إذا قبل القطريون الشروط فلن يرحمهم محمد بن سلمان
إن المحاولات السعودية الأخيرة للتقارب مع قطر تثبت أن السياسات العدوانية والمتشددة يمكن أن تأتي بنتائج عكسية وتؤدي إلى نتائج غير مرجوة، فبعد حملة المقاطعة والعقوبات التي قادها ولي العهد السعودي على قطر، ثبت بالتجربة أنه فشل تماماً في تحقيق أي من أهداف تلك الحملة أو تغيير سياسية قطر أو إحداث بلبلة داخل المجتمع القطري للتحريض على إسقاط النظام في محاولة قد تخلصه من أمير قطر الشاب تميم بن حمد آل ثاني.
المستقبل
يعقد مجلس التعاون الخليجي الثلاثاء الجاري، قمته الأربعين، على أمل أن تحقق القمة هذه المرة نجاحاً لمحاولات الصلح بين البلدين، وهو ما يرتبط بشكل أو بآخر بمستقبل الخليج العربي، حتى وإن المستقبل لا يعتمد بصورة كلية على إعادة قطر إلى الصف.
ومع ذلك، فهناك أزمة أكبر تواجه مجلس التعاون الخليجي، أزمة مواجهة إيران، حيث تشير الدلائل أنه غير قادر على الوقوف أمامها أو التصدي لها، وهو الهدف الذي أدى إلى تكوينه في الأساس في بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
العدو داخلي
في بداية الحصار على قطر، شعر القطريون بالعزلة داخل الخليج، وواجهوا ضغوطات عدى، سرعان ما استطاعوا التغلب عليها بسبب السياسات المتبعة من قبل النظام، ليحاول الآن ولي العهد السعودي أن يمارس ضغوطات من نوع آخر لكي تنسى قطر العدوان الدبلوماسي والاقتصادي الذي شنته الرياض عليها، والذي كان مصحوباً بإهانات واتهامات تنال من سمعة الدولة.
منذ 2014، لم تدخر وسائل الإعلام السعودية أي جهد لتشويه قطر ومهاجمة أي تقارير صحفية قطرية اعتبرها النظام السعودي هدامة ومفبركة.
في المقابل، أدرك النظام السعودي أنه مع استمرار العداء مع قطر، سيزداد حجم الهجوم الإعلامي القطري عليها مع السعي لكشف فضائح وجرائم النظام السعودي دون تردد، كما حدث في حادث مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018، حيث لم تتوان قطر في نشر أي معلومة حول الحادث مع تكثيف التقارير المنشورة عنه، في الوقت الذي التزم فيه الاعلام السعودي الصمت.
الأزمة جعلت السعوديين يدركون أيضاً ضعف وسائل الإعلام الخاصة بهم في مواجهة تغطية قطر القوية للتفاصيل الدقيقة التي سربتها السلطات التركية، وكنتيجة لذلك، عقدت المملكة العربية السعودية تحت رعاية ولي العهد مؤتمراً إعلامياً في الرياض الصيف الماضي بهدف تحويل المدينة إلى عاصمة إعلامية في العالم العربي.
من ناحية أخرى، قادت وسائل الإعلام السعودية حملة وصف قطر بأنها عدواً للمملكة داخل مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هذا الوصف قد يتغير بالكلية إذا قبلت قطر أن يكون لها دوراً ثانوياً في المنطقة وأن تصبح مجرد تابع للمملكة، وتتبع كل ما تمليه عليها الرياض، وتخضع لسلطة الملك العجوز وابنه المتهور.
بذلت الرياض جهوداً عديدة للدفع بقطر إلى حافة الانهيار، إلا أنها جميعاً كانت جهوداً غير فعالة، تنم عن سوء تقدير الأمير السعودي عديم الخبرة، فربما تكون قطر بلد صغير حقاً، ذو عدد قليل من السكان، ولكن بإهانة أميره ووالدته وجميع القطريين، وتقويض أمن قطر من خلال العقوبات وفصل الناس عن أقاربهم عبر الحدود، أحرق محمد بن سلمان كل الجسور لجهود الصلح التي بُذلت من قبل الوسطاء، وخاصة جهود الكويت والولايات المتحدة الأمريكية.
نتائج عكسية
بفضل الثروة والجهود الدبلوماسية، تغلبت قطر بسرعة على عزلتها وشيدت جسور تواصل أخرى مع القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران، بينما واصلت اعتزازها بعلاقاتها الوثيقة مع عمان والكويت.
على صعيد آخر، قام محمد بن سلمان بتدمير العلاقات الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي، ودمر وحدتهم التي كانوا معروفون بها، تمامًا كما فعل مع أفراد عائلته، وخلق عدوًا في الخليج بدلاً من حليف، وكنتيجة لذلك، انجرفت قطر نحو البلدان التي يعرّفها السعوديون بأنها منافسين إقليميين.
الأهم من ذلك، فشلت الرياض في ضم الولايات المتحدة، وهي أقرب حلفائها، لصفها المعادي لقطر، حيث قاوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نبذ قطر بينما كان يحاول محاباة المملكة العربية السعودية واللعب على نقاط ضعفها، ليجد ولي العهد السعودي نفسه وقد وقف بمفرده في هذه المعركة، خصوصاً بعد فشله في إقناع شركائه المخلصين في الغرب بمعاقبة قطر.
لم يتمكن بن سلمان أيضاً من التغلب على منافسه ]قطر[ بالثروات لأن ثروة قطر أثبتت أهميتها بالنسبة لحلفائها الغربيين، والتي كانت سبباً في عدم قيامهم بمعاداتها، حيث لم يكن لدى أي شريك غربي لقطر حافز لشيطنة زعيمها وسياساته الداخلية والخارجية في العالم العربي.
يجب أن يعلم القطريون أن الأمير في الرياض لا يحترم الإمارة الصغيرة أو أهلها، ومع ذلك فقد حاول مد جسور من التقارب مع أمير قطر عن طريق الدعوة التي وجهها والده الملك سلمان إليه لحضور قمة الخليج الأربعين، إلا أن رد الأمير كان قوي وذو دلالات عدة، حيث أرسل رئيس وزرائه بدلاً منه لحضور القمة.
في سياق متصل، لم ينجرف الشعب السعودي بأكمله لسياسات الدولة لمعاداة قطر وشيطنة أميرها، بل نادى البعض بالمصالحة بين الدولتين الخليجيتين، ولم يكن مصيرهم سوى السجن مع وصفهم بالخونة أعداء الوطن،
في حين ظل الكثير من السعوديين بعيدين عن الدعاية الشيطانية لقطر ، فإن أولئك الذين يصلون من أجل المصالحة بين الدولتين الخليجيتين تعرضوا للسجن وأُطلق عليهم اسم الخونة في المملكة العربية السعودية.
نهج جديد
لكي تنجح المصالحة مع قطر، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى مقاربة جديدة لسياستها الخارجية، حيث يجب عليها أن تدرك أن دبلوماسيتها الحالية وعدوانها العسكري على الدول الأخرى، مثل اليمن، لن يتوجوها على رأس قيادة الشؤون العربية، فلا يمكن قيادة العالم العربي بالمؤامرات والمقاطعات والضربات العسكرية.
وصفت الرياض نفسها ذات مرة بأنها المظلة التي يمكن أن تحتوي كافة العرب، لقد كان هذا حلمها، إلا أنه لم يستمر طويلاً، ففي الوقت الذي سعت فيه الشعوب العربية نحو الحرية والديموقراطية، بذلت الرياض كافة جهودها وسخرت كافة أدواتها ومواردها لإحباط ثورات الربيع العربي التي بدأت في 2011.
لقد أصبحت السعودية قوة معادية للثورات، سعت إلى إبقاء المنطقة محكومة بالدكتاتوريات العسكرية والحكم الاستبدادي، بل عندما دعمت الانتفاضات، على سبيل المثال في سوريا، سعت إلى دفع المتمردين نحو الفوضى الطائفية والحرب الأهلية.
على النقيض من ذلك، أدركت قطر – أو على الأقل الإعلام القطر – أن حملة التغيير السياسي لا يمكن وقفها في المنطقة وقررت دعم القوى التي خرجت في الساحات والميادين العامة للمطالبة بالكرامة والحرية والعدالة.
انحياز للشعوب والثورات
فشل محمد بن سلمان في التعرف على مواطن ضعف نظامه في وقت وصل فيه السعي إلى الحرية في المنطقة إلى مستوى غير مسبوق، في الوقت ذاته، أدركت قطر أنها لا تستطيع إيقاف المد والجزر الحاصل في المنطقة، فلم يكن أمامها سوى دعم تلك الثورات والحركات الاحتجاجية رغم عدم وجود ما ينبئ بأن الشعب القطري قد ينزل للساحات مطالباً بإسقاط النظام، على عكس السعودية، التي شعرت بالتهديد مع اندلاع الاحتجاجات في جميع أنحاء المملكة عام 2011، والتي لم تكن لتخمد بدون حملة الاعتقالات القوية التي شنتها المملكة آنذاك، مع القمع وملايين الدولارات داخل وخارج المملكة لإحباط تلك المحاولات.
لهذا، رأت السعودية أنه كان يتعين معاقبة قطر لدعمها المجتمع المدني العربي في حركاته الديموقراطية، وتزويدهم بمنصة إعلامية وصلت إلى الملايين في المنطقة.
إذلال آخر
أصبح من المهم الآن في وجهة النظر السعودية، ليس فقط نبذ الأمير القطري ولكن أيضًا المطالبة بوضع حد للمنصات الإعلامية القطرية، التي لم تستطع السعودية صنع مثلها حتى الآن، لهذا تريد المملكة العربية السعودية تخليص المنطقة من صوت غير صوتها وتأسيس منصات خاصة بها تتحكم في وعي العرب.
دول الحصار قاموا بإعداد قائمة من 13 شرطاً للمصالحة مع قطر، أبرزها كان القضاء على منصات الإعلام القطري، وهو ما رفضته قطر وأكدت على تمسكها بهذا الرفض.
أرادت الرياض أيضاً أن تنهي قطر دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، متناسين أن المنفيين من الحركة لعبوا دورًا مهمًا للغاية في مساعدة الرياض على التواصل مع المسلمين في جميع أنحاء العالم.
وضعت الرياض كل بيضها في سلال الدكتاتوريات العسكرية مثل مصر، في حين تنوعت قطر وراهنت على عدة خيول في المنطقة.
يواجه القطريون الآن تحديًا حقيقيًا لأنهم يقررون إما قبول التقارب في الرياض أو رفض عرض متأخّر لإعادتهم إلى الصف، فإذا إذا قبل القطريون شروط عبودية الرياض الجديدة، فيجب عليهم إعداد أنفسهم لإهانة أخرى على يد الأمير في الرياض.
وإذا لم يقبلوا، فسوف ينقذون أنفسهم من مواجهة مستقبلية بشأن سياستهم الخارجية القائمة على مصلحتهم الوطنية بدلاً من مصالح المملكة العربية السعودية.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا