العدسة – منصور عطية
تصعيد جديد، ربما يعد هو الأبرز والأكثر حدة بين مصر والسودان، على مدار الفترة الماضية التي اشتعلت فيها مجموعة من الأزمات بين البلدين، وفي مقدمتها سد النهضة الإثيوبي ومثلث حلايب وشلاتين الحدودي المتنازع عليه.
وزارة الخارجية السودانية، أعلنت الخميس، أن الخرطوم استدعت سفير السودان في مصر للتشاور، ونقلت وكالة الأنباء السودانية عن “قريب الله الخضر” الناطق الرسمي باسم الوزارة قوله: “وزارة الخارجية قررت اليوم الخميس استدعاء سفير السودان لدى القاهرة عبدالمحمود عبدالحليم إلى الخرطوم بغرض التشاور”.
الرد المصري على تلك الخطوة التصعيدية كان متأنيًا إلى درجة كبيرة، حيث اكتفى المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المستشار أحمد أبو زيد، بالتصريح بأن “مصر الآن تقيم الموقف بشكل متكامل لاتخاذ الإجراء المناسب”.
كيف ترد القاهرة؟
ولم تعلن كلا البلدين الأسباب الحقيقية وراء استدعاء السفير، إلا أن تلك الخطوة تأتي بعد يوم واحد من نفي المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية صحة ما تردد من أنباء نقلتها صحف سودانية عن أن مصر طلبت استبعاد السودان من المفاوضات الخاصة حول سد النهضة الإثيوبي، مؤكدا أنه “لا أساس لها من الصحة”.
وقال أبوزيد، في تصريحات صحفية إنه “على العكس من ذلك تمامًا، فإن الاقتراح الذي تقدمت به مصر بطلب مشاركة البنك الدولي كطرف محايد في مفاوضات اللجنة الثلاثية الفنية، قد تقدمت به مصر بشكل رسمي للحكومة السودانية أيضًا، وأن مصر تنتظر رد كل من إثيوبيا والسودان على المقترح في أقرب فرصة ممكنة”.
إذن فإن الاحتمال الأرجح يربط بين هذا التصريح واستدعاء السفير، لكن ما تمثله تلك الخطوة من تصعيد دبلوماسي غير مسبوق يشير إلى عكس ما صرح به المسؤول المصري.
ووفق هذا التصور فإن السودان تأكد بما لا يدع مجالًا للشك من أن مصر طلبت بالفعل استبعاده من مفاوضات سد النهضة التي ينتظر أن يرعاها البنك الدولي، وعليه فقد اتخذ قراره بشأن السفير كرد على الطلب المصري.
وتبقى القاهرة هنا محصورة بين سيناريوهين لا ثالث لهما للرد على التصعيد السوداني، على نحو يعبر معه هذا الرد عن التوجه المصري المستقبلي في التعاطي مع أزمة البلدين.
الرد بالمثل، أي استدعاء السفير المصري في الخرطوم، أحد هذين السيناريوهين ويشير إلى عزم مصري على مواجهة التصعيد بالتصعيد خطوة بخطوة، قد تتفاقم فيها الأزمة على نحو ربما ينسف العلاقات بين الشقيقين.
أما إذا لم ترد القاهرة بالمثل واكتفت مثلًا بتصريح استنكاري أو حتى التزمت الصمت، فإن الأمر يشي بمحاولة مصرية للتهدئة وعدم صب الزيت على النار، وهنا تختبر مصداقية القاهرة في رغبتها المعلنة دومًا بعدم السعي وراء التصعيد.
وكانت مصر أعلنت رسميًا في نوفمبر الماضي فشل مسار المفوضات الفنية بشأن سد النهضة، نتيجة رفض كل من السودان وإثيوبيا للتقرير الاستهلالي من المكتب الاستشاري الفرنسي الذي يقيم التأثيرات المحتملة على مصر نتيجة إنشاء السد، والتي تقول القاهرة إنه سيحرمها من حصتها التاريخية في مياه النيل.
سواكن عقدت الأزمة
ولعل هذه التطورات المتلاحقة تأتي بعد أيام من قرار السودان تخصيص جزيرة سواكن في البحر الأحمر لتركيا من أجل تطويرها وإدارتها لمدة غير محددة، فضلًا عن العديد من الاتفاقيات التجارية والعسكرية التي وقعتها الخرطوم مع أنقرة خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى هناك أواخر ديسمبر الماضي.
على أكثر من بعد شكلت تلك الخطوة تصعيدًا سودانيًا رآه كثيرون غير مبرر في وقت تشتعل فيه الأزمة مع مصر بشكل ملحوظ، فربما لو كان الاتفاق الخاص بجزيرة سواكن تم مع دولة أخرى غير تركيا لكان الأمر اختلف بشدة.
القاهرة وأنقرة يعيشان أزمة دبلوماسية غير مسبوقة منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013، حيث توفر أنقرة ملاذًا آمنًا لقيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين وتُبث من أرضها فضائيات تعارض السلطة في مصر، بينما تحارب القاهرة الجماعة التي تعتبرها إرهابية بلا هوادة.
ولعل موقع جزيرة سواكن القريب من مثلث حلايب وشلاتين الحدودي المتنازع عليه بين مصر والسودان يضيف مزيدًا من التعقيد، ويفتح الباب أمام التكهنات بشأن العلاقة بين تخصيص الجزيرة السودانية لتركيا وحقيقة النزاع الحدودي مع مصر.
تلك العلاقة كانت حاضرة في المؤتمر الصحفي لوزيري خارجية تركيا والسودان مولود جاويش أوغلو وإبراهيم غندور، بالخرطوم، حيث أعرب الأخير عن استغرابه مما قال إنه “رد فعل الإعلام المصري تجاه زيارة أردوغان للسودان”، مشيرًا إلى أن البلدين يقيمان “شراكة استراتيجية في البحر الأحمر وهذا طبيعي”.
كما تحدث عن أزمة حلايب، مشيرًا إلى تمسك بلاده بتبعية المثلث الحدودي لها وأن المذكرة التي سبق إرسالها للأمم المتحدة “استندت إلى إحداثيات الحدود البحرية للسودان”.
اشتباكات مباشرة
انطلاقًا من تلك الجزئية، كان هناك تصريح لافت من رئيس اللجنة الفنية للحدود من الجانب السوداني، عبدالله الصادق، الذي قال إن استمرار ما أسماه بـ”العدوان المصري” على مثلث حلايب يهدف إلى جر السودان للدخول في اشتباكات مباشرة مع مصر.
ووصف الصادق الذي يشغل أيضا منصب مدير هيئة المساحة، ما تقوم به السلطات المصرية بمثلث حلايب “المحتل” بأنه استمرار في التعدي على الأراضي السودانية، مؤكدا أن هذا التعدي سيأتي بنتائج عكسية لدولة مصر.
وكانت وزارة الخارجية المصرية رفضت في ديسمبر الماضي، ما اعتبرته مزاعم سودانية بالسيادة على منطقة حلايب وشلاتين الحدودية على البحر الأحمر، بينما تقدمت الحكومة السودانية بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي، جاء في نصها “تم إنشاء مكتب للسجل المدني في حلايب وشلاتين بغرض استخراج أوراق ثبوتية مصرية تشمل شهادات الميلاد وبطاقة الرقم الوطني”.
كما اشتكت الخرطوم “من انتشار لواء مشاة مصري في المنطقة المتنازع عليها يغطي بين البلدين، ونوهت كذلك إلى رسو سفينة حربية في مرسى جزيرة حلايب، بينما تتمركز قوات من المخابرات والشرطة المصرية في مواقع أخرى في مثلث حلايب.
الاتهامات السودانية لمصر لم تتوقف عند هذا الحد، بل تكرر الخرطوم دومًا ما ترى إنه تورط القاهرة في دعم الحركات المسلحة المناوئة للحكومة السودانية في إقليم دارفور غرب البلاد، وفي الجارة الجنوبية.
اضف تعليقا