لم يكد يمر شهر إلا ويشهد الأردن مظاهرات، ساخطة للباحثين عن العمل، ما دفع بالعاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين، لدعوة رجال الأعمال، إلى إيجاد فرص عمل لمنع المظاهرات المرتقبة التي بدأت تظهر ملامحها، نتيجة فشل سياسات حكومة عمر الرزاز في إيجاد حلول يمكن أن تهدئ من غضب المتعطلين عن العمل.

وحسب التقارير الدولية فإن الشباب الأردني الذي لم يترك الشارع طوال العامين الماضيين، أصبح على حافة الهاوية، ولم تعد تصلح معه المسكنات التي تقدمها الحكومات المتعاقبة، وهو ما يمثل قلقا كبيرا للعاهل الأردني، الذي نجح حتى الآن في ألا تخرج المظاهرات عن السيطرة، في ظل التوتر الذي تشهده المنطقة العربية من مظاهرات وتوترات، بدأت في الانتقال من عاصمة لأخرى.

تحذير دولي

ويرى المحللون أن ما كشفه البنك الدولي، قبل أسابيع عن تزايد نسب البطالة، بين الشباب الأردني، وغياب الحلول الناجحة من الحكومة، يدفع الشباب الأردني نحو الهاوية، خاصة وأن أكثر من ثلث الشباب الأردني، ليسوا مشغولين في التعليم أو التوظيف الحكومي أو حتى التدريب المهني، وحتى الشباب الذين لديهم وظائف فهم غير راضين عن الأعمال التي يقومون بها نتيجة تردي الرواتب مقابل ارتفاع تكاليف المعيشة.

ويشير المحللون إلى أن التقرير الدولي، كان واضحا في تشريح الواقع الذي يعيشه الشباب الأردني، عندما أشار إلى أن تطلعات الشباب في الأردن ما تزال لا تُعالج على نحو ملائم، خاصة وأن التكلفة الاقتصادیة للبطالة، أصبحت كبيرة للغاية، وبات استيعاب الشباب في العمل يحتاج لأكثر من أضعاف الرقم الذي حددته الدراسات التي أجريت عام 2008، وهي 5.1 مليار دولار، بما يوازي 7 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، أثناء إجراء هذه الدراسة، وهو ما يعني أن الرقم يمكن أن يصل لثلاثة أضعاف هذا الرقم نتيجة الأوضاع العالمية والركود الذي يشل مختلف دول العالم.

إلا أن أبرز ما اعتمد عليه المحللين في توصيف حال الشباب الأردني، هو أنهم يفتقرون لمنصات التعبیر عن مخاوفهم وآرائهم، ما يمكن أن يؤدي لمزيد من الإحباط لدى الشباب.

وبالعودة لتقرير البنك الدولي، فإن الشباب في الأردن أصبح أكثر تأثرا بالتباطؤ الاقتصادي، وهو ما تكشفه ارتفاع معدلات البطالة وتجاوزها 30 %.

إلا أن الملفت للنظر وفق المتابعين هو تضارب نسب الفقر في الأردن، حيث تشير الأرقام الرسمية إلى أن نسبة الفقر الثابت تصل لـ 14%، بينما تصل نسبة الفقراء العابرون لأكثر من ثلث السكان على الأقل، والمعني بهؤلاء الفقراء، هم الذين يتنقلون من وإلى الفقر في وقت معين في السنة.

قائمة الانتظار

وحسب تحليلات أخرى فإن معاناة الشباب الأردني، لا تقتصر على معاناة البحث عن فرصة عمل، حيث تشير تقارير دائرة الإحصاءات العامة أن معدل البطالة بلغ خلال الربع الرابع من عام 2018 (18.7%) بارتفاع مقداره 0.2 نقطة مئوية عن الربع الرابع من عام 2017. وبلغ معدل البطالة للذكور خلال نفس الفترة (16.9%) مقابل (25.7%) للإناث.

ووفق توصيف الخبراء الاقتصاديين بالأردن، فإن أزمة البطالة هي مشكلة اقتصادية، خاصة وأن الاقتصاد الأردني لا ينمو بالشكل الذي يوفر فرص عمل، في ظل اعتماده على تعظيم القطاعات الاقتصادية كثيفة رأس المال والتكنولوجيا، التي لا تهتم بتوفير فرص عمل أو تقوم على الأيدي العاملة.

ويشير الرأي السابق، لأزمة أخرى يواجهها الشباب الأردني وهي أن التخصصات التي يدرسها الشباب في الجامعات لا تلقى هوى سواء من قبل القطاع الخاص الذي يبحث عن موظفين يمتلكون قدرات ومهارات مختلفة، أو لدى القطاع العام المشبع الذي لا يجد فرص عمل لهذه التخصصات.

ويؤكد أصحاب الرأي السابق كذلك إلى أن أزمة البطالة والتوظيف رغم خطورتها، إلا أنها ليست أعلى سلم الاهتمام الحكومي، وهو ما يترجم غياب السياسات والقوانين والأنظمة التي تعمل لتقليل نسب البطالة، وليس القضاء عليها.

صناعة حكومية

ويرى آخرون أن الاحتجاجات التي تشهدها الأردن خلال العاميين الماضيين، للمتعطلين عن العمل في مختلف محافظات المملكة، بدأت ككرة الثلج ولا يعلم أحد إلى أين يمكن أن تصل، خاصة وأن التبريرات غير الدقيقة التي يريدها المسئولين، بأن الشباب لا يرغبون بالعمل في القطاع الخاص، ويريدون العمل في القطاع العام فقط، وبالتالي تحميل المشكلة للمتعطلين أنفسهم، أمر يجانب الحقيقة، ويزيد من تفاقم الأزمة.

ووفقا لهذا الرأي فإن السياسات الحكومية المتعاقبة هي من صنعت البطالة، عندما أضعفت القطاعات الإنتاجية كثيفة التشغيل واتجهت نحو التوسع في اتفاقيات “التجارة الحرة” و”الشراكة” غير العادلة، ما أدى إلى التوسع في القطاعات التجارية ضعيفة التشغيل، وهو ما أسهم في إضعاف قدرات الاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل جديدة، بالإضافة لتخلي وزارة العمل عن رؤيتها ورسالتها ومهامها الأساسية في الحفاظ على توازنات سوق العمل، وحماية مصالح العاملين وأصحاب الأعمال على حد سواء، وضمان تطبيق معايير العمل اللائقة. وأصبحت منحازة لمصالح بعض أصحاب الأعمال، ما جعل الانتهاكات العمالية تنتشر على نطاق واسع في القطاع الخاص، بحيث أصبحت طاردة وغير مجدية اقتصاديا للشباب.

التهرب من الفقر

ويرى المختصون بالشأن الأردني إلى أن الحكومات الأردنية المتعاقبة، تتهرب من الإعلان عن نسب الفقر الحقيقية في البلاد، مشككين في نية رئيس الوزراء الحالي عمر الرزاز، والذي قال قبل أيام في مجلس النواب، أن التقرير الرسمي عن معدلات الفقر سوف يصدر خلال عدة أسابيع، مصحوبا بالدراسات، والخطط، والاستراتيجيات، لعلاج هذه المشكلة.

ويشير آخر معدل للفقر في الأردن تم الإعلان عنه في 2010، أن نسبة الفقر تصل إلى 14.4%، كما حدد التقرير 32 منطقة في المملكة كجيوب للفقر.

ويستدل المشككون في نية الرزاز بالإعلان عن معدلات الفقر الحالية، بما قام به رئيس الحكومة السابق عبد الله النسور، الذي أجرت حكومته بالفعل مسحا خلال الفترة من 2013/2014، ولكنها تراجعت عن إعلان النتائج النهائية للمسح، وبررت ذلك بحدوث تغيرات ديمغرافية طرأت على المملكة، ما أدى لعدم دقة الأرقام ونتائج المسح، لتظل نتائج 2010 هي المعتمدة لدى الحكومة.

سياسات مقلقة

وتشير العديد من التحليلات، إلى أن الحكومة الأردنية، تستفز الشباب بعدة إجراءات يمكن أن تشعل الشارع مرة أخرى، منها ما أعلنه وزير الاتصالات، مثنى الغرايبة، قبل عدة أيام، عن توجه الحكومة لتعيين خبراء أمن معلومات، برواتب عالية، مؤكدا أن وزارته بحاجة لتوظيف عدد كبير من موظفي أمن المعلومات، وأرجع طلبه بأن خبراء أمن المعلومات، عددهم قليل في الأردن، وبالتالي يتقاضون رواتب عالية، وهي التصريحات التي دفعت برئيس لجنة الاتصالات بمجلس النواب الأردني، إلى مواجهة الوزير بأن الأردنيين يريدون عدلا ونزاهة في التعيينات، ولا تُزعجهم الرواتب العالية، إذا كانت ضمن هذه المعايير.

وحسب رصد المحللون، فإن العد التنازلي لتحصيل الضرائب، سوف يكون سببا في أزمة مقبلة، ووفقا للنظام الضريبي المتبع في الأردن، فإن الحكومة أرسلت لديوان التشريع الفوترة الجديدة، لحصر الدخول، والحد من التهرب الضريبي، وهو ما يعني أن الأردنيين أصبحوا في انتظار، ما سيخرج عن العقلية الحكومة من طرق جباية جديدة، تساعد في تأزم أزمتهم الاقتصادية التي يعانون منها.

حلول مقترحة

ويرى الخبراء في الاقتصاد الأردني، أنه يجب على جميع أجهزة الدولة أن تسرع في إيجاد السياسات التي يمكن من خلالها مواجهة مشكلة البطالة، ومن هذه السياسات، وجود استثمار حقيقي، شرط إزالة جميع المعوقات التي تحول من الاستثمار في الأردن، باعتبار أن المعضلة الأساسية ليست في دعوة المستثمرين الأجانب والعرب لإغراق البلاد في الدولارات، وإنما جوهر المسألة هو تنظيف بيئة الاستثمار من أباطرة الفساد والرشاوى، وإحكام القوانين لمواجهة الفاسدين.

وتشير روشتة الإصلاح إلى أهمية ضبط عملية الاستثمار وتشجيعه، وأن يكون تحت رعاية الديوان الملكي المباشر، من خلال التنسيق والتخطيط، بين الديوان الملكي وبين الوزارات المعنية بالاستثمار، بدءا من وزارة التخطيط، ومرورا بهيئة الاستثمار، باعتبار أن الاستثمار يحتاج لتضافر كل هذه الجهود، حتى تكون البيئة الاستثمارية صالحة للمستثمر المحلي أولاً، ثم المستثمر الأجنبي، وبشروط ميسرة وسهلة بعيدة عن المعيقات وترهلات المسؤولين والإجراءات التعقيدية.