العدسة – معتز أشرف

تناقش بعثة الأمم المتحدة متغيرات المصالحة المحلية والوطنية في ليبيا، في ضوء مشروعها: “نحو مصالحة وطنية في ليبيا” ومبادرات المصالحة المجتمعية، فهل ينجح التحرك الأممي أم يعلو صوت الرصاص، وسط تصارع واضح بين نسب الفشل والنجاح والتباين الحاد بين كل الأطراف؟.

معوقات المصالحة!

انطلقت الاثنين، بأحد فنادق الضاحية الشمالية بتونس العاصمة، حلقة نقاش حول متغيرات المصالحة المحلية والوطنية في ليبيا، لمناقشة مشروع الأمم المتحدة “نحو مصالحة وطنية في ليبيا” ومبادرات المصالحة المجتمعية، بحضور خبراء وباحثين وأكاديميين وممثلين عن المجتمع المدني والمجتمع الدولي، للمساهمة في كيفية التوصل إلى فهم أفضل للمناخ الثقافي والسياسي والقانوني والاجتماعي للمصالحة في الديار الليبية، كإجراء جديد لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بعدما قامت به، في يناير الماضي، بجمع أكثر من 60 وسيطا محليا لتبادل خبراتهم السابقة في مجال تيسير اتفاقيات السلام ووقف إطلاق النار.
المشاركون في هذه الورشة المحلية التي قامت الأمم المتحدة برعايتها، وضعوا البوصلة الأولى، حيث حددوا المعوقات الأساسية التي تقف حجر عثرة في مسار عملهم، وهي: التدخلات الخارجية، والافتقار إلى الحيادية، وتحييد وتسييس بعض الجهات الفاعلة في المصالحة، وعدم وجود مؤسسة موحدة للمصالحة في ليبيا؛ وعدم التنسيق بين الجهات الفاعلة في المصالحة، وعدم تأسيس هيئة وطنية موحدة ومستقلة لدعم ورصد جميع الجهود الرامية إلى المصالحة على المستوى المحلي، وعدم اعتماد خارطة طريق للمصالحة الوطنية تحظى بقبول من جميع الأطراف المنخرطة في جهود المصالحة، فضلا عن عدم تعزيز التنسيق بين كل الوسطاء والهيئات والمؤسسات التي تعمل من أجل المصالحة في جميع أنحاء ليبيا، كما اتفق المشاركون على أن أهم المعوقات الأساسية أمام تنفيذ اتفاقات المصالحة المحلية، هي ضعف مشاركة الشباب والمرأة في جهود الوساطة، وعدم وجود ترتيبات لجبر الضرر فضلا عن الافتقار إلى الدعم الحكومي، وهو ما يتطلب -بحسب بوصلة المشاركة الأممية في ليبيا في يناير الماضي- العمل على تأسيس شبكة وطنية من الوسطاء المحليين، لتعزيز تبادل المعلومات وتقديم الدعم للجهات الفاعلة في المصالحة في البلاد.

خطة “غسان”!

في مطلع العام الجاري، كان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة، أكثر وعيا بخارطة طريق أنضج، حيث كشف عن أهم التحديات التي تواجهه، وفي مقدمتها ضرورة تفعيل حظر السلاح المفروض على البلاد لكونه يكتسب أهمية أكثر من أي وقت مضى، إذ يقع المدنيون من الرجال والنساء والأطفال ضحايا للهجمات العشوائية أو الاشتباكات بين الأطراف، مضيفًا أن الوضع الراهن الهش والمتقلب في ليبيا غير قابل للاستدامة؛ حيث تحتاج ليبيا حكومة كفاءات فاعلة، قادرة على توفير الخدمات العامة للمحتاجين، وتوحيد مؤسسات الدولة، وفرض النظام والعدالة، والإشراف على الانتخابات التي ستنهي العملية الانتقالية، مشددًا على أن تعديل الاتفاق السياسي الليبي هو أكثر السبل ملائمة لتحقيق هذا المسعى، بحانب إقرار الدستور، حيث تحتاج ليبيا إلى إطار عمل قانوني قوي دائم، فلا يمكن إنهاء الفترة الانتقالية بدون وضع دستور حقيقي، وتنفيذ الانتخابات.
الأزمة، أنه بعد أن تم تحديد موعد لعقد «المؤتمر الوطني الجامع بين الليبيين»، خرج المبعوث الأممي ليعلن عن تأجيل موعد انعقاده، راهنًا إعادة الدعوة لانعقاده بشرط «الوصول إلى مستوى معين من المصالحات وقبول الآخر»، مصرحًا بأن تحقيق المصالحة الشاملة «يتطلب عملاً ليس بسيطًا من المصالحات السياسية، لكي يقبل كل ليبي أن يجلس تحت السقف نفسه مع الليبي الآخر».

البنود متقاربة!

في المشهد كتلٌ عدةٌ وبنود متقاربة تتساءل فقط عن السبب في عدم إقرار مصالحة، رغم تواتر الأفكار والبرامج، يتقدم الكتل رئيس الوزراء الليبي فائز السراج، الذي كان له مبادرته التي حركت كثيرا من المياه الراكدة، والتي كانت تنص على إجراء إنتخابات برلمانية ورئاسية في شهر مارس الجاري، وتضمنت خارطة الطريق المقترحة، التعاون بين مجلس الدولة في طرابلس ومجلس النواب في طبرق، من أجل الاتفاق على آلية تنفيذها، ورحبت بعض القوى الليبية، من بينها حزب العدالة والبناء ذو التوجه الإسلامي، بخارطة الطريق المقترحة، غير أن رئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح، أعلن رفضه للمبادرة معتبرًا إياها محاولة من جانب “السراج” لنيل الشرعية التي لم يحصل عليها عبر البرلمان، ورغم ذلك فرأيُ “السراج” واضحٌ في دعم المصالحة بين الليبيين، وقال إنهم في المجلس الرئاسي “منفتحون على كل الأطراف السياسية.. وعلى المستوى الشخصي لا يوجد أي تحفظ في ذلك، أي شيء يساعد في حل الأزمة الليبية أو نفتح به مختنقات مسدودة.. مستعدون للقاء أية أشخاص”.
وفي المقابل، وبعد أيام من إعلان فايز السراج، أطلق اللواء خليفة حفتر لجنة تعنى ببحث المصالحة بين المدن والقبائل في المنطقتين الجنوبية والشرقية، وبدأت بمدينة ترهونة الموالية لنظام العقيد الراحل معمر القذافي، حيث شكل في وقت سابق “مجلس القبائل الليبية للمصالحة”، وكرر بعض البنود المتفق عليها، وبحسب مراقبين، فإن ورقة المصالحة تخدم “حفتر” على صعيد طموحاته الشخصية في لعب دور أكبر على الساحتين العسكرية والسياسية، لذا يريد أن يتحكم بها.

محمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء، يرى أن حزبه ليس محل رضًا من المتشددين في طرفي الأزمة في ليبيا، موضحا أن المشكلة الليبية ليست مستعصية إذا كانت هناك جدية من الأطراف الليبية في الحل، وبإمكان البرلمان أن يعقد جلسة، ويضمن الاتفاق في الإعلان الدستوري، وإقرار قانون الاستفتاء على الدستور، مشددا على أن المجموعة المعرقلة في مجلس النواب هي من تقف عائقًا أمام حل الأزمة في ليبيا، وأن في بنود الاتفاق السياسي ما يكفل تصحيح العملية السياسية، ولكن لابد من تجاوز المجموعة القليلة التي تعرقل الاتفاق السياسي داخل مجلس النواب، حيث لا يمكن أن يرتهن مصير وطن لرئيس مجلس النواب ومعه 30 عضوا فقط، وعلى الجانب الآخر فقد أطلق نواب محسوبون على مجلس نواب عقيلة صالح، في أواخر العام الماضي كذلك، مبادرة دعوا فيها إلى ذات البنود المتفق عليها تقريبا، فبحسب البيان، فإن المبادرة تهدف لتوحيد مؤسسات الدولة، وإحداث المصالحة الوطنية، وجبر الضرر، وعودة النازحين والمهجّرين في الداخل والخارج، ومعالجة الأزمة الاقتصادية، وتحقيق الاستقرار والأمن، وهو الأمر الذى لن يتأتّى إلا من خلال وجود مجلس رئاسة وحكومة وطنية يراعيان التوازن الجغرافي والسياسي، وراهن النواب الموقعون على تلك المبادرة، على تحرك البعثة الأممية للدعم في ليبيا لدعم وتأييد مبادرة الرؤية الشاملة.

الانتخابات أو الصراع!

وبحسب دراسة حديثة لمركز الفكر الإستراتيجي للدراسات، فإنه لا يمكن حسم ملف المصالحة الوطنية إلا بإيجاد شرعية بعيدة عن المتنازع عليها الآن، مؤكدة أن الانتخابات البرلمانية في ليبيا فرصة لصناعة شرعية سياسية جديدة، وتغيير النخبة السياسية التي ارتبط وجودها بحالة الصراع القائم، بنخبة حاكمة جديدة تنهي حالة الانقسام السياسي، وتعيد توحيد المؤسسات التي انقسمت بفعل الانشطار الذي حصل في المؤسسات التشريعية، في حين لن يكون الأمر كذلك في حالة الانتخابات الرئاسية؛ حيثُ تعدُّ الأسماء الأكثر ارتباطاً بالصراع هي الأكثر حظاً وتداولاً في الأوساط الليبية لنيل رئاسة ليبيا، وهذا ما يدعو بالضرورة إلى تدابير مسبقة لتعزيز الثقة من خلال إيجاد إطار توافقي يسبق العملية الانتخابية بما يحقق الحد الأدنى من التفاهم بين الأطراف المتصارعة، ويضمن نزاهة الانتخابات والقبول بنتائجها، من خلال تهيئة مناخ سياسي مواتٍ.
وبحسب دراسة لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، فإن الغموض يكتنف المشهد الليبي في ظل تهديدات “حفتر” المستمرة بين حين وآخر، باعتماد الحل العسكري لإنهاء الأزمة الليبية، موضحة أن الخطة التي أعلنها المبعوث الأممي تواجهها مجموعة من العقبات والانتكاسات، تعرقل تنفيذها على أرض الواقع، وهو ما يثير التساؤل عن مدى إمكانية نجاحها في إنهاء الأزمة الليبية، خلال المدة الزمنية المحدد لها عام واحد فقط، ينتهي بنهاية العام الجاري بفتح الباب أمام إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وذلك في موعد أقصاه سبتمبر 2018، لكن الدراسة تذهب إلى القول إن السيناريو الغالب في ليبيا خلال عام 2018، هو تصاعد الصراع واستمرار مسلسل تعثر التسوية السياسية للأزمة، الذي بدأت بوادره بتعثر تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية من خطة العمل التي اقترحها المبعوث الأممي لحل الأزمة الليبية، المتعلقتين بتعديل الاتفاق السياسي الليبي، وعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا، ليبقى الرهان على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بنهاية عام 2018، مدخلاً لحل الصراع الليبي، وهي الانتخابات التي تواجهها مجموعة من العقبات السياسية والأمنية والدستورية والقانونية قد تحول دون إجرائها، فضلاً عن تخوفات من أن تؤدي نتائج الانتخابات في حد ذاتها -في حال إجرائها- إلى تجدد الحرب الأهلية في ليبيا، في حال رفض أحد طرفَي الصراع الاعتراف بنتائجها، فضلا عن التنافس بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جهة أخرى، على النفوذ في ليبيا.