تحدثت تقارير عن أنه بينما تتفاخر السعودية بمشاريعها العملاقة مثل “نيوم” و”القدية”، يكشف تقرير حديث لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” عن واقع مرير يعيشه العمال الوافدون الذين يشكلون العمود الفقري لهذه المشاريع.
فبدلاً من أن تُعامل هذه العمالة بكرامة واحترام، تواجه انتهاكات جسيمة قد تصل إلى العمل الجبري ورغم وعود السلطات بتحسين أوضاع العمال من خلال “مبادرة الإصلاح العمالي” لعام 2021، فإن الواقع يعكس استمرار القيود والقمع، بما في ذلك فرض رسوم توظيف باهظة، وعدم دفع الأجور، والقيود على تغيير الوظائف، بالإضافة إلى بيئات عمل لا تراعي الحد الأدنى من معايير السلامة.
يشار إلى أن التقرير، الذي حمل عنوان “سأدفع أجرك بعد أن تموت: المشاريع السعودية العملاقة المشيّدة بانتهاكات عمالية متفشية”، يفضح فشل السعودية في حماية حقوق العمال، لا سيما أولئك الذين يعملون في مشاريع تمولها مؤسسات مثل “صندوق الاستثمارات العامة”، الذراع الاقتصادية للحكومة.
هذه الانتهاكات ليست مجرد أخطاء فردية، بل هي جزء من نظام يستغل العمالة الوافدة لخدمة أجندة سياسية واقتصادية تركز على تحسين الصورة الدولية للمملكة.
وجه القمع بمشاريع بن سلمان
لا تقتصر الانتهاكات على استغلال العمال اقتصادياً، بل تمتد لتشمل الإهمال الجسدي والنفسي، حيث يضطر العمال إلى العمل في ظروف قاسية، مثل الحر الشديد الذي يتسبب في إغماء العمال يومياً، دون تقديم حماية كافية أو تحقيقات في وفيات غامضة تُوصف بـ”الطبيعية”.
وكما يظهر من إفادات العمال وأسر المتوفين، فإن أصحاب العمل يستغلون الثغرات في القوانين السعودية، مثل إجبار العمال على دفع مبالغ ضخمة لتغيير وظائفهم أو استخدام تهديدات مالية لمنعهم من ترك العمل.
مشروع “نيوم”، الذي يُروج له كواجهة للحداثة في السعودية، يمثل مثالاً صارخاً على هذا الاستغلال. أحد العمال تحدث عن دفع أكثر من 12 ألف ريال سعودي لصاحب عمله السابق للسماح له بتغيير وظيفته.
ورغم ضخامة الاستثمارات، تُترك العمالة الوافدة دون دعم قانوني أو اجتماعي، حتى من سفارات دولهم، مما يجعلهم عرضة للاستغلال.
كأس العالم 2034 وتبييض السمعة
مع اقتراب إعلان “فيفا” استضافة السعودية لكأس العالم 2034، يتضح أن هذا الحدث الرياضي يُستخدم كوسيلة لتبييض سجل المملكة الحقوقي، رغم استمرار الانتهاكات ضد العمالة.
التحضيرات تتطلب إنشاء مشاريع ضخمة مثل ملاعب جديدة وتوسعة البنية التحتية، مما سيزيد الضغط على العمال الوافدين، الذين يعانون أصلاً من ظروف قاسية بالمملكة.
ورغم ذلك، لم تطالب “فيفا” السعودية بالالتزام بأي معايير حقوقية، مما يثير تساؤلات حول دور المؤسسات الدولية في تعزيز انتهاكات حقوق الإنسان بدلاً من التصدي لها.
هيومن رايتس ووتش، في رسالة وجهتها إلى “فيفا”، حذرت من أن التقييم السطحي لمنح السعودية هذا الحدث سيؤدي إلى كلفة بشرية باهظة. ورغم توثيق المنظمة للانتهاكات، فإن “فيفا” لم ترد على هذه المخاوف، مما يعكس تواطؤاً ضمنياً مع سياسة القمع السعودية.
من يدفع الثمن؟
يظهر من التقرير أن الانتهاكات ليست مجرد حالات فردية، بل هي جزء من نظام ممنهج يتجاهل حقوق العمال لصالح تنفيذ أجندات سياسية واقتصادية. السلطات السعودية لا تحقق في أسباب وفيات العمال، وتترك أسرهم بلا دعم مالي أو تعويضات. وبدلاً من أن توجه الموارد لحماية حقوق الإنسان، تنفق المليارات على حملات دعائية لتلميع صورتها أمام العالم.
قالت زوجة أحد العمال المتوفين: “لم يكن لديه أي مشاكل صحية، ولا نعتقد أن وفاته طبيعية كما ورد في شهادة الوفاة”. شهادتها، وشهادات عمال آخرين، تعكس المأساة التي تواجهها آلاف الأسر التي خسرت معيلها بسبب إهمال السلطات وأصحاب العمل.
مع تزايد المشاريع العملاقة، من المتوقع أن يرتفع عدد العمال الوافدين بشكل كبير، مما يزيد من احتمالية وقوع المزيد من الانتهاكات. ورغم الضغط الدولي، فإن السلطات السعودية لم تُظهر أي التزام جاد بمعالجة هذه المشكلات. ما يظهر بوضوح هو أن حماية حقوق العمال ليست ضمن أولويات النظام، بل تُعتبر عقبة أمام تحقيق أهدافه الاقتصادية والسياسية.
الخلاصة أنه إذا كانت السعودية ترغب في تحقيق مكانة دولية حقيقية، فعليها أن تبدأ باحترام حقوق الإنسان، بدءاً من العمال الذين يبنون مشاريعها العملاقة. تبييض السجل الحقوقي من خلال استضافة الأحداث الرياضية الكبرى لن يخفي الواقع المرير الذي يعيشه ملايين العمال.
اقرأ أيضًا : أسلحة الإمارات في تأجيج الصراعات بالشرق الأوسط.. السودان مثال
اضف تعليقا