في أوائل شهر مايو/أيار الحالي، بدأت صحيفة الشرق الأوسط السعودية بنشر مذكرات نائب الرئيس السوري السابق، عبد الحليم خدام، الذي توفي العام الماضي في منزله في باريس بنوبة قلبية في 31 مارس 2020، عن عمر يناهز 88 عاماً.
تم كتابة المذكرات خلال الخمسة عشر عامًا الأخيرة من حياة خدام في المنفى، من 2005 إلى 2020، وتقدم تلك المذكرات نظرة ثاقبة نادرة على الأحداث الضخمة التي شهدها أولاً كوزير للخارجية، ثم كنائب في القيادة في عهد الرئيس السوري الطويل حافظ الأسد.
إبراهيم حميدي، المحرر الدبلوماسي لصحيفة الشرق الأوسط، التي نشرت المذكرات قال إن أهميتها “تأتي من حقيقة أنه منذ وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، نادراً ما يترك المسؤولون السوريون وراءهم رواية مكتوبة عن حياتهم المهنية”، متابعاً “أهم ما في مذكراته أنها تحتوي على العديد من الوثائق الرسمية ومحاضر الاجتماعات… قد يكون هذا طبيعيًا في بلدان أخرى، مثل الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، ولكن في سوريا، إنه أمر جديد”.
بدأ عبد الحليم خدام (1932-2020) كعضو شاب في حزب البعث، الذي انضم إليها وهو لا يزال في المدرسة الثانوية وقام بدعوة زميله حافظ الأسد للانضمام إلى الحزب الذي ترتكز ثوابته على مثلث “الوحدة والحرية والاشتراكية”.
في حين تابع خدام دراسة القانون في جامعة دمشق، التحق صديقه الأسد بالجيش السوري بعد أن درس في أكاديمية حمص العسكرية
في عام 1963، كان لحافظ الأسد دوراً كبيراً في تنظيم انقلاب في سوريا – السابع في أقل من عقدين – لإيصال حزب البعث إلى السلطة، أصبح قائدًا للقوات الجوية السورية، وعُين صديقه خدام محافظًا على حماة التي انتفضت ضد البعثيين في أبريل/نيسان 1964 على يد جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت تحاول إقامة حكومة إسلامية في سوريا.
من خلال العمل مع القوات المسلحة، ساعد خدام في سحق الانتفاضة، واصفًا الإخوان بأنهم “عملاء للإمبريالية الغربية”، وبعد ما يقرب من 20 عامًا على الثورة، شهد خدام مواجهة دموية أخرى مع الإخوان – أيضًا في حماة- عام 1982، وهذه المرة وصفهم بأنهم “خونة”.
الصعود إلى السلطة
من حماة، تم نقل خدام إلى القنيطرة، المدينة الرئيسية في مرتفعات الجولان، وخلال فترة حكمه تم احتلال القنيطرة من قبل الجيش الإسرائيلي في أعقاب حرب 1967، بعد ذلك بسنوات قليلة قام حافظ الأسد بانقلاب ووصل إلى السلطة في نوفمبر/تشرين الثاني 1970، وعُين خدّام وزيراً لخارجية سوريا، في سن 38، حتى عينه الأسد نائباً للرئيس في 11 مارس/آذار 1984.
خلال فترة عمله في وزارة الخارجية، شهد خدام ثلاثة أحداث ضخمة كان لها آثار طويلة الأمد على الشرق الأوسط بأكمله، الأول: الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في أبريل/نيسان 1975، والثاني: زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس عام 1977، والتي أسفرت عن اتفاقات كامب ديفيد في سبتمبر/أيلول 1978، والثالث: الثورة الإيرانية في فبراير/شباط 1979.
علاقات مع إيران
“تلقينا أخبار الثورة الإسلامية بسرور كبير وتفاؤل عميق” ، هكذا علق خدام على الثورة الإيرانية في مذكراته، وأضاف “زرنا منزله المتواضع ووجدنا الخميني جالسًا على الأرض، جلسنا بجانبه وتحدثنا بالعربية، وأجاب بالفارسية. وبالرغم من قصر مدة الاجتماع، إلا أنه كان بالغ الأهمية. لقد أظهر مدى إصراره. بدا واثقًا من نفسه وثورته “.
عاد خدام إلى دمشق واقترح على الرئيس السوري بدء شراكة استراتيجية مع الخميني، الذي كان قد أغلق لتوه السفارة الإسرائيلية في طهران وأعطاها لمنظمة التحرير الفلسطينية. لم يغفل خدام وجود اختلافات أيديولوجية بين البلدين، حيث أن سوريا علمانية وإيران دولة دينية، لكنه أشار إلى اشتراكهما في مناهضة الإمبريالية، مما يعني إمكانية عملهما معاً.
جاء هذا التقارب الإيراني-السوري في وقت تم فيه تعليق العلاقات السورية المصرية بسبب اتفاق السلام بين أنور السادات مع إسرائيل، وتدهور العلاقات السورية العراقية بعد صعود صدام حسين إلى السلطة في يوليو/تموز 1979.
وهكذا اتخذت سوريا قرارين كان لهما تأثير طويل الأمد على مستقبل البلاد، خصوصاً الحرب الحالية، الأول كان الذهاب للتحالف مع إيران، والثاني هو توقيع اتفاقية صداقة مع الاتحاد السوفيتي في أكتوبر/تشرين الأول 1980.
حزب الله ولبنان
في مذكراته، شرح خدام كيف كان النفوذ الإيراني غير موجود في لبنان قبل الغزو الإسرائيلي عام 1982، لكن نقطة التحول كانت عندما قررت إيران إنشاء حزب الله.
قبل عام 1982، كانت هناك ميليشيا شيعية واحدة فقط في لبنان، تسمى حركة أمل، بقيادة نبيه بري -رئيس مجلس النواب اللبناني الحالي. دفعت الأموال الإيرانية التي تم ضخها في حزب الله العديد من كبار أعضاء حركة أمل للانضمام إلى المجموعة الجديدة، مما أدى إلى اندلاع قتال بين الشيعة في منتصف الثمانينيات.
قال خدام: “كانت سوريا داعمة لحركة الأمل، الرئيس حافظ الأسد فقط هو الذي كان متعاطفاً مع حزب الله، قائلاً إنهم هم الوحيدون الذين يقاومون إسرائيل، أما معظم الضباط السوريين في لبنان كانوا مؤيدين لحركة أمل باعتبار حزب الله إسلامياً، وهو توجه كان مرفوضاً بالنسبة إليهم بسبب المواجهات مع الإخوان المسلمين في 1982.
عام 1984، بعد أن عيّن الأسد خدّام نائباً لرئيس الجمهورية السورية، كلف بتولي الشؤون اللبنانية على مدى العقدين التاليين، وذلك من خلال شبكة شخصية وتجارية واسعة، أسس ما وصفه الكثيرون بنفوذ كلي في لبنان، وكان حلفائه هناك شخصيات قوية للغاية مثل اللواء غازي كنعان، قائد القوات السورية في لبنان، ورئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
اغتيال الحريري في فبراير/شباط 2005، ثم انتحار كنعان في أكتوبر/تشرين الأول كانا سببين رئيسيين في انشقاق خدام في ديسمبر/كانون الأول 2005، أي بعد وفاة حافظ الأسد بخمس سنوات وصول نجله ووريثه السياسي بشار الأسد إلى السلطة.
أُعفي خدّام من مهامه في صيف 2005 وسافر إلى فرنسا ظاهريًا لقضاء إجازة قصيرة، وبعد ستة أشهر، ظهر على قناة العربية المملوكة للسعودية، معلنا انشقاقه، وزعم أن سوريا وراء اغتيال رفيق الحريري، لتنعقد محكمة خاصة في دمشق لاتهامه بالخيانة العظمى، وتم الحكم عليه غيابياً بالإعدام.
بعد عام واحد، تعاون خدام مع خصومه – الإخوان المسلمين – وأسس جماعة معارضة مقرها بلجيكا تسمى جبهة الإنقاذ الوطني، التي لقد ضغطت من أجل تغيير النظام في سوريا، ولكن طُغي عليها بالكامل بعد اندلاع الحرب السورية عام 2011، حيث لم يكن لخدام – الذي كان يتقدم في العمر آنذاك – أي تأثير وقتها.
موقف خدام تغير أيضاً من إيران، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، أجرى خدام مقابلة مع Newsweek ، قال فيها إن إيران كانت وراء صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا، وألقى باللوم على إدارة أوباما في دفع تركيا إلى أحضان روسيا.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا