كتبه – رباب سعفان
مَطْمَاطَة منطقةُ في الجنوب الشرقي التونسي، اسمها الأمازيغي “أَثْوَبْ” وتعني أرض السعادة والهناء، وقيل إنّها سُمِّيت مدينة مطماطة نسبةً إلى قبيلة أمازيغية قديمة- حيث يعتبر هذا المكان أكبر تجمع لساكني الكهوف- التى لم تستطع الوقوف أمام جحافل بني هلال، ولم تستطع التأقلم معهم، فهاجر أهلها إلى هذه المنطقة الوَعِرة، وحفروا بيوتهم في باطنها حتى لا يراهم أحد، وحتى يتأقلموا مع المناخ، فباطنُ هذه الحفر كان دومًا رطبًا في الصيف، ودافئًا في الشتاء.
لم يُعْرَف التاريخ الحقيقي لهذا المكان فكلّ ما ورد عنه جاء عبر القصص الخرافية التي تناقلتها الأجيال المتعاقبة، إلا أنها ظلت مختبئة لقرون عديدة محسوبة على المناطق العدوانية، ولكن بعض المعلومات وردت عنها حديثًا تذكر أنها مجموعات من العائلات القابسية التي فرّت أثناء قصف الحلفاء لمدينة قابس التابعة للنازيين، وفرت أثناء ذلك العديد من العائلات القابسية لتلجأ إلى المساكن التقليدية في مطماطة؛ حيث كانت مطماطة معقلًا لِمَن حملوا السلاح ضد الاستعمار الفرنسي تحت قيادة محمد الدغباجي، إلى أن تَمَّ الاستقلال في عام 1956… وهنا أعلنت الحكومة سعيها لنقل سكان الجبال إلى المدن الجديدة الواقعة على هضبة مثل مطماطة الجديدة والزراوة الجديدة وبني عيسى الجديدة، إلا أنَّ غالبية السكان رفضوا ذلك الاقتراح وفضّلوا الاحتفاظ بمنازلهم بالقرب من حدائقهم التي تطفو في الجبال.
ولعلَّ ما يمكن أن يوصف به النموذج الهيكلي لمباني تلك القرية هو البناء من خلال حفر حفرة كبيرة داخل الأرض وعلى حواف تلك الحفرة تنحت الكهوف لتستخدم كغرف يربط فيما بينها خندق أو ممر تحت الأرض يسمى “السقيفة”.
وأكثر ما يُميّز بيوت قرية مطماطة التونسية عن غيرها من بيوت القرى في البلدان العربية الأخرى هو أن جميع بيوتها محفورة في الأرض فعند الوصول إليها لا تواجهك إلا التلال الجرداء التي تشبه تضاريس وجه القمر.
والغريب أن كل محتويات هذه القرية لا يوجد إلا في تلك الحفر الغائرة تحت الأرض، فالقرية بأكملها تعيش داخل تلك الصخور الرملية، وكل منزل هو عبارة عن حفرة ساحتها الرئيسية مُزَيّنة بالرسوم وتحيطها حفر أخرى هى باقي مكونات المنزل من غرف إضافية.
ومن أبرز معالم مدينة مطماطة “قلعة قصر جمعة الشامخة” التي تتوسط المدينة الغائرة، وقد وجد السكان الأصليون للمدينة ضالتهم في تلك الحفر التي اعتبروها الحصن الذي يحميهم من هؤلاء المعتدين.
ولم يكتفِ السكان بنحت تلك الكهوف بغرض السكن فقط، بل خصصوا فيها أماكن أخرى لتخزين الحبوب وربطوا بين غرفهم تلك بالممرات التي كانت أماكن تجتمع فيها العائلة، اعتمدوا فيها أحيانا الإنفاق أو أحيانًا أخرى السلالم للوصول إلى تلك الغرف والتي تَمَّ تصميمها بإمكانية إزالتها عن الشعور بأي خطر.
وتجتذب هذه البيوت الأنظار وخاصة السياح، لذلك تحوّلت بعضها إلى فنادق متميزة وفريدة من نوعها فجدرانها الداخلية مطلية باللون الأبيض إضافة إلى تميزها بكونها رطبة تشعر من يحتمي بها بالبرودة الخفيفة في فصل الصيف المعروف بشمسه الحارقة في تلك الصحراء القاحلة.
ولعلَّ ما أعطي شهرة لهذه المنازل هو تصوير سلسلة أفلام حرب النجوم الذي صوّر في بيوتها الغريبة عام 1970, وظهرت بيوتها على الشاشة كأنها من قارة أو كوكب مختلف؛ حيث كانت بيوت تلك المدينة موقع منزل عائلة لارس: لوك سكايوالكر، وعمته بيرو لارس وعمه أوين لارس.
واختير فندق سيدي إدريس ليكون منزل عائلة لارس، الذي يوفّر منازل حفرية تقليدية أمازيغية، مما يؤكّد انفراد المكان بطبيعته.
ويعتمد سكان تلك القرى في اقتصادهم على الفلاحة إلى جانب السياحة التى ارتبطت بها بعض المهن الأخرى حيث بيع بعض المنتجات الصناعية التقليدية.
وقد اعتاد أهالي القرية على تطفل الغرباء من السائحين واتخذوا من ذلك مصدر رزق لهم، فاستغلوا غزوات السياح اليومية ووقوفهم عند حافة الحفر، يصورون خصوصياتهم وتفاصيل حياتهم، إلا أن الكثيرين منهم لم يحتمل هذا التطفل وغادر هذه الحفر إلى بيوت الإسمنتية في مطماطة الجديدة، ولكن بقي منهم حوالي خمسمائة عائلة تعيش تحت الأرض، بعدما اعتادوا المناخ لبقائه رطبًا صيفًا ودافئًا في الشتاء.
ولعلَّ تنامي القطاع السياحي- خاصة في إطار تحريك المنطقة اقتصاديًا وسياحيًا بعد إنجاز مطار غرب مطماطة الجديدة طريق الحامة- أصبح يهدد مهنة الفلاحة مع تنامي الجفاف هناك.
وتشتهر تونس بإنتاجها الكبير لزيت الزيتون، لذلك يبحث الرجال هناك عن العمل في شمال القرية كل ربيع، مع بداية موسم الزيتون وبعد انتهائه يعودون إلى منازلهم في الخريف نهاية الموسم ويعكس ذلك مدى صعوبة طرق العيش هناك.
اضف تعليقا