ربى الطاهر

كشفت إحصائية أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء أنَّ عدد المطلقين فى مصر بلغ 710 آلاف و850 نسمة، وتزيد الإناث المطلقات بنسبة 64.9% عن الذكور بنسبة 35.1%.. في مقابل 938 ألف حالة زاوج.

كما أصدر مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري تقريرًا يؤكد أن نسب الطلاق في مصر هى الأعلى عالميًا، وكثرت المراكز التى أخذت على عاتقها الاهتمام بهذه الكارثة لتصدر البيانات عن أعداد حالات الطلاق في اليوم الواحد بل وبالدقيقة…

ولكن الحقيقة أن المشكلة ليست بدايتها هو وقوع الطلاق؛ فالبحث عن أسباب لماذا وقع الطلاق في حدّ ذاته ربما يزيد المسألة تعقيدًا أو ربما يعكس الأسباب الظاهرية، ولكن تبقى الأسباب الحقيقية هي التي لا يلتفت إليها أحد وتظل محاولات البحث وإيجاد الحلول بعيدة عن أصل المشكلة، والذي قد يعود إلى الخلف سنوات للنظر على ذلك المجتمع الذي تغيرت كل عاداته وقيمه ومبادئه التى كان يُربى عليها الأجيال السابقة.

إنها مشكلة متشابكة تشترك فيها العديد من العوامل التي تعتبر هي الجوهر الحقيقي لهذه المشكلة، ولعل أبرزها هو عدم تربية الأبناء على تحمُّل المسئولية، وانتشار المخدرات بشكل غير مسبوق وغير معقول طال كل مستويات الشعب المصرى، ولم يستثنِ حتى أعلى المستويات العلمية من الأطباء الذين يدرسون خطر المخدرات أو حتى الأسر المتدينة التي تحرص على تربية أبنائها بالمساجد، وكذلك أبناء الطبقات الارستقراطية..

لم يعد أحد في مأمن، إضافة إلى ذلك التحول الاجتماعي القيمي الخطير والذي ظهر وبشكل واضح جدا في المجتمع المصري، حيث أصبح كثير من رجاله يفضّلون البطالة وترك مسئولية الإنفاق على الزوجة رغم حصول فئة منهم على أعلى الشهادات، وربما الدرجات العلمية من ماجستير أو دكتوراه، هذا بخلاف أن مفاهيم تكوين الأسرة وكيفية تفادي المشاكل، ومفاهيم واجبات الزوج في التعامل مع الزوجة والعكس لم تعد موجودة فلم يعد الرجل يتعامل بمفهوم الرجولة، وسيطرة مفاهيم الذكورة، ولم تعد الزوجة كذلك تفهم دورها وواجباتها، بل والأكثر من ذلك انعدام النصيحة العاقلة؛ فحتى الجيل السابق من الأمهات والآباء لم يعد لديهم حكمة الأجداد في لمّ شمل الأسرة وتصغير الخلافات الزوجية التي قد تصل إليهم  لتفادي ريح المشاكل حتى تهدأ، بل العكس ربما يكون التحفيز والاستعداء هما سبيل أسرتي الزوج والزوجة لانتصار كل طرف وكسر الآخر.

إن ما يحدث في مصر كارثة اجتماعية  يفجرها الطلاق الأصل فيها هو ذلك التحول في منظومة القيم والمبادئ وتربية الأبناء الذي يحدث بشكل فجّ وسريع يصعب استيعابه.

 

تأثير التطور التكنولوجي

وربما أرجع الكثيرون من الإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين الأسباب المباشرة أو الظاهرية للطلاق إلى اتخاذ القرارت السريعة بالزواج دون دراسة حقيقية للطرف الآخر، لذلك يحدث الطلاق بنفس سرعة الزواج، كما أن العديد من التقارير لفتت إلى أن ذلك التطور التكنولوجي قد أثر بشكل سلبي على التواصل بين أفراد المجتمع بشكل عام وتركت بصماتها الكارثية على الأزواج بشكل خاص، فلم يعد يخفى على أحدٍ كم الخيانات الزوجية “من الطرفين” التي تحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يكتشفة الطرف الآخر، وهو ما ينتج عنه الطلاق أو طلب الخلع.

الطلاق الرسمي ليس حلًا

كما أعلن قطاع الأحوال المدنية بوزارة الداخلية أن 20 ألف حالة طلاق تقع بين الأسر المصرية في الشهر الواحد، وبرر البعض محاولات قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي للاعتراف بالطلاق الرسمي دون الشفهي– الأمر الذي أثار الكثير من الجدال الديني- بوصول نسبة الطلاق إلى 40%  من حالات الزواج بالسنوات الخمس الأخيرة وبهذا يكون قد ارتفع من نسبة  حالة كل 6 دقائق إلى حالة طلاق كل 3 دقائق، وفقا لإحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء.

بينما وصلت حالات الخلع التى نظرت أمام المحاكم والطلاق كذلك في العام 2015 إلى ما يتخطى الربع مليون حالة بزيادة تقدر بـ 89 ألف حالة عن العام الذي سبقه 2014 .

وهوالأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى رصده والتي أكدت أن نسب الطلاق ارتفعت في مصر من 7 % إلى 40 % خلال نصف القرن الماضي، ليصل إجمالي المطلقات إلى 4 ملايين مطلقة، وهو ما دعمته الإحصائيات الرسمية عن عدد قضايا الطلاق التي شهدتها ساحات المحاكم خلال العام 2015 والتي طالت  28 مليون شخص، وهو ما يقارب ربع عدد سكان المجتمع المصري.

تغير القوانين الاجتماعية

ويرى الكثيرون أن إصدار قانون الخلع كان السبب وراء ارتفاع هذه النسب إلى ذلك المستوى غير المسبوق، إضافة إلى تغيير نظرة المجتمع إلى مفهوم الطلاق، ولا سيما المرأة المطلقة، الأمر الذي شجّع الكثير من النساء على طلب الطلاق أو الخلع، بعدما كان المجتمع يدين المراة المطلقة في الماضي، حتى إن العديد من الدراسات الاجتماعية قد كشفت عن وقوف أهل الزوج وراء تطليق 7 % من الزوجات، حيث تراجع موقف الزوج في اتخاذ القرار ليكون الأهل هم من لهم اليد العليا فى إنهاء العلاقة الزوجية، في حين أن 6% من أهل الزوجة من كانوا السبب وراء التطليق.

كما أن مشكلة عدم الإنجاب تدخلت بنسبة واضحة أيضا في وقوع الطلاق، حيث إن عدم الإنجاب في المجتمعات الشرقية وليست المصرية فقط قد يكون السبب الرئيسي في وقوع الطلاق، حتى إن الإحصائيات قد رصدت إن 80% من المطلقات كان عدم الإنجاب السبب في طلاقهن.

كما ساهمت العلاقات بآخرين والتي سبقت مرحلة الزواج بقدرهام في زيادة نسب الطلاق؛ حيث يبقي التوجس من كلا الطرفين مستمرا لما بعد الزواج، وقد يزيد الشعور بالشك في سلوكيات الزوجين من تشعب المشاكل الأخرى حتى ينتهى الأمر بالانفصال.

كما أشارت التقاريركذلك إلى أن إفشاء الأسرار الزوجية وكذلك تدخل الأهل والأصدقاء بتفاصيل الحياة الزوجية قد تسبّب في وقوع 44.6% من نسب الطلاق، بحسب إحصائية مركز البحوث الاجتماعية.

بينما أوضحت أن التغيرات الاقتصادية التي تعرضت لها مصر بعد ثورة 25 يناير من موجة عالية في غلاء الاسعار كانت محورًا لافتعال العديد من المشاكل التي أفضت أيضا إلى الطلاق  في الأسر الفقيرة، والتي زادت في المدن عنها في الريف.

واعتبرت كذلك عوامل مثل عدم التكافؤ الاجتماعي بين الزوجين إلى جانب انعدام الشعور بالمسئولية الأسرية وإدمان المخدرات والخمور، وكذلك وجود علاقات مفتوحة فيما قبل الزواج بالاسباب الأساسية في حدوث الانفصال.

ولم يغفل التقرير عن ذكر تأثير مواقع  التواصل الاجتماعي وأهمها كان “فيس بوك” في وقوع نسبة لا تقل عن 20% من حالات الطلاق، وفقًا لبيانات من محاكم الأسرة في مصر.

أما عن انشغال الزوج أو الزوجة في بعض الألعاب الإلكترونية مثل لعبة “كاندي كراش” فتسبب في حدوث 8 آلاف حالة طلاق وخلع، أما انشغال الزوج في لعب “البلاي ستيشن” فتسبب في وقوع 600 ألف حالة طلاق وخلع.

وبذلك يتضح أن أسباب وقوع الطلاق حتى على مستوى الأسباب الظاهرية قد اختلف كثيرًا عما كان عليه في الماضى، وأن الوقوف الفعلى للمواجهة الصحيحة لتلك الظاهرة ربما لا تجدي معه أن يكون الطلاق شفهيا أم مسجلًا، وإنما علينا العمل لإعادة الأصل الثقافي للمجتمع المصري، وإعادة بث القيم الأخلاقية فيه، وحماية شبابه من المخدرات.