العدسة – موسى العتيبي

هزة سياسية عنيفة، قوتها تتخطى اعتقال ثلاثين أميرا ومسؤولا ونائبا، ضربت أرجاء المملكة العربية السعودية مساء اليوم، لتصيب المواطنين بشلل تام، وعجز عن تفسير مايحدث في بلاد الحرمين الشريفين.

وكزعيم المافيا الذي انقلب على شركائه أشهر “بن سلمان” في الساعات الأخيرة سلاحه في وجه الجميع، وشن حملة اعتقالات غير مسبوقة، طالت أمراء من أبناء عمومته، أبرزهم الوليد بن طلال، رجل الأعمال المعروف، وعبد الله بن متعب رئيس الحرس الوطني المقال، وخالد التويجري، وناصر بن عبد العزيز، فضلا عن أمراء ووزراء ونواب آخرين، سيتم سرد أسماءهم لاحقا.

وحتى كتابة هذا التقرير، فإن أحدا لا يعرف إلى أين تسير الأوضاع في المملكة، وهل مايجري هو بمثابة انقلاب متكامل الأركان يقوده “بن سلمان” على أبناء عمومته، ليثبت به ملكه إلى الأبد، أم أنه ضربة قاضية على محاولة إطاحة به كانت تدبر في الخفاء، فقرر أن ينقذ نفسه بتلك الضربة الاستباقية الصعبة.

قرارات ملكية

لنبدأ من أولى القرارات التي ألهبت الأوضاع في المملكة، وهي قائمة القرارات الملكية  التي صدرت مساء اليوم.

وتضمنت تلك القرارات حزمة من الأوامر الملكية من بينها تشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة.

كما تضمنت الأوامر الملكية إعفاء الأمير «متعب بن عبدالله» وزير الحرس الوطني من منصبه، وتعيين الأمير «خالد بن عبد العزيز بن عياف» خلفا له.

واشتملت الأوامر أيضا على إعفاء المهندس «عادل بن محمد فقيه» وزير الاقتصاد والتخطيط من منصبه، وتعيين «محمد التويجري» خلفا له، وكذلك إنهاء خدمة الفريق الركن «عبدالله بن سلطان» قائد القوات البحرية بإحالته إلى التقاعد، وترقية اللواء البحري الركن «فهد الغفيلي» إلى رتبة فريق ركن، وتعيينه خلفا له.

اعتقال 30 أميرا ووزيرا ونائبا

لم يمض سوى دقائق قليلة على الإقالات الواسعة التي جاءت بناءا على الأوامر الملكية، حتى أفادت تقارير إخبارية سعودية، بأن الملك سلمان بن عبد العزيز، أصدر قرارات عدة، اليوم، شملت الاعتقال والتحقيق، مع 10 أمراء و30 وزيرا ونائبا ورجال أعمال، من الحاليين والسابقين، أبرزهم رجل الأعمال الشيخ صالح عبد الله كامل، وابنه.

وكشفت مصادر سعودية، عن القبض على رئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري لتورطه في قضايا فساد، وبدء التحقيق معه.

دقائق وخرجت أخبار أخرى تؤكد اعتقال  الأمير الوليد بن طلال، رجل الأعمال البارز وصاحب المجموعة التليفزيونية الأكبر عربيا بتهم تتعلق بالفساد، وكذلك الأمير متعب بن عبدالله، وزير الحرس الوطني المقال، والتحقيق معه بتهمة اختلاسات وصفقات وهمية وترسية عقود على شركات تابعة له، إضافة إلى صفقات سلاح.

الاعتقالات طالت أيضا وليد الإبراهيمي، صاحب قنوات «إم بى سي»، على خلفية اتهامات بالفساد، ووُجّهت للمذكورين اتهامات بالفساد في قضايا سيول جدة، توسعة الحرم، وباء كورونا، صفقات سلاح مشبوهة، والتلاعب في أوراق المدن الاقتصادية، وسوء استغلال السلطة.

فيما أكدت صحيفة سبق السعودية إيقاف وزير المالية السابق «إبراهيم العساف» بتهم الفساد وقبول الرشاوي في عدة مواضيع من ضمنها توسعة الحرم الشريف.

كما تم إيقاف الأمير «تركي بن ناصر» بتهمة توقيع صفقات سلاح غير نظامية وصفقات في مصلحة الأرصاد والبيئة .

وبعدها أكد حساب «أخبار السعودية» إيقاف  رئيس الخطوط السعودية السابق «خالد الملحم» بتهم الفساد والاختلاس.

وبعدها تم ايقاف محافظ هيئة الاستثمار السابق «عمرو الدباغ» بعدة تهم تتعلق بالفساد والتلاعب في أوراق المدن الاقتصادية.

وهكذا استمرت أخبار الاعتقالات والتحقيقات والتوقيفات بالمملكة، لتطال حتى الآن نحو 30 أميرا ووزيرا ونائبا ورجال أعمال.

هل اقترب التنصيب؟

مراقبون أكدوا أن تلك القرارات الصعبة التي أقدم عليها “محمد بن سلمان” الأمير الشاب الحالم بالملك خلفا لأبيه، ليست سوى استكمالا لخطوات سابقة، تمهد جميعها لتوليته للملك.

ولأن الأسرة المالكة تشهد حالة من الغليان ضد “بن سلمان” وفقا لتقرير سابق نشرته العدسة، فإن تنصيب بن سلمان، لم يكن ليتم بهدوء حال وجود خصومه من أبناء عمومته خارج السجن.

“متعب عبد الله، وخالد التويجري” ربما كانا من أبرز الشخصيات قلقا لابن سلمان، فالأول كان يمهد له أبوه الملك عبد الله لتولي الملك من بعده، تماما كما يفعل سلمان مع محمد، والثاني، كان الرجل الأول في حكم الملك عبد الله، وبالتالي كان من الصعب أن يتركهما خارج السجن وهو يضع اللمسات الأخيرة لإعلان تنصيبه ملكا للبلاد.

أما اعتقال “الوليد بن طلال” فقد يكون السبب الرئيسي وراءه، هو الخوف من نفوذه المالي الطاغي، إن قرر بن طلال استغلال هذا النفوذ في مواجهته، أثناء توليه حكم المملكة، لكن مايثير التساؤل، هو كيف قرر بن سلمان مواجهة كل هؤلاء في وقت واحد؟، وكيف سيقنع المجتمع الدولي بقرارته الصعبة؟

قرارات إماراتيه برعاية إسرائيلية

وفقا لمراقبين فإن بن سلمان لم يكن يقدم على كل تلك الخطوات الصعبة إلا بعد حصوله على الضوء الأخضر من صناع القرار في المجتمع الدولي، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

المراقبون أكدوا أيضا أن دولة الإمارات هي المخطط الرئيسي لتلك الإجراءات، وأن “بن سلمان”  استبق قرارات اعتقال أبناء عمومته ومعارضي توليته ملكا للبلاد بعدة أمور، مهدت له أن يطيح بالجميع دون أن يخشى شيئا.

أولها: ما سربه مسؤولون إسرائيليون، عن قيامه بزيارة إلى تل أبيب في 10 سبتمبر 2017 والتقى خلالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو واتفقا على العديد من القضايا المشتركة.

ثانيها: الإجراءات التي يسميها بالإصلاحية، والتي من شأنها أن تقوض دور التيار الديني في المملكة، وتعمل على مزيد من الانفتاح العلماني في السعودية، والتي بدأها باعتقال العلماء والسماح بقيادة المرأة للسيارة ودخولها الملاعب وإنشاء السينما والمسارح وغير ذلك.

ثالثا: إعلان هيئة لمراجعة السنة، وإنشاء مراكز لمحاربة التطرف الفكري وإعلان الحرب على ما أسماه بمشروع الصحوة الإسلامي.

رابعا: إعلان مشروع “نيوم” الاستثماري الضخم، وهو المشروع الكبير الذي سيشهد نقلة في إطارين للمملكة، الأولى باتجاه العلمنة، والثانية باتجاه مزيد من التطبيع والشراكة الاقتصادية مع إسرائيل

ولذا فإن الباحث الأمريكي، “أندريه كوريبكو” أكد أن السعودية ستختار الاعتراف بإسرائيل لضمان تنفيذ مشروع مدينة “نيوم”، وتأمين انتقال المملكة من الاقتصاد النفطي إلى اقتصاد مفتوح يعتمد على الاستثمارات المحلية والأجنبية، وعلى قطاعات السياحة.

خامسا: وقبل كل ماسبق، الأموال الضخمة، التي ضخت في الخزانة الأمريكية، خلال زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للمملكة، منتصف العام الجاري وهي الزيارة التي كانت بمثابة تتويج فعلي لملك بن سلمان.

كل تلك الإجراءات والخطوات سهلت لـ “بن سلمان” الانفراد بأبناء عمومته، وبمعارضيه وخصومه في الداخل السعودي، ليحقق كافة مايريد دون إزعاج أو قلق من الخارج.