يرى كثير من المراقبين أنه في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة التحركات الدولية المتعلقة بملف سد النهضة الإثيوبي، أصبحت كافة الخيارات مطروحة على الساحة.
وفي هذا الإطار، من الممكن تفسير الرسالة التي بعثها الإثيوبيون إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن، والتي يتهمون فيها القاهرة والخرطوم بعرقلة مفاوضات سد النهضة وإفشالها، وذلك بسبب عدم تقديمهما تنازلات تساهم في الوصول إلى حل للأزمة، حسب وجهة نظرهم، من الممكن تفسيرها أنها ما هي إلا محاولة جديدة من جانب إثيوبيا لهدر مزيد من الوقت، بحيث يساعدها ذلك على إتمام الملء الثاني للسد، ومن ثم فرض الأمر الواقع بعد ذلك، كما فعلت قبل ذلك في الملء الأول.
بشكل واضح، سعت أديس أبابا إلى استباق التحرك المصري السوداني المزمع نحو مجلس الأمن، لتظهر نفسها على أنها الطرف الأضعف أمام تحالف مصر والسودان، وهي تمارس ذلك رغبة منها بأن ينتهي موقف مجلس الأمن، إذا ما لجأت الدولتان له خلال الأيام والأسابيع القادمة، بتوصيات فقط كما حدث في المرة الأولى، ومن ثم تستفيد من خلال ذلك في كسب وقت إضافي عبر عملية تفاوضية جديدة على أسس غير سليمة، ومن دون شروط تلزمها بوقف أعمال البناء لحين إتمام المفاوضات، أو التوصل لاتفاق ملزم قبل عملية الملء الثاني.
وقد تكون الجولة الأفريقية التي بدأها وزير خارجية مصر، سامح شكري، الاثنين الماضي، وتتضمن دول حوض النيل وجنوب أفريقيا، هادفة إلى تحييد موقف الدول الإفريقية، الذي تراهن أديس أبابا دومًا على استخدامه كمبرر أو حجة لعدم تدويل القضية، وحصرها في الوساطة الأفريقية فقط، رغم التداعيات العالمية التي من الممكن أن تسفر عنها الأزمة في إحدى أكثر المناطق تأثيرًا في السياسة الدولية.
من ناحية أخرى، بالرغم من تراجع الخطاب التصعيدي الإعلامي الملوّح بالحل العسكري للأزمة، لكن من الممكن القول إن المناقشات والمباحثات حول هذا الأمر قد تكون لا تزال حاضرة على الطاولة في بعض الدوائر المعنية بالملف، وحسب مصادر مطلعة صرحت لموقع “العربي الجدي”، فإن “خطة الحل العسكري جاهزة في حال أصدرت القيادة السياسية أوامرها للقوات المسلحة”. إضافة “الخطة بأدق تفاصيلها تمت مراجعتها مع الجانب السوداني خلال الأيام الماضية”، ولفت المصدر إلى أنها “تتضمن عدة سيناريوهات عسكرية، أقلها ترجيحاً خيار توجيه ضربة جوية مباغتة”. كاشفًا أن “خيار توجيه ضربة جوية لنقاط محددة في جسم السد لم يحظ بدعم القادة العسكريين، في ضوء المعلومات الدقيقة التي تملكها مصر والسودان بشأن موقع السد”.
وبحسب المصادر، ستبدأ مصر خلال الأيام القليلة القادمة حملة عن طريق مكاتب علاقات عامة ومجموعات ضغط لنقل رسالتها إلى مؤسسات صناعة القرار، في كل من أمريكا وأوروبا، وتتلخص هذه الرسالة، حسب المصادر، في أن القاهرة لم يعد في جعبتها تقديم أي تسهيلات أو تنازلات إضافية للإثيوبيين للتوصل إلى حل سلمي للأزمة.
وكشفت مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة أن مصر أعادت إبلاغ قوى دولية وإقليمية بخيار لجوئها إلى الحل العسكري في حال استمرار النهج الإثيوبي، محملة تلك القوى مسؤوليتها.
وبرغم التحذيرات السابقة التي تلقتها مصر من القوى الدولية الكبرى حال الإقدام على عمل خشن ضد السد، لكن يبدو أن هناك اتجاهًا داخل النظام المصري يرى ضرورة أن تستعد مصر لتحمل تبعات هذا الخيار والمضي قدمًا فيه إذا لم يعد هناك حل آخر، بغض النظر عن موقف المجتمع الدولي.
وبخلاف الحل العسكري، يبدو أن مصر تحاول الآن التلويح بعدد من الخيارات، في محاولة للضغط على القوى الدولية للتحرك الفاعل الجاد لحل الأزمة قبل الملء الثاني، وتسعى مصر في هذا الإطار إلى تكثيف أعمالها الدبلوماسية مع القوى الكبرى لاستطلاع نواياها الحقيقية بشأن التوصل لحل سلمي للأزمة.
من هذه الخيارات التي تلوح بها مصر هي أنها لن تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه بعض القضايا والأزمات التي قد تؤرق الاتحاد الأوروبي بحال عدم التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة، وأن السلطات المصرية لن يكون بمقدورها السيطرة على التأثيرات الداخلية لأزمة نقص المياه، وما سيرتبه ذلك من أزمات أعمق ستطاول أوروبا حتماً، ومن أهم هذه الأزمات هي ملفات اللجوء والهجرة غير الشرعية، وإحداث حالة من الفوضى قد تضر الأوروبيين في المقام الأول حال حدوثها.
وكانت إثيوبيا قد دعت، في رسالة رسمية، الدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي إلى حث مصر والسودان على العودة إلى المفاوضات الثلاثية بشأن الملء الأول، والتشغيل السنوي لسد النهضة، واحترام العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي.
وفي البيان، اتهمت الخارجية الإثيوبية، القاهرة والخرطوم بعدم تقديم تنازلات، قائلة “لا تتفاوض مصر والسودان بحسن نية، وليستا مستعدتين لتقديم التنازلات اللازمة للوصول إلى نتيجة مربحة للجميع”. وتضمنت الرسالة كذلك أن البلدين اختارا “إفشال” المفاوضات و”تدويل” القضية لممارسة ضغط لا داعي له على إثيوبيا.
يأتي هذا فيما دعت إثيوبيا لعقد اجتماع للاتحاد الأفريقي لإنهاء الجمود بشأن محادثات سد النهضة بين الأطراف الثلاثة. وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية، في بيان، الأربعاء الماضي، إن “إثيوبيا ترى أن الطريق إلى الأمام في مفاوضات سد النهضة هو أن تطلب من رئيس الاتحاد الأفريقي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي الدعوة إلى اجتماع لإنهاء الجمود بشأن مفاوضات سد النهضة”.
وأضاف البيان أن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في رده على رسالة نظيره السوداني، عبد الله حمدوك، في 13 إبريل/ نيسان الحالي، “قال إن افتراض فشل عملية التفاوض ليس صحيحاً، لأننا رأينا بعض النتائج الملموسة، بما في ذلك التوقيع على إعلان المبادئ، وإنشاء المجموعة الوطنية المستقلة للبحوث العلمية، وعملها في ما يتعلق بجدول الملء على أساس مرحلي”.
وأوضح البيان أن “الرسالة التي بعث بها رئيس الوزراء الإثيوبي استشهدت أيضاً باجتماع كينشاسا، والتفاهم الذي تم التوصل إليه بشأن استئناف المفاوضات الثلاثية المتوقفة التي يقودها الاتحاد الأفريقي، والاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن استمرار وتعزيز دور المراقبين (الاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة)، والحاجة إلى رئيس الاتحاد الأفريقي الحالي لاستخدام الموارد الموجودة تحت تصرفه لأداء دوره التيسيري بشكل فعال”.
كما تضمنت الرسالة، بحسب البيان، اعترافاً بالمسائل القانونية والتقنية التي يجب معالجتها لتحقيق نتيجة مربحة للجانبين، مطالبة بإتاحة الفرصة للعملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي للتعامل مع القضايا الأكثر إلحاحاً، على الرغم من الانقطاع تسع مرات. وأشارت إلى أنه “إذا تفاوضت الأطراف بحسن نية فإن النتائج في متناول أيدينا. وما زالت إثيوبيا تعتقد أن أفضل طريقة للمضي قدماً هي مواصلة المفاوضات الثلاثية في إطار العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي للوصول إلى نتيجة مربحة للجانبين”.
يذكر أن حمدوك دعا، منتصف إبريل الحالي، نظيريه المصري والأثيوبي إلى عقد قمة خلال 10 أيام، لتقييم المفاوضات حول سدّ النهضة بعد الوصول إلى طريق مسدود.
لا شك أن المحاولات الإثيوبية الحثيثة خلال الأيام القليلة الماضية لإعادة مصر والسودان إلى طاولة المفاوضات دون تقديم أي مؤشرات تشير إلى جديتها هذه المرة، محاولة عابثة من الإثيوبيين لهدر وإضاعة الوقت، كما كانوا يفعلون طيلة عقد من الزمان.
إقرأ أيضًا: بعد عنجهية السيسي.. رجوع إلى الخلف مرة أخرى بضغط الأجهزة والقوى الدولية
اضف تعليقا