العدسة – منصور عطية

من جديد تطل الإمارات برأسها في دور تخريبي آخر بإحدى دول المنطقة العربية، وهو ما كشفته مصادر موثوقة لـ(العدسة) قالت إن أبو ظبي موّلت برلمانيين صوماليين بهدف تقويض حكومة البلاد.

يأتي هذا في أعقاب اتهام النائب العام الصومالي “أحمد علي طاهر” اثنين من أعضاء البرلمان بتلقي مبالغ مالية ضخمة من جهة أجنبية لم يسمها، بهدف خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي.

ودعا النائب العام رئيس البرلمان إلى رفع الحصانة عن النائبين بهدف تقديمهما للمحاكمة، وقال في مؤتمر صحفي الأحد: “قدمنا إلى البرلمان وإلى رئيس البرلمان رسالة توضح انخراط نائبين متهمين بتنظيم حملات وأعمال غير قانونية تهدف إلى تقويض أركان الدولة الصومالية”.

وأوضح أنه “تم الانتهاء من جمع الأدلة والقرائن المثبتة لهذه الاتهامات، وطلبنا من البرلمان رفع الحصانة عنهما لتتم محاكمتهما؛ النائب له حصانة لكنه ليس معصومًا من الخطأ، وقد يقترف النائب ذنوبا جنائية”، وذكر أن الأمر يتعلق بالنائبين “حسن معلم محمود” و”عبد صابر نور شورية”.

 

دور إماراتي مشبوه

ويبدو أن مسألة الدور الإماراتي المشبوه في الصومال ليست وليدة هذا الحادث، بل تسبقه وتمتد إلى انتهاكات ومخالفات أخرى.

حيث طالبت الفيدرالية الدولية للحقوق والتنمية بفتح تحقيق دولي عاجل في الاتهامات الموجهة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، بالتورط في جرائم حرب في جمهورية الصومال، والعمل للنيل من وحدتها وتقويض استقرارها.

وأكدت الفيدرالية، التي تتخذ من روما مقرا لها في بيان صحفي، خطورة الاتهامات الموجهة إلى الإمارات ودورها التخريبي في الصومال واستهداف السلم الدولي والأهلي بمثل هذه السياسات.

وشددت على أن الدور الإماراتي في الصومال يعد في غاية الخطورة، ومن شأنه أن يقوض جهود مكافحة الإرهاب في البلاد الذي مزقته عقود من العنف والانقسام الداخليين، والتدخلات الخارجية، بغرض نهب ثرواته والتحكم بسياساته.

تفجيرات “مقديشو” أكتوبر 2017

 

وقالت صحيفة “ديلي صباح” التركية في تقرير نشرته مؤخرًا: إن التفجيرات الضخمة التي طالت العاصمة الصومالية مقديشيو في أكتوبر الماضي، كانت بأموال إماراتية، منوهة إلى أن الصحف الغربية ألقت باللوم على حركة الشباب، لكنها تجاهلت تعرض الصومال لهجمة جيوسياسية بغيضة تسعى للسيطرة عليها وإبادة شعبها عبر الحروب والإرهاب.

وقال تقرير ديلي صباح، إن الإمارات حاولت مرارا تدمير الصومال وإخضاعها، تارة بقصفها باسم محاربة حركة الشباب الإرهابية، وتارة بمنع التحويلات المالية للمغتربين الصوماليين إلى بلادهم، بهدف إذلال الشعب الصومالي، حسب تقارير إعلامية.

وأكد التقرير القول أن الإمارات تبذل أقصى ما لديها من أجل إمكانية السيطرة على أكثر من 3 آلاف كيلو متر من سواحل الصومال، والهيمنة على موارده البحرية وموارد الطاقة؛ حتى لو كلف ذلك سفك دماء الصوماليين.

 

انتقام الأزمة الخليجية والقدس

ولعل التساؤلات المتعلقة بمحاولة تفسير موقف الإمارات الهجومي على الصومال قد تصطدم بموقفين أساسيين، ربما يكونان مجرد خلفية لأحداث سابقة.

فلم تنس الإمارات الموقف الصومالي المحايد من حصار قطر، ففي سبتمبر الماضي، قال بيان صادر عن الحكومة الاتحادية عقب اجتماعها في مقديشو، إنه نظرا للأوضاع الراهنة في البلاد، فإن مجلس الوزراء يؤيد بقوة القرار الذي اتخذته الصومال، في يونيو، تجاه الخلاف بين بعض الدول الخليجية، موضحًا رؤية مجلس الوزراء بضرورة إنهاء الخلاف بطرق سلمية تتسم بالأخوة والدبلوماسية.

التقرير السابق أشار إلى أن الإمارات حاولت دفع أموال للصومال نظير قطع علاقتها مع قطر على خلفية الأزمة الخليجية، وهو ما فشلت فيه أبو ظبي.

القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي حول القدس، والتي عقدت قبل أسبوع بإسطنبول التركية، وشهدت مشاركة متواضعة من الإمارات، حضر فيها الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، ممثلا لبلاده على خلاف الهوى الإماراتي.

ليس هذا فحسب، بل إن الرجل طار من القمة إلى العاصمة القطرية الدوحة للقاء الأمير تميم بن حمد، الذي غادر هو الآخر في أعقاب انتهاء أعمال القمة.

فهل يمكن القول بأن التورط الإماراتي في فضيحة رشوة النائبين الصوماليين جاء كعقاب ضد مقديشو بسبب مواقفها المناهضة لسياسات أبو ظبي؟.

 

صراع على النفوذ

ثمة بعد آخر على قدر كبير من الأهمية يتعلق بالنفوذ التركي في الصومال، والصراع القائم بين أنقرة وأبو ظبي على المصالح هناك.

ووفق تقارير إعلامية، بدأ التنافس التركي- الإماراتي الناشئ حول الصومال في الازدياد بقوة خلال الأشهر الأخيرة، لدرجة حضوره في القلب من انتخابات الصومال الرئاسية أواخر العام الماضي، واستثمرت أبو ظبي بشدة مع عدد من المقربين منها، وعلى رأسهم الرئيس الأسبق “حسن شيخ محمود” الذي سهل بشكل ما سيطرة الإمارات على الموانئ الصومالية، كما استثمرت مع مرشحين آخرين، على رأسهم رئيس الوزراء الصومالي السابق “عمر عبد الرشيد شارمارك” المقرب من الإمارات.

فاز عبد الله فارماجو في النهاية بالرئاسة على غير رغبة الإماراتيين، وبدا أن الرئيس الجديد يحمل حساسية أكثر من سلفه، تجاه سعي بعض القوى الأجنبية لإضعاف الحكومة الفيدرالية، من خلال إبرام اتفاقات خاصة مع الحكومات الإقليمية.

ورغم أن الرئيس الصومالي الجديد اختار الرياض كمحطة أولى لزيارته الخارجية بعد انتخابه، فإنه طلب من الرياض الضغط على أبو ظبي لوقف بناء القاعدة العسكرية ببلاده.

ورغم معارضة الحكومة الصومالية، بدا أن أبو ظبي ماضية في سياستها التوسعية، خاصة بعد أن قامت موانئ دبي بتوقيع عقد جديد مع منطقة بونتلاند (أي أرض النبط) شبه المستقلة شمال شرقي الصومال، تدير بموجبه الشركة الإماراتية ميناء “بوصاصو”، مع الحديث عن تواجد عسكري محتمل في الميناء.

وفيما يبدو أن التحركات الإماراتية السريعة لتعزيز أصولها الصلبة في الصومال قد نجحت في رفع مستوى القلق لدي أنقرة لحده الأقصى، ما دفعها لتسريع وتطوير وتيرة البناء في منشأة التدريب العسكرية المعلن عنها قبل عامين والتي افتتحت بالفعل.

وعلى خلاف القواعد العسكرية الإماراتية، ستخصص القاعدة التركية لتدريب الجنود الصوماليين، حيث سيقوم 200 خبير تركي بتدريب ما يصل لـ 10 آلاف من أفراد الجيش الصومالي، في غياب أي خطط لنشر وحدات تركية قادرة على القيام بعملياتٍ عسكرية، وفيما يبدو فإن أنقرة قررت تعزيز تواجدها في فضاء تدريب وتشكيل القوات الأمنية الصومالية، بعد أن سيطرت الإمارات على هذا الفضاء بشكل ملحوظ في الأعوام الماضية.

ويتوسع نطاق المنافسة التركية الإماراتية في الصومال من الأمن والسياسة إلى الاقتصاد والتجارة، ففي حين تدير شركة البيرق التركية ميناء مقديشو، وقدمت الشركات التركية عطاءات للقيام بنفس الشيء في مدينة كيسمايو على الساحل الجنوبي، فإن شركة “إس كيه إيه” الإماراتية للطيران والخدمات اللوجستية تدير مطار مقديشو.

في حين تنافس الشركات الإماراتية على عقود تطوير الميناء والمطار في كيسمايو، وستدير موانئ دبي بالفعل كلا من ميناء بربرة وميناء بوصاصو بعقود طويلة الأجل تم توقيعها مؤخرًا على الرغم من اعتراض الحكومة الفيدرالية.