العدسة – منصور عطية
ليست مجرد “طبخة” إقليمية تشارك أطراف عدة في صنعها، لكن المضِيّ قدمًا في تنفيذ صفقة القرن على أرض الواقع يبدو أنه سيكون “بالقطعة” وليس على دفعة واحدة.
الأمر كشفته مخططات إسرائيلية تسعى لضمّ الضفة الغربية كاملة إلى مناطق السيادة لدولة الاحتلال، في تمهيد واضح وتدريجي من أجل إحكام السيطرة على تلك المناطق.
خطة شاكيد
صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية كشفت في تقرير لها عن خطة لوزيرة العدل الإسرائيلية “إيليت شاكيد” لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية إلى نطاق اختصاص المحاكم المركزية للاحتلال، حيث وافقت لجنة حكومية ترأسها على مشروع قانون بهذا الشأن.
وقالت الصحيفة، إنَّ إدارة ترامب هي أقل الإدارات الأمريكية انتقادًا للسياسات الإسرائيلية، مما منح الحكومة الإسرائيلية الشعور بأن الوقت مناسب للاستفادة القصوى من الوضع، وأن “شاكيد” مدافعة صريحة عن فكرة ضم أجزاء من أراضي الضفة الغربية التي تأمل السلطة الفلسطينية الحصول عليها من أجل إقامة دولة مستقبلية.
التشريع المرتقب سيمنع السلطة الفلسطينية من الالتماس للمحكمة العليا الإسرائيلية بشأن النزاعات على الأراضي مع المستوطنات، الأمر الذي يعزز سيطرة إسرائيل على الأرض.
“شاكيد” قالت إن الوقت قد حان لتطبيق السيادة الإسرائيلية على أراضي مناطق الضفة الغربية المصنفة (C)، وفقا التصنيف الذي وضعته اتفاقية أوسلو الثانية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية الموقعة 1995.
هذه المنطقة المتصلة جغرافيا والواعدة فيما يخص إمكانات التطوير الحضري والعمراني تشغل مساحة تقدر بنحو 61% من إجمالي مساحة الضفة الغربية المحتلة، وهي تقع تحت السيطرة الفعلية الإسرائيلية، لكن يمثل الفلسطينيون هناك مصدر إزعاج للاحتلال بسبب النزاعات المتكررة على الأراضي مع المستوطنات.
باقي المساحة (39%) صُنفت ضمن منطقتي (A) و(B) يشغل معظمها العمران الفلسطيني لكنها تفتقر إلى التواصل الجغرافي، حيث تتوزع على 165 منطقة منعزلة تنتشر في أنحاء الضفة نُقلت السيطرة عليها شكليًا ليد السلطة الفلسطينية.
الوزيرة الإسرائيلية قالت: “في المنطقة C هناك نصف مليون إسرائيلي و100 ألف فلسطيني، وأعتقد أنه ينبغي لنا أن نطبق القانون الإسرائيلي على هذه المنطقة..”.
تطورات وثيقة الصلة
ولعلَّ الكشف عن الخطة الإسرائيلية الجديدة لا يمكن قراءته بمعزل عن مجموعة من التطورات السريعة والمتلاحقة وثيقة الصلة بمضمون الخطة.
فقبل أيام فقط، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، عزمها نقل سفارتها إلى القدس في 14 مايو المقبل، تتويجًا لقرار الرئيس دونالد ترامب في ديسمبر الماضي، اعتبار القدس عاصمة موحدة للاحتلال.
القرار الأمريكي جاء بعد يوم واحد من تصريحات للسفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة “نيكي هايلي” قالت فيها إنَّ “اقتراح خطة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين اكتمل تقريبا”.
التصريح كان ردًا على أسئلة طرحها “ديفيد إكسلرود” المستشار السابق لدى إدارة باراك أوباما، بشأن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقالت “هايلي” عن الخطة: “أعتقد أننا في طور إنجازه”.
النشاط الأممي الأمريكي كان ملحوظًا أيضًا؛ حيث عقد مبعوثا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، صهره جاريد كوشنر وموفده إلى الشرق الأوسط “جيسون جرينبلات” جلسة مغلقة بمجلس الأمن، الثلاثاء، طلبا فيها دعم الأمم المتحدة لخطة سلام أكدا أنها ستُنجز قريبا.
وفي أوائل فبراير الجاري أبلغ “جرينبلات” قناصل دول أوروبية معتمدين في القدس، بأن صفقة القرن “في مراحلها الأخيرة”، ونقلت تقارير إعلامية عن أحد المشاركين في اللقاء -دون ذكر اسمه- أن “جرينبلات” في معرض حديثه عن صفقة القرن أكد للمسؤولين الأوروبيين أن “الطبخة على النار ولم يبق سوى إضافة القليل من الملح والبهارات”، على حد تعبيره.
وقال المبعوث الأمريكي إن الخطة الجاري إعدادها تشمل المنطقة، وإن الفلسطينيين أحد أطرافها، لكنهم ليسوا الطرف المقرر في تطبيقها، وفي السياق ذاته يقول مسؤولون أمريكيون إن ترامب سيكشف قبل منتصف العام الحالي عن خطة لتسوية الصراع الفلسطيني، بات من المؤكد أنها هي صفقة القرن.
صفقة القرن بالقطعة
إذن فالرابط واضح بين هذه المتفرقات على نحو يدفع إلى القول بأن الرغبة الأمريكية والإسرائيلية تقضي بأن يتم تنفيذ صفقة القرن على مراحل “بالقطعة” وليس دفعة واحدة.
بدأت القصة بشبه جزيرة سيناء؛ حيث نشطت عمليات التهجير التي تنفذها السلطات المصرية لأهالي المناطق الحدودية مع قطاع غزة، بدعوى إخلائها لمواجهة التنظيمات المسلحة، ثم كان قراري القدس ونقل السفارة الأمريكية، والآن مخطط ضم الضفة الغربية.
ولعل الرئيس عبدالفتاح السيسي هو أول من تحدث عن صفقة القرن في تصريح أدلى به خلال زيارته إلى أمريكا ولقائه نظيره دونالد ترامب في أبريل الماضي، حينما قال له: “ستجدني بكل قوة ووضوح داعمًا لأى مساعٍ لإيجاد حل للقضية الفلسطينية في صفقة القرن، ومتأكد أنك تستطيع أن تحلها”.
الحديث عن صفقة القرن يعود إلى عام 2010، حين أنهى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء احتياط “جيورا أيلاند”، عرض المشروع المقترح لتسوية الصراع مع الفلسطينيين في إطار دراسة أعدها لصالح مركز “بيجين-السادات” للدراسات الاستراتيجية، بعنوان: “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”.
الدراسة التي نشرت تفاصيلها تقارير إعلامية في حينه، تقوم على اقتطاع 720 كيلومترًا مربعًا من شمال سيناء للدولة الفلسطينية المقترحة تبدأ من الحدود المصرية مع غزة، وحتى حدود مدينة العريش، على أن تحصل مصر على مساحة مماثلة داخل صحراء النقب الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، بينما تخلو الضفة الغربية بالكامل للاحتلال.
اضف تعليقا