العدسة – ربى الطاهر

أطلقت شركة كادبوري، ثاني أكبر شركة لصناعة الحلويات بعد شركة مارس، حملةً إعلانيةً جديدة ملأت بها اللافتات في الشوارع والقنوات التليفزيونية وصفحاتها المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، كعادة أي حملة إعلانية تروِّج لمنتج ما سواء كان جديدًا أو لا.

ولما كانت الشركة تسعى دائمًا للتواصل مع الجمهور، ولكن عبر أفكار جديدة وممتعة من خلال الشعار الذي ترفعه دائمًا “أطلق السعادة” ويعبر عن فلسفتها في التعامل مع جمهورها في كل مكان.. لذلك كانت الشركة البريطانية لصناعة الحلوى، والتي مقرها الرئيسي في أوكسبريدج، والمملكة المتحدة تريد دائمًا ارتباط اسمها في أذهان محبيها بما يساهم في إطلاق الابتسامة على وجوههم، وترك أثر طيب في نفوسهم.

ولذلك تتبع الشركة سياسة تسويقية تركز فيها على اصطناع الفرحة، ومنذ تأسيسها في عام 1824 بالمملكة المتحدة وهي تعمل على خلق فكرة ذهنية بأنها قادرة على منح السعادة، فكل الحملات الإعلانية تعتمد على منهج خلق لحظات من الفرح ويبدو هذا جليًا من تلك المبادرات الإنسانية التى تتبناها الشركة كجزءٍ من تلك الحملات الترويجية.

وربما تتذكر الأجيال السابقة تلك الإعلانات التي ربطت في الأذهان منتجات الشركة، بالقدرة على تعديل المزاج والوصول إلى السعادة ومنذ فترات بعيدة مع إطلاق الشعار الخاص بها.

ورغم نجاحاتها على مدار سنوات في تحقيق هذا الهدف التسويقي فإنها قد أخفقت مؤخرا عندما أطلقت الوكالة الإعلانية المحلية بمصر لشركة كادبوري حملتها الإعلانية الجديدة، اتباعًا لما قد أصدرته في بلدان أخرى.. ولكن باختصار ليس كل ما ينجح في على المستوى العالمى قد ينجح على المستوى المحلى.

انتقادات بصفحات التواصل الاجتماعي

فقد صدرت العديد من التعليقات الناقدة لهذا الإعلان وأبدى الكثيرون الامتعاض مما قد يظهر على الشاشة، وكان من تلك التعليقات:

“ليه ابقى مروح البيت بعد يوم شغل طويل “….”، سايق على كوبري أكتوبر ومش طايق نفسي ولا طايق الزحمة وألاقي ده “صورة اعلان شيكولاتة كادبورى” قدامي فجأة من غير أي مقدمات!”

كادبوري

 

“بغضّ النظر عن أي تفاصيل للإعلان يعني أو فكرته، بس دي المفروض شخصيات كرتونية تخليني أحب آكل شيكولاته كادبوري مش تخليني أتخض وانا سايق ولا وانا بقلب في فيسبوك، أصل لما احنا كبار كده وقلقلنا من الاعلان وخوفنا منه تخيل بقى لما طفل صغير يشوفه هيبقى ايه رد فعله؟ أكيد مش هيحب الشيكولاتة بتاعتك أكتر كده كده ومش بعيد تبقى بالنسباله الشيكولاتة اللي بتخوف ويكرهها بقيت حياته!”

” الاعلان ده موجود بره في كذا بلد على فكرة بقاله حوالي سنة تقريبا بنفس الشخصيات ونفس كل حاجة فيه، بس هو أي حاجة تنزل بره كده ناخدها نحطها عندنا من غير ما نفكر هينفع في مصر ولا لأ؟ أصل مش معنى ان الاعلان من بره يبقى هو جامد وهينفعني في مصر عشان زي ما انتوا شايفين كده الموضوع قالب عليكوا خالص”.

ولعل ما قيل في التعليق الأخير يلخص الفكرة في أسباب الاستياء من هذا الإعلان وربما يوجه رسالة بل درسًا مهمًا لرجال التسويق في شركة «Cadbury Dairy Milk – كادبوري ديري ميلك» البريطانية العالمية المُنتجة للشيكولاتة، فقد قام العملاء والجمهور المصرى بالتعبير عن عدم تقبلهم للفكرة بل وتقززهم منها حيث إن ما جاءت به الحملة الإعلانية الجديدة من تلك الأشكال الغربية والمنفرة لم يكن مناسبًا على الإطلاق بالنسبة للذوق المصرى خاصة، وأن تلك الشخصيات الكرتونية الغامضة الهوية وغير المستساغة الشكل بالنسبة للذوق العام قد ظهرت على اللافتات الدعائية وكذلك على اللوحات الإعلانية في كل المناطق المصرية من شرقها إلى غربها.

فتلك المسوخ رمادية اللون بجانب أنها مقززة جدًا ومزعجة لكل من تقع عليه عينه فهى كذلك مجهولة أي ليست شخصية كرتونية قد حققت شهرة أو نجاحا في أحد الأفلام الكرتونية فقد رآها البعض تشبه شخصية Sméagol – سميغُل ذلك المسخ الدميم أحد الشخصيات في ملحمة فيلم Lord of The Rings– مملكة الخواتم الشهيرة للمؤلفة J. R. R. Tolkien – ج.ر.ر.تولكين، والبعض الآخر رآها تشبه شخصيات برنامج الأطفال البريطاني الشهير Teletubbies – تليتبيز إلى حد كبير.

ولكن في جميع الأحوال فكل تلك المحاولات لوصف شخصيات هذا الإعلان لا تبدو لطيفة أو مقبولة، بل ومن غير المفهوم ما هي الرسالة التى يريد هذا الإعلان توصيلها، وفي ظل هذا الغموض الذي أحاط بشخصيات كابورى الإعلانية فإن انتشارها بهذا الشكل على تلك اللوحات الإعلانية جعلها مثيرة للخوف، وربما كان هذا الدرس التسويقي القاسي مهما لشركة بحجم كادبورى التي لها جمهورها ومحبوها في السوق المصرية.

ولكن الغريب حقًا هو أن الشركة قامت بنشر فيديو آخر على صفحتها الرسمية لمقطع إعلاني يحمل عنوان “رسالة هامة” تظهر فيه تلك الشخصية “مسخ كادبورى” وهي تلقي كلمة على الجمهور باعتبارة كائنًا فضائيًا قادم إلى الأرض ليبحث عن شوكولاتة كادبوري.

ثم بعدها بأيام قليلة أخرى تنشر الصفحة كذلك مقطع إعلاني آخر كانت قد بثته على القنوات التليفزيونية ويذاع في الفواصل التليفزيونية بنفس المسوخ اعتبارها كائنات فضائية… وربما جاءت تلك الفكرة مستوحاة من فيلم الخيال العلمي Interstellar، المخرج كريستوفر نولان الذي عرض في عام 2014 .

وقد يتضح من هذا أنها كانت حملة إعلانية عالمية فقد قدمتها الشركة بالأساس لجمهور الدول الأجنبية، مستغلة نجاح الفيلم، ولعبت على وتر تسويقه، ولكنها بعد مرور ما يقرب من العام ونصف من إصدارها لتلك النسخة قررت نقلها كما هي على المستوى المحلي في مصر.

وكان اتخاذ هذا القرار خطأ كبيرًا قد وقعت فيه الشركة خاصة، وأنها من العلامات التجارية المرتبطة في أذهان جمهورها المصري بإطلاق المرح والسعادة من خلال الشيكولاتة المحببة إلى نفوس الكبار والصغار على حد سواء، وإن كان المستهدف الأعلى هم الأطفال.. فكان المفترض أن يراعي الإعلان شريحته الأعلى، وأن تهتم الدعاية بالمحبب لهم بشكل صريح فكان يمكنها استخدام رسومات كارتونية لطيفة بألوان جذابة، وليس كما ظهر في الإعلان تلك المسوخ المخيفة بلونها الرمادي المزعجة للجميع والمخيفة للأطفال.

اختلاف الثقافات

وكان من المهم الأخذ في الاعتبار الثقافة العامة بالنسبة للشعوب واختلافها من مكان لآخر، فأشكال تلك المخلوقات والكائنات التي قدمتها الشركة على أنها فضائية قد يكون مقبولًا بالنسبة للشعوب الأجنبية فثقافتهم تجعل من هذه الأشكال أمرًا معتادًا وتلقى القبول على أنها كائنات فضائية لا تثير الاشمئزاز أو الانزعاج.. بينما يختلف الأمر هنا كليا، إذ إنَّ معظم التعليقات جاءت على تلك المسوخ بأنها مزعجة تشبه الفئران العارية أو الأبراص المثيرة للاشمئزاز، ولم يُرَ فيها أو لم يُتقبل أنها كانت فضائية مطلقًا، وهذا الأمر يتعلق بالفكر الجمعي، حيث إن الشعب المصري ينتمي لثقافة تنفر من الفئران والأبراص بشكل عام فلا يمكن أن تستسيغه فيما يخص الطعام.

وهو ما دفع الكثيرين من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بوقف هذا الإعلان عبر التعليقات الساخرة مرة والغاضبة مرة أخرى والمعبرة عن الاشمئزاز مرات ومرات مناشدين القائمين على تلك الحملة بسحبها لما سببته لهم من انزعاج.

وكان من المفترض أن يُعدل الفريق التسويقي للشركة من هذه الحملة، وإن أراد استخدام نفس الفكرة فكان من الممكن أن يتجه للكارتون، ولكن بشخصيات أخرى في أشكال وألوان تثير البهجة حتى لا يخيف جمهوره الأوسع من الأطفال.

وقد اجتمعت الآراء على أن هذا الإعلان لا يحتوي على رسالة مفهمومة، ولم يراعِ الثقافة التى يقدم فيها حملته الإعلانية، بل إنه لم يراعِ خصائص المستهلك المحلي والابعاد النفسية وسلوكياته وعاداته من قريب أو بعيد.. فقد ضرب بعرض الحائط كل هذه الاعتبارات، وللأسف مازال الإعلان مستمرًا رغم كل هذه المطالبات، فهل ستستجيب كادبورى لتلك المطالب وتتدارك خطأها، أم لن تلقي بالًا للذوق العام الذي لم تراعِه؟