في ظل عدم وجود رحلات جوية مباشرة بين الكيان الصهيوني وعدد كبير من الدول العربية، بات مطار الملكة علياء بالأردن هو “المحلل” والمنفذ الوحيد للمرور من وإلى تل أبيب أو رام الله.

ويعتبر مطار الملكة علياء شريانا أساسيا لمرور اليهود إلى تل أبيب فضلا عن راغبي السفر إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن ما يثير علامات الاستفهام هو سياسات المطار الازدواجية بين بعض الجنسيات العربية وتمييز الإسرائيليين.

ولا يمكن استبعاد أن يكون المطار الذي يشهد زخما يتعلق بالمسافرين الذين يتوجهون إلى تل أبيب محور نشاط لجهاز “الموساد” الإسرائيلي وغيره من أجهزة الأمن الإسرائيلية من باب تأمين هؤلاء الركاب.

كما أن هذا المطار يعتبر “بوابة” أساسية نحو التطبيع في وقت لم يكن الحديث عن هذا الأمر واردا لدى الدول العربية والإسلامية، ويسهل دخول وخروج الإسرائيليين إلى دول الشرق الأوسط، ربما يكون بعضهم “جواسيس”.

مقبرة شاب يمني

في أواخر الشهر الماضي، مثلت واقعة تعامل سلطات مطار الملكة علياء مع مواطن يمني صدمة كبيرة للشعوب العربية، خاصة أنها تظهر ازدواجية شديدة في التعامل مع وقائع الإسرائيليين.

“مؤيد علي عثمان” كان هذا اسم الشاب اليمني الذي كان يتوجه من اليمن إلى الهند عبر طيران الاتحاد الإماراتي، ولكن شاءت الأقدار أن يمر على مطار الملكة علياء ترانزيت لمدة ساعتين.

وقررت سلطات المطار حجز جواز سفره والمرافق له، والتخلص من علاجه بدعوى أنه علاج فيروسي، ورفضت رحيله على متن رحلته إلى الهند، وبعد مرور نحو 6 ساعات رفضوا رحيله في الرحلة التالية.

لم يكن يعلم المرافق ماذا تريد سلطات المطار؟ ولكن التخوفات كانت من مرض الكوليرا، من دون اتخاذ إجراء منذ وصوله إلى المطار، بما يضع علامات الاستفهام حيال هذا التعامل غير المبرر.

ومع كل محاولة من المرافق للسماح لهما بالرحيل إلى الهند كانت الإجابة الرفض، ليطلب في النهاية العودة إلى اليمن دون تحرك فعلي من سلطات المطار حيال هذا الأمر.

وما كان من الشاب اليمني إلا الموت على بلاط صالة المطار بعد تراجع حالته الصحية وعدم وجود العلاج الخاص به الذي تم التخلص منه في القمامة، وبمجرد نقله إلى أحد المستشفيات توفي في الحال.

ولكن الغريب أن سلطات المطار لم تتخذ الإجراءات المتبعة في هذه الحالات، بوضع المريض في الحجر الصحي إذا كان يعاني من وباء أو مرض معد، ولكنهم حتى لم يفعلوا ذلك حرصا على حياة المريض.

تمييز الإسرائيليين

عملية تمييز سلطات مطار الملكة علياء للإسرائيليين كانت واضحة تماما في أكثر من واقعة، بما يكشف حجم الازدواجية في واقعة الشاب اليمني.

أولا: رقص تلمودي:

في مارس 2015، تفاجأ الجميع في مطار الملكة علياء، بعدد من اليهود يؤدون رقصة في قلب صالة المطار، وهو ما أثار غضب الأردنيين وكان محل انتقادات واسعة في البلدان العربية.

صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية، تطرقت إلى الواقعة بالقول إن مجموعة من يهود “هاداسا” الإسرائيليين مارسوا طقوس الرقص التلمودي بمطار الملكة علياء الدولي بعمان أثناء انتظارهم لطائرتهم يوم 22 مارس 2015، والرقصة كان يصحبها عزف على الجيتار وبعض الغناء.

ولكن الغريب أن سلطات المطار لم تتدخل لوقف هذه الرقصة، وهو ما دفع بعض النواب الأردنيين إلى الاحتجاج على هذا التصرف.

اليهود في مطار الأردن

وكان الأغرب هو رد وزير الداخلية الأردني حسين المجالي حينها، وقال إن الرقصة الإسرائيلية في مطار الملكة علياء الدولي لم تتجاوز خمس دقائق، وتعامل أمن المطار على الفور مع الراقصين الإسرائيليين وأخذهم إلى الطائرة التي كانوا ينتظرونها، فلا داعي لكل هذا القلق.

حديث المجالي يثبت عدم تدخل الأمن الأردني لوقف هذه الرقصة، إذ قال إنها لم تتجاوز 5 دقائق، وهو ما يتناقض مع التدخل الفوري.

ثانيا: اليهود اليمنيون:

وبعيدا عن الرقص اليهودي في المطار، فإن الأردن كانت على موعد مع واقعة أثارت علامات الاستفهام، وفي حين وضعت الأردن قيودا على دخول اليمنيين أراضيها منذ ديسمبر 2015، إلا أنها سمحت بمرور يهود يمنيين عبر مطار الملكة علياء إلى إسرائيل.

وبلغ عدد اليهود اليمنيين الذين خرجوا من العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيين، 17 فردا، وتم الأمر بتنسيق سري مع مسؤولين هناك بوساطة دولة أمريكية وأطراف سرية، ولا يستبعد أن تكون هذه الأطراف أجهزة أمنية إسرائيلية.

وجرى نقل هؤلاء اليهود عبر مطار الملكة علياءإلى إسرائيل بشكل سري، وما كان ليعلم أحد تفاصيل هذه الواقعة لولا ظهور نتانياهو بجوار اليمنيين خلال استقبالهم بعد الوصول إلى إسرائيل.

عدم الإعلان من قبل السلطات الأردنية لهذه العملية يكشف وجود تنسيق مسبق مع الجهات الأمنية لتسهيل عملية المرور.

بوابة الموساد

الغريب أن المطار ارتبط اسمه برجال الموساد الإسرائيلي ومحور تحركات الجهاز، خاصة مع سفر حارس أمن السفارة بعمان الذي طعن أردنيين خلال شهر يوليو الماضي.

وبينما كانت الأنباء الصادرة من الأردن تتحدث عن استجواب واحتجاز فرد الأمن بالسفارة، إلا أن الجميع تفاجأ بوجوده بجوار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تل أبيب، بما يعني سماح السلطات الأردنية بفراره قبل استكمال التحقيقات.

مائير داغان

مائير داغان

وتخرج التبريرات بأنه تعرض للاستجواب قبل المغادرة في محاولة لتهدئة الشارع الأردني، إلا أنه تكشف وصول مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى إلى عمان، بما يعني وجود صفقة عقدت بين الجانبين.

ولا يستبعد أن يكون المسؤول الأمني من الموساد الإسرائيلي لحل الأزمة والتوصل لاتفاق، ما يعزز هذا الأمر هو الأخبار التي انتشرت عن عملية اغتيال رئيس جهاز الموساد مائير داغان خلال تواجده بعمان عام 2008.

وعلى الرغم من نفي مصادر إسرائيلية والسلطات الأردنية الخبر، إلا أن جميعها لم تنف وجود داغان في الأردن بالأساس.

ولكن الأنباء التي خرجت حينها كانت تتحدث عن انتقال رئيس الموساد من فيلا ملكية تقع على مقربة من المنتزه الوطني إلى مقر الملك عبد الله بن الحسين لإجراء محادثات سرية معه.

وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن لجهاز الموساد أذرعا في الأردن وهو ما ظهر خلال محاولة اغتيال خالد مشعل القيادي بحركة حماس بعمان عام 1997، رغم وجود اتفاق سلام بين الأردن وإسرائيل.

قاطرة التطبيع

ويعتبر مطار الملكة علياء هو بوابة التطبيع مع الكيان الصهيوني، فكل المعاملات الجوية والسفر إلى هناك تتم عبر المطار، بما يسهل من عملية التطبيع وسفر رجال أعمال ومسؤولين رسميين سرا إلى إسرائيل أو العكس.

ولعل أبرز خطوات التطبيع التي اتخذتها دول عربية كانت السعودية، خلال الموافقة على سفر اللواء المتقاعد أنور عشقي إلى إسرائيل خلال الفترة الماضية، ودفاعه عن الكيان الصهيوني، وبالتأكيد سافر إلى إسرائيل عبر مطار الملكة علياء.

اللواء السعودي أنور عشقي

اللواء السعودي أنور عشقي

ولم تقدم السعودية حتى الآن على تسيير رحلات جوية مباشرة مع إسرائيل، على الرغم من خروج طائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الرياض باتجاه تل أبيب مباشرة، وهذه هى أول رحلة مباشرة بين الجهتين.

وباتت السعودية جزءا من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، بعد تنازل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن جزيرتي “تيران وصنافير” لها، وبالتالي فإن هناك أحاديث كثيرة عن لقاءات سرية تمت بين مسؤولين في البلدين للتنسيق الأمني.