تفاقم الأوضاع الاقتصادية في غزة.. بداية شرر غضب شعبي موجه في الأساس ناحية حركة حماس لكونها صاحبة السلطة والحكم في القطاع.. السلطة الفلسطينية ومحمود عباس تفاقم الحصار على غزة بقرارات منع الرواتب وتسريح الموظفين وعدم دفع مستحقات الطاقة.. محاولة مصرية (انضمت إليها دول خليجية) لمساومة حماس على تغيير واقع القطاع الاقتصادي مقابل التفاهم مع دحلان وعودته إلى غزة حاكما وحيدا، مع ضمانات لحماس حول سلاح المقاومة والأوضاع الأمنية.
محمود عباس يتحرك ضد التقارب الحمساوي الدحلاني ويذهب إلى تركيا للضغط على مصر والإمارات.. الاتفاق بين حماس ودحلان يترنح، ومصر تستبدل به محاولة تقريب بين حماس وعباس توجت بإعلان الأولى حل لجنتها الإدارية لحكم القطاع، وضغطت القاهرة على عباس للتجاوب مع الخطوة فكان اللقاء الأخير بين إسماعيل هنية ورامي الحمد الله في غزة بوجود ورعاية وفد أمني مصري رفيع.
محاولة ثامنة
ما سبق كان حلقات غير متجانسة لمحاولة جديدة لدفع حماس وفتح نحو الاتفاق وصياغة مصالحة فلسطينية، يرى محللون أنها لن تكون كسبعة محاولات سابقة، فالأطراف الراعية للمصالحة الثامنة مختلفة، والأجواء نفسها مختلفة، لكن من المؤكد أن هناك أثمانا يجب على حماس دفعها، مقابل نجاح هذه المصالحة –إن نجحت– في تلك الظروف، وعباس أيضا سيدفع.
والحقيقة أن حماس وعباس مجبران على التجاوب والدفع، أو هكذا تبدو الأمور، الأولى تعاني من وضع مأزوم في القطاع، دفعها للتفكير في “اختلاق” مواجهة مع “إسرائيل” لتنفيس غضب أهالي غزة، وهو حل انتحاري عكس مدى فداحة ما أصاب سلطة حماس في القطاع، وسط وضع إقليمي مضطرب على كل حلفائها الإقليميين، أما الثاني (عباس) فكان قاب قوسين أو أدنى من الإطاحة به لصالح دحلان بتوافق الأطراف الأكثر فاعلية على الساحة الإقليمية، والأقرب إلى واشنطن و”تل أبيب”.
ويشير التحول السريع لموقف مصر وحلفائها الخليجيين من دعم دحلان وإعادته للمشهد الفلسطيني على حساب عباس، إلى دعم الأخير وخلق حالة تقارب جديدة بينه وبين حماس إلى أن الهدف المرحلي المهم للقاهرة وحلفائها كان تحقيق التقارب بين فتح وحماس في الأساس، وليس إعادة إنعاش دحلان داخل المشهد الفلسطيني، ولعل دور دحلان الإقليمي يظل هو الأهم، من وجهة نظرهم.
5 أسباب
لكن لماذا تهتم مصر وحلفاؤها الخليجيون هذه المرة بتحقيق المصالحة والتقارب بين حماس وفتح بهذا الإصرار؟
يشير محللون إلى خمسة أسباب:
الأول: رغبة مصر في لعب دور محوري في ملف المصالحة الفلسطينية، كأحد أبرز وأهم الملفات الشائكة بالمنطقة، ما سينعكس بالإيجاب على سلطة السيسي ومكانته الإقليمية، في وقت يحتاج هو فيه لذلك، وبالفعل شرعت وسائل إعلام مصرية مقربة من السلطة في استثمار التحركات المصرية لتكريس هذا الأمر.
الثاني: رغبة الحلف المصري السعودي الإماراتي بإبعاد حماس عن الحلف القطري التركي، وهو مكسب إقليمي مهم لتلك الدول، وله مابعده، لصالح “إسرائيل” بالطبع.
الثالث: محاولة القاهرة كسب ود حماس، مقابل التزام الأخيرة بألا يشكل قطاع غزة نقطة تهديد أمنية لمصر في سيناء، وهو أمر أثبتت الحركة قدرتها على تحقيقه بنجاح كبير، ما دفع المصريين إلى المضي قدما في التقارب مع حماس على تلك الأسس.
الرابع: إعطاء شرعية أفضل لمحمود عباس للتحدث في المحافل الدولية، بعدما بات مسيطرا على الضفة الغربية وقطاع غزة مرة أخرى، ومن المعروف أن عدم اعتراف غزة بعباس كان يمثل شوكة في ظهره عند التحرك في تلك المحافل، حيث كانت “إسرائيل” تطعن في أهليته للحديث والتفاوض، في وقت لا يسيطر فيه على غزة، والتي تعتبرها “تل أبيب” الآن جزءا من المشكلة.
الخامس: وهو مترتب على الرابع، محاولة دفع حماس لمقاربة جديدة تتحول بموجبها إلى نسخة أخرى من السلطة الفلسطينية، أي تتخلى عن سلاحها وترسانتها العسكرية، مقابل امتيازات اقتصادية وسياسية، ومنحها مكانا مهما في الساحة الإقليمية.
«تسييس» حماس
ويظل السبب الخامس هدفا في حد ذاته للحلف المصري الخليجي، المتقارب مع “إسرائيل” على أسس جديدة أكثر حميمية، وترى “تل أبيب” في الأمر مكسبا شديد الأهمية، فإن نجحت القاهرة وحلفاؤها في تحييد حماس وإنهاء خطرها العسكري، فإن “تل أبيب” ستكون سعيدة للغاية، وستكون العقبة الوحيدة أمام أي اتفاق “تاريخي وأسطوري” لسلام “دافئ طويل المدى” يمهد لـ”شراكة استراتيجية” بين “إسرائيل” ودول عربية سنية كبرى، قد أزيلت بنجاح.
حماس تعلم جيدا هذا الأمر، وفي تقدير المحللين، ستواجهه بالتحايل تارة، وبالتسويف تارات، لهذا يتوقع عودة الصدام بينها وبين القاهرة قريبا، حيث لن يتحمل السيسي هذا التسويف، في ظل سعيه لأن يكون أول رئيس عربي يرسي اتفاقية سلام فلسطيني إسرائيلي تاريخية على غرار ما أرساه السادات بين القاهرة و”تل أبيب” أواخر السبعينيات، وهو طموح لا يصبر عليه السيسي، بدليل اندفاعاته في التعبير عنه أمام المحافل الدولية الكبرى.
من ناحيتها، وإن كانت حماس تريد وتتمنى التخلص من تبعات حصار غزة، والتي أحرجتها داخليا، وأن تنعش وضعها الإقليمي بعد تراجع قوة حلفائها القدامى، فإنها تعلم أيضا أن معظم قوتها المعنوية “الوجودية” مرتبطة بنشاطها العسكري وطبيعتها المقاومة للاحتلال، وبالتالي فإن الجهود العربية في هذا الاتجاه ستكون شديدة الصعوبة.
ورغم حاجتها للمناورة تجاه مصر من أجل محاولة إقناعها بتخفيف مظاهر الحصار على القطاع وعدم وضع عراقيل أمام المصالحة الفلسطينية، فإن المصالح الاستراتيجية تفرض على حركة حماس عدم التخلي عن علاقاتها الخاصة بكل من قطر وتركيا.
قطر وتركيا
وبحسب تقرير نشره مركز الجزيرة للدراسات، فإن هناك معلومات تؤكد أن قيادات بحماس في الخارج والضفة الغربية تحديدًا تتحفظ على أية تحركات إقليمية للحركة قد تؤثِّر سلبًا على علاقتها بكل من قطر وتركيا.
ويشير التقرير نفسه إلى أنه “إذا حاولت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالتعاون مع إسرائيل والمحور المصري – السعودي- الإماراتي- البحريني، دفع مشروع “التسوية الإقليمية” الذي يهدف إلى تطبيع العلاقات الإسرائيلية- العربية قبل حل الصراع مع الشعب الفلسطيني، فإن كل القوى الفلسطينية، وضمنها حركة فتح، ستكون في حاجة إلى إسناد قوى إقليمية أخرى وضمنها إيران وقطر وتركيا لمواجهة هذه المحاولة”.
اضف تعليقا