحد لديه سلطة حل البرلمان الفلسطيني الذي يجب أن يستمر حتى يتم انتخاب برلمان جديد. شكل عباس محكمة دستورية مهمتها الخاصة لحل البرلمان، بهدف تمكين الرئيس الفلسطيني من السيطرة على السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية.
رابعا -وفي الآونة الأخيرة خصوصًا- عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله لمناقشة القضايا الحرجة للغاية المتعلقة بالشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وخارجها. علاوة على ذلك، فإن جهل القيادة بمطالب ثلاثة من أكبر الفصائل الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) يطلب عقد جلسة للحزب الشيوعي الصيني بما يتماشى مع أعلى تطلعات الشعب الفلسطيني. على العكس من ذلك، عقد لمناقشة المصالح الحزبية الضيقة جدا لفتح، فصيل الرئيس، وغض الطرف عن الانتهاكات اليومية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وأهمها التطورات الدراماتيكية في حي الشيخ جراح والسياسات الاستيطانية التوسعية في الضفة الغربية المحتلة.
تقول هذه الإجراءات أن الرئيس الفلسطيني يحكم الأراضي المحتلة بطريقة ديكتاتورية كاملة. الزعيم الفلسطيني لا يعاقب شعبه بشكل جماعي فحسب، بل إن أجهزته الأمنية تتخلص من معارضيه، ناهيك عن حقيقة أن كياناته القضائية تلغي المجالس المنتخبة لتمهيد الطريق لنشأة المؤسسات المعينة.
من خلال امتلاك السلطة المطلقة وإلغاء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، تحول الرئيس عباس، للأسف، إلى ديكتاتور متعجرف لم يعد الشخص المناسب لحكم شعب عظيم وثوري مثل الفلسطينيين.
اضف تعليقا