ترجمة العدسة عن موقع “ميدل إيست آي”

نشرت الكاتبة والباحثة السعودية مضاوي الرشيد مقالاً على موقع “ميدل إيست آي”، هو الأول من ثلاثة أجزاء، تسلط فيهم الضوء على مصير ومستقبل السعودية بعد الملك سلمان، محذرة من مستقبل مظلم بدأت بوادره القاتمة تظهر من الآن، خاصة وأنه عبارة عن مفارقة بُنيت على تناقض واضح بين السياسات الإصلاحية التي يتم تنفيذها بسياسات قمعية.

ورأت “مضاوي الرشيد” أن أبرز مثال على ذلك التناقض هو ما تم ممارسته ضد أبناء الشعب السعودي، وكذلك على عدد كبير من الأمراء أصحاب النفوذ، والذين تعرضوا لعدد من حملات الاعتقال أبرزها وأكبرها حملة 2018 التي احتجزوا بعدها في فندق ريتز-كارلتون”.

منزل ملكي محطم

وقالت الكاتبة أن الملك سلمان سيغادر تاركاً البيت الملكي مُحطّمًا دون إصلاح، نتيجة السياسات التي يتبعها نجله “المستبد” الأمير محمد، حيث اعتمد الأساليب الأكثر إهانة مع إحاكة مؤامرات ضد منافسيه ومؤيديهم، وهي سياسة قد تطارده في المستقبل إذا حصل على العرش بعد اختفاء والده من المشهد.

وأشارت أنه قبل عهد الملك سلمان، اعتبر العديد من المراقبين أن الحكام السعوديين لديهم شرعية يُمنحوا إياها بصورة طبيعية وتقليدية، مدعومة بعقد اجتماعي فعال بين الأمراء ]أفراد العائلة المالكة[ والشعب، موضحة أنه على مدار عقود، استفاد الشعب والعائلة المالكة من النفط المدعم النقي، وخدمات الرعاية الاجتماعية التي أولتها المملكة اهتماماً كبيراً.

ولفتت “الرشيد” أن المملكة كانت تعتبر فريدة من نوعها لأن آل سعود الحاكم فيها حافظوا على تقاليد التوافق بين أقوى عشائرها وأمراءها، حيث حافظ البيت الحاكم على التماسك -نسبياً- والاتفاق على ضرورة الحفاظ على هذا النظام الاجتماعي والسياسي، ليمتد هذا النهج عبر أجيال من النسل الملكي.

إلا أنه وبعد ظهور محمد بن سلمان في المشهد، تغيرت الأمور -بحسب مضاوي الرشيد-، فبالإضافة إلى معاداة الأعضاء المؤثرين في البيت الملكي، يبدو أن مملكة سلمان قد نفرت أيضًا حلفائها الاجتماعيين التقليديين – أي المجموعات الدينية التي كانت دائماً تدعم القيادة بالإضافة إلى الجماعات شبه المستقلة التي تأرجحت تاريخاً بين الرضوخ والمعارضة، حيث ترفض هذه الجماعات الآن بشدة جميع سياساته، ليتم اقصاء المتمردين منهم، أو سجنهم، والباقون فروا خارج البلاد بحثاً عن ملاذ آمن.

فن صناعة الأعداء

في مقالها ذكرت مضاوي الرشيد أن سياسات محمد بن سلمان تفننت في خلق أعداء جدد له، لم يكن في الحسبان أن يصبحوا أبداً أعداءً للنظام، حيث قالت إن المجموعات القبلية التي أبدت ولاءها للملك وسارعت دائمًا لتقديم يمين الولاء لم تفلت من بطشه، بل تم إذلالها أيضاً، وكثيراً ما يتعرضون للعنف الذي يهدد حياتهم وممتلكاتهم.

مع بداية عهد الملك سلمان تغيرت معاملة النظام للقبائل، فمن قبيلة الحويطات في الشمال إلى قبيلة عتيبة في الوسط، يتم تجاهل شيوخ القبائل وأفرادها أو استبعادهم تمامًا كأنهم بقايا من ماض بعيد.

وبينت “مضاوي” أن قادة وشيوخ هذه القبائل أصبحوا مجرد “ديكور” يكمل المشهد، بعد أن أخضعهم الملك وابنه وإسكاتهما، ولا أحد يعرف إلى متى سيبقى هؤلاء صامتون بشأن تهميشهم وإذلالهم التام.

وأضافت مضاوي الرشيد أن “مملكة سلمان وعدت سلمان برعاية المواطن الشاب الجديد وتحريره من بقايا الماضي “القبلي”، إلا أنه في الواقع من يتم رعايتهم وحمايتهم هم حاشية محمد بن سلمان، الذين يدعون أنهم أبرز دعاة التوجه الإصلاحي والتجديد، وعلى أسهم مستشاره المحنك وذراعه الأيمن -سعود القحطاني.

وتابعت أنه “عندما يتعلق الأمر بالقضاء على الصحفيين المزعجين في الخارج مثل جمال خاشقجي -المغدور- أو تهديد أولئك الذين بقوا في المملكة، فإن هؤلاء الدعاة يتحولون إلى قتلة يطيعون الأوامر دون جدال”.

مستقبل مظلم

بالحديث عن التناقض الواضح في السياسات مرة أخرى، لفتت “مضاوي” إلى تعامل مملكة سلمان مع المرأة، ففي حين أنها تواصلت مع النساء ووعدت بتمكينهم، تم سجن أولئك الذين يطمحون إلى التحرر الحقيقي، والذين لطالموا دعوا بتحرير المرأة وإعطاءها كافة حقوقها والسماح لهن بالقيادة وتولي مناصب عالية – وهي دعوات من المفترض أنها تتفق مع رؤية ابن سلمان، إلا أنه يبدو أن ولي العهد لا يستطيع تنفيذ سياسة واحدة دون أن يناقض نفسه.

وأوضحت “مضاوي الرشيد” أن حقوق المرأة في نظر النظام لا يجب أن تتعدى “قيادة السيارات أو كرة القدم”، وفي حال طالبوا بالمزيد أو تمكينهم بالمعنى الحقيقي كأي دولة ديموقراطية أخرى، يصبحن خطر على الأمن القومي، ويطالبون بمسار يصعب على النظام سلكه.

سلطت مضاوي الرشيد الضوء كذلك على عمليات هجرة الشباب خارج الوطن ]السعودية[ بفضل سياسات ابن سلمان القمعية، قائلة بأن الشباب ثروة كبيرة للبلاد ومستقبلها، يتم إهدارها من قبل ابن سلمان، حيث يتم التضييق عليهم حتى يفروا خارج البلاد طالبين اللجوء في بلدان أخرى، أو الأسوأ من ذلك، سجنهم في سجون المملكة الصحراوية.

وأضافت “لم تكن دور السينما والسيرك كافية لشراء ولاء هؤلاء الشباب”.

وحذرت الكاتبة من المصير التي ستؤول إليه المملكة في المستقبل -القريب-، حيث قالت إن الملك سلمان سيغادر المملكة التي تركها لابنه بالفعل يشكل صورتها حسب رؤيته، التي وعد بأن عهده سيكون بداية عهد جديد من الانفتاح والازدهار والتنوع الاقتصادي وفرص وافرة للاستثمار والسياحة.

وتابعت بأن الأمر متروك الآن لابنه ]محمد بن سلمان[ لترويج هذه الرواية، ليس فقط عن المملكة الجديدة ولكن – قبل كل شيء – عن نفسه، كوريث العرش، حيث خلطت تمثيلات ولي العهد الشاب التقييم الجاد لما يحدث بحملات دعاية العلاقات العامة التي أنفق عليها الملايين، والتلاعب بالمعرفة عن الدولة – كل ذلك تم تصميمه من قبل مساعديه وأباطرة وسائل الإعلام، وتقبلته وسائل الإعلام الخارجية.

واختتمت “مضاوي الرشيد” مقالها قائلة إن “مملكة سلمان” تمثل الآن شكلاً متطرفًا من الاستقطاب الاجتماعي، حيث لا تستفيد سوى مجموعة صغيرة من السخاء الملكي، وفي المقابل، تفنن هذا النظام الملكي في خلق عوامل مثيرة للانقسام يعجل بالانشقاقات والعداء، على حساب الوحدة.

وأكدت أنه مع انخفاض عائدات النفط، وسياسات إسكات الأصوات المعارضة المحتملة والتهديدات المستمرة من المخاطر العالمية مثل وباء كوفيد-١٩، فإن مستقبل مملكة سلمان لم يكن بهذه القتامة من قبل، مشككة أن يكون ولي العهد قادرًا على تصحيح المسار واثبات كفاءته بعد وفاة والده.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ أيضًا:  العفو الدولية: كرة القدم لن تغسل سمعة السعودية الملطخة بالدماء