العدسة – معتز أشرف:
للمرة الرابعة وبمخالفة صارخة للدستور، أطلق نظام الديكتاتور المصري عبد الفتاح العنان لحالة الطوارئ للمدة الرابعة، رغم الهدوء الواضح في العمليات الإرهابية وإجراء الانتخابات الرئاسية، في ظلِّ مناخ وصفته السلطات المصرية نفسها بالآمن والإيجابي، لكن للمدِّ رواية أخرى ترتبط، وفق مراقبين، بالقرارات المتوقعة بإلغاء الدعم عن البنزين، وهو ما يرى كثيرون أنَّه قد يفجِّر غضب الغلابة والفقراء في مصر، ويربطون قرار المدّ بالبُعد الاقتصادي في ظلِّ حملة إسكات الصحافة المتصاعدة في مصر.
لا جديد!
أصدر الديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي، مساء الجمعة 13 أبريل، قرارًا بتمديد حالة الطوارئ لثلاثة أشهر أخرى اعتبارًا، من صباح يوم السبت 14 أبريل، ثم انعقد مجلس النواب برئاسة علي عبد العال، مساء الأحد 15 أبريل، ليصدق على القرار وقوفًا بأغلبية أعضاء المجلس، ولكن في المرتين لم يعلن سببًا جديدًا يقنِّن تمديد حالة الطوارئ، خاصة أنَّه جاء فى تقرير اللجنة العامة لمجلس النواب (رئيس المجلس ووكيليه ورؤساء اللجان الفرعية والهيئات البرلمانية والائتلاف) بحضور الأمين العام للمجلس ووزير شئون مجلس النواب المستشار عمر مروان- التي ناقشت القرار قبل إقراره – أنَّ عمل قوات الأمن فى ظل الطوارئ ضرورة للقضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه ودَرْء مخاطره قبل وقوعها، والأسباب التى ساقها رئيس الوزراء فى بيانه أمام البرلمان تستدعي فرض الطوارئ وبصورة سريعة.
رئيس الوزراء نفسه في كلمته أرجع القرار إلى ما أسماه ” نظرًا للظروف الحالية التى تشهدها البلاد ولاستكمال جهودها فى مكافحة الإرهاب”، فيما لم يوضِّح طبيعة الظروف الحالية، خاصة في ظلِّ تحيته للقوات المسلحة على نجاحها في مواجهة الإرهاب والإشادة بإجراء الانتخابات الرئاسية في أجواء إيجابية؛ حيث قال رئيس الوزراء: “أفشلنا مخططاتهم الدنيئة للنيْل من وحدتنا واستقرارنا بفضل عزيمة وصلابة أبطالنا من رجال القوات المسلحة والشرطة”. وتابع القول: “لقد شهدت مصر منذ أيام قليلة حدثًا مهمًا بإجراء الانتخابات الرئاسية تمكنت خلاله قواتنا المسلحة والشرطة من إتاحة مناخ آمن للناخبين”. فيما قال علي عبد العال: “إنَّ الإرهاب كما تلاحظون يلفظ أنفاسه الأخيرة؛ نظرًا إلى مجهود القوات المسلحة والداخلية في سيناء” وهو ما يعني عدم الحاجة إلى مد الطوارئ مجددًا، وفق البعض.
وتعدّ هذه هي المرة الرابعة التي يتم فيها مدّ حالة الطوارئ المعلنة في مصر منذ أبريل 2017؛ ردًا على هجومين استهدفا آنذاك كنيستين في الإسكندرية والغربية، وأوقعا 45 قتيلًا على الأقل، وتبناهما تنظيم “داعش”، ووقتها قالت الحكومة في البرلمان: “إنها تريد مواجهة الإرهاب عبر فرض حالة الطوارئ”، ثم قررت مدّها ثلاث مرات في أشهر يوليو وأكتوبر ويناير الماضية.
بطلان دستوري
وبينما يتحدث مراقبون قانونيون عن بطلان القرار دستوريًا، اعتمادًا على نص المادة 154 من الدستور زعم السفير أشرف سلطان، المتحدث الرسمي باسم الحكومة المصرية، بأنَّ تقديم الحكومة الممثلة في شخص رئيس الوزراء شريف إسماعيل مد حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر أخرى هو أمر دستوري حتمي، فيما لم يوضِّح على أساس دستوري استندت الحكومة في القرار!.
وتنصّ المادة 154 من الدستور على أن “يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، حالة الطوارئ على النحو الذي ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه، وإذا حدث الإعلان في غير دور الانعقاد العادي، وجبت دعوة المجلس إلى الانعقاد فورًا للعرض عليه، وفي جميع الأحوال تجب موافقة غالبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمدّ لمدة أخرى مماثلة إلا بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس، وإذا كان المجلس غير قائم يعرض الأمر على مجلس الوزراء للموافقة، على أن يعرض على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له، ولا يجوز حلّ مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ “، وهو ما يعني بحسب قانونيين أنه لا يحق للحكومة مد الطوارئ لأكثر من مرتين متتاليتين، وما دون ذلك يجب عرض الأمر على الشعب من خلال استفتاء شعبي، أما موافقة البرلمان فمخالف للدستور، ويجوز الطعن على القرار أمام المحكمة الدستورية أو القضاء الإداري؛ لإلغاء قرار الحكومة بفرض الطوارئ مجددًا خاصة أن الحكومة لم تلجأ لحيلة إلغاء العمل بالقانون لفترة وجيزة ثم العودة بقرار بفرض حالة الطوارئ من جديد، بموافقة ثلثي نواب البرلمان، وكون هذا لم يحدث، فإنَّ القرار الأخير بمد الطوارئ في أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر باطل.
لماذا القلق؟!
إذا كان لا خطر جديدًا يستدعى بحيادية مد حالة الطوارئ، فما هو الشيء الذي يقف وراء قرار باطل دستوريًا، والإجابة يمكن ربطها بتقرير مهم صدر عن مركز كارينجي مؤخرًا يرصد ظاهرة مسيطرة علي السيسي، وهي قلقه غير المبرر والمستمر، ففي تقرير تحت عنوان “لماذا يبدو السيسي قلقًا “أكدت ميشيل دن الباحثة الأولى في برنامج كارنيجي للشرق الأوسط، المتخصصة في التغييرات السياسية والاقتصادية في البلدان العربية، وخصوصًا في مصر أنّ التصريحات العلنية الغاضبة والمتشنّجة التي أدلى بها السيسي محذِّرًا من التحدّيات السياسية (قبل انتخابه)، أمام مجموعة من أنصاره وبينهم ضباط عسكريون كبار، جاءت لتُعزّز الانطباع بأنه يشعر بالضغط من داخل النظام وخارجه، مشددة علي أن السيسي سيواجه في مستهل ولايته صعوبات كثيرة، خاصة أنّه لا تلوح في الأفق أي مؤشرات بأنه سينجح في تحقيق البحبوحة والأمان عملًا بالوعود التي قطعها، فضلًا عن أنه ستتسبّب إجراءات التقشّف في إبقاء الحكومة واقفةً على قدمَيها، بسبب استهدافها مشقّات شديدة للطبقة الوسطى والمصريين الفقراء، كما لاتزال البلاد تشهد، حتى الآن، ارتفاعًا في معدلات البطالة والتضخّم، وفي ذات السياق طرحت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية ذات التساؤل: “لماذا يشعر السيسي بالقلق؟”رابطة القلق بالتطورات المفاجئة في انتخابات الرئاسة التي كشفت عن وجود غضب ضده في صفوف أنصاره قبل خصومه.
غضبة الغلابة!
ووفق مراقبين يمكن تضييق الخناق علي الأسباب الحقيقة لمد الطوارئ للمرة الرابعة في مصر، لنصل إلى ربط الأمر بالبعد الاقتصادي، خاصة أنَّ قرارات إلغاء الدعم عن الوقود تدقّ الأبواب المصرية خلال الفترة المقبلة، وبالتالي يحتاج السيسي للسيطرة على الشارع الذي قد يغضب بطريقة لا تضعه تحت السيطرة، ووفقًا لتقارير متواترة فمنذ التوقيع على قرض صندوق النقد الدولي، والهدف هو إلغاء دعم الوقود تمامًا خلال 3 سنوات، بداية من السنة المالية 2016-2017 وحتى 2018-2019، وهو ما تمّ الاتفاق عليه مع بعثة صندوق النقد في مصر، ووفقًا للخطة الموضوعة فمن المقرر ”أن تصل الأسعار إلى 100 % في 2018-2019.“ وهو المقصود في الفترة المقبلة، وفي مطلع العام الحالي حذر صندوق النقد الدولي، من مخاطر محتملة بعد أن تقوم مصر بما أسمته “تخفيض فاتورة دعم الوقود “وتوقع أن تكون من بينها “تدهور الوضع الأمني”، بالتزامن مع تقارير ومؤشرات بحثية عديدة تتحدث عن أنَّ هناك بوادر ثورة مصرية جديدة على خلفية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي عجز النظام المصري عن تجاوزها.
يمكن تأكيد وجاهة هذا البُعْد في ظلّ الحملة الشرسة التي دشنها السيسي فور فوزه بالولاية الثانية ضد الصحفيين، والتي وصفتها جبهات الصحفيين وأعضاء بمجلس نقابة الصحفيين المصريين بأنها تستهدف إسكات الصحافة في توقيت مريب، وقال بيان لجبهة الدفاع عن الصحفيين والحريات، وقع عليه اكثر من 120 صحفي مصري: “إنَّ ما تتعرض له الصحافة حاليًا يمثل مرحلة جديدة في النيل من الصحافة ومحاولات إسكاتها تمامًا، وهو ما ظهر واضحًا في تصاعد حملة الاعتقالات الأخيرة التي طالت عددًا من الصحفيين والمصورين وممارسي المهنة حتى صار العمل المهني جريمة تطارد كل من يحاول أن ينقل الأحداث بحيادية أو يقول رأيًا مخالفًا”.
اضف تعليقا