العدسة – ياسين وجدي :

 

“أنور قرقاش” وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية ، اسم ترعرع مع فرض الحصار على قطر ، ولا يرى صوته خارج هذه الدائرة ، فسمح لنفسه بإطلاق تهديدات جديدة مطلع العام 2019 باستمرار الحصار على قطر ، وامتدت إلى الكشف عن مواجهة مع تركيا ، بجانب المشاركة في التصعيد الأمريكي ضد إيران.

استند رجل ولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد” إلى الأكاذيب في مواجهة قطر ، وأحلام النفوذ الإماراتي المتضررة من صعود الأتراك ، ورغبات التواطؤ مع البيت الأبيض في مواجهة طهران، فكانت تهديداته كاشفة وفاضحة بحسب المراقبين، وهو ما نتوقف عنده.

حلف الفشل !

سقط رباعي الحصار في العام 2018 في مستنقع الفشل بحسب المراقبين ، لعدة أسباب، ولكن يبدو أن دول الحصار لازالت تنكر بحسب تصريحات”ٌ قرقاش”.

ويأتي في مقدمة أسباب الفشل بحسب ما يرى مراقبون  الاستراتيجية السريعة التي اعتمدتها الدوحة لمواجهة الحصار ، في ظل تجاوب المواطنين ومجتمع الأعمال مع التوجيهات الرسمية بجانب التروي في اتخاذ القرارات الاقتصادية، والدقة في تحديد متطلبات السوق، وآليات الحفاظ على استقرار الاقتصاد، و سرعة إيجاد البدائل لتعويض أي نقص محتمل في احتياجات المواطنين.

وكان النشاط الدبلوماسي والعلاقات المشتركة مع الدول ، أحد أسلحة الدوحة التي أفشلت المخطط مبكرا بحسب المراقبين الذين أكدوا أن تعزيز قطر لعلاقاتها الاقتصادية مع الدولتين الخليجيتين اللتين لم تشاركا في حصار قطر، وهما سلطنة عمان والكويت، مرورا بدول آسيوية وأوروبية، ومنها تركيا والهند وأذربيجان وألمانيا وإيطاليا ، ساهم  في تنويع مصادر الاستيراد، بهدف الحفاظ على استقرار الأسواق المحلية وتوفير مختلف السلع، والحفاظ على مستويات الأسعار الحالية، وطمأنة المستهلكين.

وبحسب وزير الدفاع القطري خالد بن حمد العطية فإن وقوف تركيا بجانب الدوحة كان أول العوامل الخارجية التي  أفشلت الحصار بالدرجة الأولى بالاضافة إلى عامل داخلي وهو لحمة الشعب القطري ووقوفه خلف القيادة ، موضحا أن دول الحصار كانت تراهن على دعم أمريكي لعمل عسكري ضد قطر، وهو زعم خاطئ لا يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الولايات المتحدة وشكل الحكم فيها بالإضافة إلى علاقتها الاستراتيجية مع قطر.

فشل الحصار كذلك أرجعه البعض إلى وجود إرادة سياسية قوية تستند إلى اقتصاد متين صلب وقطاع مصرفي قوي واحتياطي أجنبي ضخم، ومساندة الشعب لقيادته من أجل ترسيخ استقلالية بلده وقراره الوطني، أحبط كل المؤامرات التي سعت دول الحصار من خلالها إلى إخضاع قطر لإملاءاتها الخارجية بأدوات اقتصادية ومالية لم تنفعها بجانب انفتاح أكبر على العالم وعقدت شراكات إقليمية مع دول اعتمدت عليها في تأمين السلع الضرورية لسوقها الاستهلاكية مع تعزيز المشروعات التي تفيدها في تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المنتجات وتنويع الشركاء التجاريين والعمل على جذب الاستثمار الأجنبي.

استمرار غير مؤثر!

وفق ما أعلنه “قرقاش”  فإن حصار قطر مستمر في عام 2019، ولكن يرى مراقبون أن قطر تجاوزت عمليا إجراءات الحصار بشكل يجعل إعادة الكرة في 2019 غير مجدي أو مؤثر.

قطر من جانبها مستعدة لاستكمال الصمود والمواجهة ، وهو ما ظهر من تصريحات مدير المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية القطرية، أحمد الرميحي، حيث رد على “قرقاش” مؤكدا استمرار المواجهة لتحقيق هزائم جديدة للحلف ، واصفا ما صدر عن قرقاش بأنه  محاولة لفرض سياسة أمر واقع من وجهة نظره ولكنها مغايرة للواقع الذي اتضح فيه هزائمهم في الحصار على قطر.

في هذا الإطار يتعذر وفق تقديرات مرصودة حدوث أي تفوق لرباعي الحصار على الدوحة على المستوى القريب، حيث حققت قطر صمودا واضحا وتقدما دبلوماسيا يحصن أي محاولة جديدة لتفعيل الضربة ، وبحسب مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية فإن قطر باتت اليوم تتمتع بنفوذ أكبر في الغرب أكثر من أي وقت مضى ووفق مصادرها العربية فإن “قطر فازت بحرب العلاقات العامة، ولعبت بأوراقها بشكل صحيح”.

صحيفة الجارديان البريطانية كذلك في هذا السياق أكدت أن نجاح الدبلوماسية القطرية وفاعليتها أسهما كثيراً في تخفيف ضغط دول الحصار الخليجي على قطر، كما أكدت صحيفة لوفيغارو الفرنسية انتصار قطر في المعركة الإعلامية الدولية دفاعا عن نفسها وهو ما قصّ أجنحة خصومها بحسب تقديراتها وتعبيراتها.

اقتصاديا ، شهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نفسه لقطر بالقوة الاقتصادية ، وهو ما رصدت ملامحه تقارير اقتصادية موثقة ، كشفت عن تحقيق الاقتصاد القطري نمواً في عام 2018 بنسبة 2.8%، متجاوزا بذلك توقعات صندوق النقد الدولي، الذي قال بتقرير نشره في نوفمبر الماضي، إن اقتصاد قطر سينمو بنسبة 2.4% في 2018، كما حلت قطر بالمرتبة الأولى عالمياً في مؤشر الدول المحققة للنمو الاقتصادي خلال 20 عاماً مضت ، ونمت احتياطيات البنوك بنسبة 5% في الأرباع الثلاثة الأولى من العام الحالي ، وبلغ متوسط نمو اقتصادي سنوي مركّب مستوى 10.5%، في حين حلَّت الصين بالمرتبة الثانية عالمياً بنسبة نمو اقتصادي بلغت 9.1%.

كما عادت الاحتياطيات الدولية والسيولة بالعملة الأجنبية إلى مستوياتها الطبيعية بعد انخفاض لافت عقب بدء الحصار في يونيو 2017 ، ووصلت إلى 46.5 مليار دولار في نهاية الربع الثالث من عام 2018 ، فيما سجلت موازنة السنة المالية 2019 وجود فائض بقيمة 4.3 مليارات ريال (نحو 1.2 مليار دولار)، وارتفاع الإنفاق 1.7% عن خطة موازنة العام الحالي.

في هذا السياق أكدت وكالة “بلومبيرغ” في تقرير حديث أن أصول دولة قطر المالية استطاعت أن تسجّل تفوّقاً لافتاً في أدائها في العام 2018 ، قياساً بما انتهت إليه أصول اقتصادات بقية دول مجلس التعاون الخليجي، رغم الحصار ، وهو ما ظهر في انخفاض مخاطر الائتمان في قطر، وارتفاع مؤشرات الأسهم،  وأداء البورصة الذي حققت فيه الدوحة أكبر ارتفاع لمؤشرها الرئيسي الذي كسب 21%، مقابل 9.5% لأبوظبي، و7% للسعودية، مقابل تراجع بلغ أقصاه في دبي التي خسر مؤشرها الرئيسي 26%.

تركيا وايران

ويتبقى في خارطة  “قرقاش ” لعام 2019  ، إعلان ما أسماه “المحور العربي” والمعروف إعلاميا بمحور الشر تعزيز قوته في مقابل المحاور الإيرانية التركية بجانب استمرار الإمارات في دورها الداعم للديكتاتوريات بالمنطقة وفق مضمون ما صرح، ولكن هذه المواجهة قد لا تحقق النجاح المأمول فيما يبدو للمراقبين حتى الآن.

ووفقا لخبراء ، فإن الدولة التركية ، خاضت مواجهة ناجحة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، خرجت منها أكثر قوة وتحكما في أوراق اللعبة مع الغرب وفي المنطقة المحفوفة بالألغام السياسية كما في سوريا ، ولذلك فإن مواجهة الحلف الرباعي لها سيصطدم بتحالفاتها الغربية خاصة مع البيت الأبيض وعلاقتها بروسيا ، وهو ما يقلل من فرص إحراز تقدم عليها.

متابعون للشأن التركي يرون في هذا الإطار أن وضع أنقرة في خارطة رباعي الحصار يستهدف التخفيف على السعودية في ملف اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول ، والبحث عن ضغوط تدفع تركيا على وقف ملاحقة قتلة “خاشقجي” أو تصعيد الأمر إلى القضاء الدولي ، وهو كذلك ما قد يفشل في ظل وجود أطراف كثيرة تستخدم قضية “خاشقجي” في الغرب للضغط على السعودية لتحقيق العدالة أو ابتزاز المملكة أكثر.

أما إيران ،فهي بحسب مراقبين ، باتت في فوهة المدفع الأمريكي ، وبالتالي فوضعها في قائمة استهداف رباعي الحصار مفهوم سياقه  في ظل تحرك إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للضغط بكافة الأوراق على طهران ، والتي يتوقف نجاح الحلف الرباعي على إيران على شكل المواجهة الأمريكية المقترحة ومدى نجاحها خاصة مع السعي الأمريكي الحثيث لإنشاء حلف ناتو عربي لمواجهة إيران.