العدسة – جلال إدريس

بنتائج مخيبة للآمال، ومواقف مخزية تجاه القضايا العربية والإفريقية والإسلامية، انتهت عضوية مصر بمجلس الأمن، مطلع العام الجاري 2018، حيث كانت عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن قد امتدت على مدار عامين، منذ يناير 2016 وحتى يناير 2018.

ورغم الحفاواة الكبيرة التي حاولت خارجية عبد الفتاح السيسي إظهارها، بالقرارات التي اتخذتها خلال عضويتها في مجلس الأمن، إلا أن المراقب للمواقف المصرية بشكل جيد، يتضح له أن تلك الفترة، شهدت مواقف مصرية مخزية على المستويين العربي والإفريقي.

وفي هذا الشأن أصدرت وزارة الخارجية المصرية تقريراً، نشرت فيه ما أسمته “الحصاد الأبرز لما قامت به مصر خلال عضويتها بمجلس الأمن”، ارتكزت فيه على المشاريع والمقترحات التي قدمتها خلال تلك الفترة، والتي لم تخرج عن كونها مشاريع واقتراحات لمكافحة الإرهاب في مصر تارة، وفي ليبيا تارة أخرى.

“العدسة” وخلال هذا التقرير، سنقوم بتسليط الضوء على أبرز المواقف والقرارات التي اتخذتها مصر خلال تلك الفترة ..

 

خذلت القضية السورية

الدمار في “سوريا”

 

القضية السورية كانت هي القضية الأبرز، التي اتخذت فيها مصر مواقف مخزية للغاية، بحسب وصف مراقبين، خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي، حيث سارت القاهرة على خطى موسكو في دعم النظام السوري، ومحاربة الشعب السوري المغلوب على أمره.

أول المواقف المصرية المخزية للقضية السورية، كان في مايو 2016، حين رفضت مصر الدعوة إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة تعَرُّضِ مدينة حلب السورية لقصف عنيف وعشوائي من جانب الطيران الروسي وطيران الأسد، لتتيح لهما استكمال قصف المدينة.

وبعدها بأيام، وافقت مصر على قرارين متعارضين لمجلس الأمن حول مدينة حلب، حيث أيدت قرارا اقترحته فرنسا يدعو إلى وقف القصف على المدينة، وبعدها أيدت قرارا روسيا يدعو إلى وقف الأعمال القتالية في حلب، ويستثني الغارات الجوية.

انحياز مصر للموقف الروسي، تسبب في تزايد أعداد الضحايا والقتلى من الشعب السوري بالمئات، وربما بالآلاف، بسبب القصف المتواصل من قبل الطائرات الروسية ومقاتلات نظام بشار الأسد.

الموقف المصري آنذاك كان صادما، حتى علق المندوب السعودي في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، وقتها قائلا: “من المؤلم أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب من الموقف العربي (المصري)”.

وفي شباط/فبراير 2017، رفضت مصر دعم مشروع قرار لمجلس الأمن، يقضي بفرض عقوبات على النظام السوري، جراء استخدامه الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة، وقالت إن القرار لا يستند إلى أدلة حقيقية.

مرة أخرى، خذلت مصر الرسمية الشعب السوري في مجلس الأمن، حيث امتنعت في نوفمبر 2017، عن التصويت، على مشروع قرار سعودي يُدين نظام بشار الأسد بانتهاكاته لحقوق الإنسان، والذي انحازت إليه دول الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وقطر.

 

انتقمت من قطر والسودان

” عبد الفتاح السيسي “

 

” عمر البشير “

 

” تميم بن حمد “

 

لم تكتفِ مصر، خلال عضويتها في مجلس الأمن، بخذلان القضية السورية، وإنما حولت عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، لتصفية حسابات مع أشقائها العرب، والتي تَعُدُّهم مصر بمثابة خصوم لها في عهد عبد الفتاح السيسي، وبالتحديد “قطر والسودان”.

ففي أبريل 2017، اتخذت مصر موقفا عدائيا وغير مسبوق ضد السودان، عندما طلبت من مجلس الأمن الإبقاء على العقوبات المفروضة على السودان، طبقا للقرار 1591، الذي يحظر بيع الأسلحة للخرطوم، وهو ما دفع وزير خارجية السودان إبراهيم غندور، إلى وصف الموقف المصري بأنه “شاذ وغريب”، وطالب القاهرة بتفسير هذا التصرف الغريب تجاه السودان.

الموقف المصري آنذاك، شكل صدمة عربية وإفريقية، إذ إن السودان الجار الملاصق للمصر، كان ينبغي للقاهرة أن تسانده في رفع العقوبات عنه، بل كان ينبغي أن تطالب بذلك بدلا من أن تعرقل رفع العقوبات بحج واهية، وهو الأمر الذي فسره مراقبون بإنه انتقام وتصفية حسابات مع السودان؛ بسبب موقف الأخيرة من سد النهضة الإثيوبي، والصراع المحتدم بين البلدين على “أرض حلايب وشلاتين”.

لم تسئ القاهرة أثناء عضويتها في مجلس الأمن إلى السودان فحسب، وإنما عمدت أيضا إلى تشويه سمعة “قطر”، خصمها الأول، منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013، حيث استغلت القاهرة عضويتها  في مجلس الأمن للتركيز على ما أسماه “انتهاج قطر سياسة “داعمة للإرهاب”، وانتهاك قرارات مجلس الأمن الدولي في هذا الشأن.

ووفقا لتقرير صادر عن الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، فإن مصر اتهمت، في 8 يونيو 2017،  قطر بدفع نحو مليار دولار لـ”تنظيم إرهابي” في العراق للإفراج عن رهائن قطريين، بما يعد مخالفة لقرارات مجلس الأمن، التي تلزم الدول الأعضاء بمنع الإرهابيين من الاستفادة من الأموال التي يتحصلون عليها في شكل فدية، وعَدَّتْه مصر دعما مباشرا للإرهاب.

كما هاجمت مصر دولة قطر خلال عضويتها بمجلس الأمن، واتهمتها بتسليح وتمويل جماعات وتنظيمات إرهابية في ليبيا، ودعت مجلس الأمن إلى التصرف إزاء تلك الانتهاكات.

 

تخلت عن أفريقيا

” أطفال أفريقيا “

 

أفريقيا أيضا، كان لها جانب من الخذلان المصري أثناء عضويتها في مجلس الأمن، حيث بدأت مصر مواقفها في مجلس الأمن، في مارس 2016، برفضها اقتراحا أمريكيا، يقضي بإدانة انتهاكات قوات حفظ السلام، بجمهورية إفريقيا الوسطى، المتهمة بالتحرش الجنسي ضد الأطفال.

 

انحازت لإسرائيل

” المستوطنات الإسرائيلية “

ولأن قوة العلاقة بين النظام المصري الحالي وإسرائيل وصلت في عهد السيسي لدرجة غير مسبوقة، فقد اتخذت مصر مواقف موالية للكيان الصهيوني، أثناء عضويتها في مجلس الأمن الدولي.

فعلى سبيل المثال، سحبت مصر، في ديسمبر 2016، التصويت على مشروع القرار الذي قدمته لإدانة الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة نهائياً، بعد توزيع مسودة القرار على الدول الأعضاء في مجلس الأمن.

سحبُ المشروع وقتها، فسر بأنه جاء بعد تنسيق مسبق بين مصر وإسرائيل، والتي يسعى السيسي للترويج لما يُسمى بـ”السلام الدافئ” معها، وتوسيع دائرة التطبيع مع الكيان الصهيوني لحفظ أمن إسرائيل.

وبالرغم من أن مصر عارضت قرار الرئيس الأمريكي “ترامب”، الذي أعلن فيه اعتبار “القدس” عاصمة لدولة إسرائيل، وقدمت مشروعا لمجلس الأمن الدولي يرفض إعلان ترامب، وصُوّت عليه في 18 ديسمبر 2017، ونال موافقة جميع الدول الأعضاء في المجلس، باستثناء الولايات المتحدة التي استخدمت “الفيتو” ضده، في حين تعهد الفلسطينيون بالتوجه نحو الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة قرار “ترامب”، فإن مراقبين يرون أن الموقف المصري لم يكن سوى مشهد تمثيلي كانت تدرك مصر تماما أنه سيرفض، لكن حاولت تبييض صورتها به قبل الخروج من مجلس الأمن.

 

مكافحة الإرهاب وفقط

“تنظيم الدولة” في سيناء

 

أخيرًا، فإن كل الشواهد تؤكد أن “قضية الإرهاب” وحدها كانت شغل  مصر الشاغل، أثناء عضويتها في مجلس الأمن، ومع ذلك لم تقدم في هذا الملف رؤية واضحة، يمكن أن يعتمد عليها لمواجهة الإرهاب.

ووفقا لتقرير صادر عن الخارجية المصرية، فإن قضية مكافحة الإرهاب جاءت على رأس الملفات التي اهتمت بها مصر، حيث دعت المجلس لاتخاذ القرار رقم 2354 حول مكافحة الخطاب الإرهابي، الذي أقر محاربة الترويج للإرهاب والأيديولوجيات الإرهابية.