العدسة – جلال إدريس
ماذا يجري في السودان؟ سؤال يطرح نفسه مع تسارع الأحداث في البلاد بشكل كبير، حيث تشهد العاصمة السودانية الخرطوم، ومناطق أخرى متفرقة بالبلاد مظاهرات غضب حاشدة، ترفع في أغلبها شعارات ضد الغلاء، وضد قرارات الحكومة الاقتصادية.
المظاهرات واجهتها السلطة السودانية بموجة عنيفة من القمع الأمني، محاولة تحجيم انتشار تلك المظاهرات عن طريق عصا الأمن القوية.
وفي ظل تلك الاضطرابات الداخلية، فوجئ السودانيون، بتقديم وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور استقالته من حكومة “البشير”، ليتم قبولها على الفور واختيار بديل عنه سيتم الإعلان عنه خلال أيام، وفقا لصحف ومواقع إخبارية سوادانية.
ليس هذا كل شيء، لكن الأوضاع السودانية الخارحية هي الأخرى باتت ملتهبة بشكل كبير، سواء مع “إريتريا أو مع مصر”، فيما تواصل الخرطوم إرسال تعزيزات عسكرية، خاصة من قوات الدعم السريع، إلى ولاية كسلا شرقي السودان، ضمن ما تقول إنه في إطار الجاهزية وتأمين الحدود، بعد ورود معلومات بوجود تهديدات أمنية على الحدود السودانية.
وبالإضافة لكل ماسبق، فإن أحاديث أخرى تدور بين أروقة الصحف العربية والعالمية، أن محاولة انقلابية كانت تدبر على الرئيس السوداني عمر البشير، بدعم إماراتي، غير أنه تم إحباطها حتى اللحظة.
فماذا يجري على وجه التحديد بالسودان؟ وما هو تفسير كل تلك الاضطرابات المتزايدة؟ وهل ستسوء الأمور بين مصر والسودان وإريتريا بشكل أكبر مما هي عليه الآن، أم أن الأمور تتجه نحو التهدئه؟ ولماذا تمت إقالة وزير الخارجية السوداني في هذا التوقيت الحساس والهام؟
مظاهرات الخبز والغلاء
وفقا لمراقبين فإن الدافع الأساسي من وراء المظاهرات السودانية، ليس ساسيا، لكن أغلب المحتجين يرفعون شعارات اقتصادية، خصوصا وأن الحكومة السودانية استفزت المواطن السوداني، بعدما أعلنت في أواخر الشهر الماضي، أنها ستلغي الدعم في موازنة 2018.
وصادق البرلمان السوداني، الأسبوع الماضي، على الموازنة المالية للعام 2018، التي أقرت رفع الدولار الجمركي إلى 18 جنيها بدلا عن 6.9 جنيهات، فضلا عن رفع تعريفة الكهرباء لقطاعات الصناعة والزراعة والتجارة.
تسببت تلك القرارات في اشتعال حالة الغضب الشعبي في السودان، بيد أن الأحزاب السياسية منها “حزب الأمة القومي” أكبر الأحزاب المعارضة في السودان، والحزب الشيوعي، قررا استغلال هذا الغضب الشعبي، فقررا دعوة المواطنين للخروج في مظاهرات حاشدة بالعاصمة السودانية الخرطوم، تندد بقرارات الحكومة، وتطالبها بالتراجع عنها، بل وصل الأمر للمطالبة بتنحي النظام.
طلاب الجامعات تفاعلوا بشكل كبير مع تلك الدعوات، كما شارك فيها مئات المواطنين ارتقوا إلى الآلاف مع مرور القوت سريعا، حيث بات المتظاهرون يرفعون شعارات تندد بميزانية 2018، التي تسببت في رفع أسعار الخبز إلى الضعف، وغيره من السلع الأساسية، كما يهتفون “سلمية ضد الحرامية”.. و”البمبان (الغاز المسيل للدموع) سلاح جبان”.
النظام واجه المتظاهرين بالقمع، حيث فرق المتظاهرين الذين احتشدوا أكثر من مرة على مدار الأسبوع الماضي بالعصي والهراوات والقنابل المسيلة للدموع، كما اعتقل العشرات وربما المئات.
الاعتقالات طالت مختار الخطيب زعيم الحزب الشيوعي السوداني المعارض عقب تنظيم الحزب احتجاجات في العاصمة الخرطوم قرب قصر الرئاسة، على خلفية رفع أسعار الخبز، كما اعتقل نشطاء بارزون في الحزب الشيوعي السوداني منذ اندلاع الاحتجاجات المتفرقة في البلاد.
توتر مع مصر وإريتريا
وبالتزامن مع تلك الاضطرابات الداخلية، وجد النظام السوداني نفسه في مواجهة خارجية وتصعيد مثير للجدل مع كل من مصر وإرتريا، بسبب ملفات ملتبهة وشائكة، أبرزها ملف سد النهضة الأثويبي، وملف حلايب وشلاتين.
التوتر بين القاهرة والخرطوم وصل إلى حد استدعاء السودان سفيرها من مصر، ثم قامت السودان بالحشد العسكري والتحذير من الحرب!.
فبعد تقارير صحفية كانت قد تحدثت في وقت سابق عن وصول تعزيزات عسكرية من مصرإلى قاعدة ساوا العسكرية في إرتيريا، بدأ السودان يحشد بدوره أيضا، وليعلن رسميا ولأول مرة أنه يتحسب لتهديدات أمنية من جارتيه مصر وإريتريا.
استقالة وزير الخارجية السوداني
الأمور في السودان لم تتوقف بعد، حيث تزامن مع الاضطرابات والمظاهرات والحشد العسكري، استقالة مفاجئة لواحد من أهم الوزراء بحكومة “البشير”، حيث أكدت أنباء صحفية أن الرئيس السوداني عمر البشير، قبل رسميا استقالة وزير الخارجية إبراهيم غندور، وكلف بدلا عنه مطرف صديق.
وبحسب صحيفة سودانية، أكد “غندور” في دردشة مع مجموعة على الواتس آب، صحة تقديمه لاستقالته غير أنه لم يذكر أسبابها.
ويرى مراقبون، أن الوزير المستقيل قرر مغادرة منصبه بسبب تدخلات نافذين في أداء عمله، خاصة تجاه العلاقات المصرية السودانية بالإضافة إلى تسليم ملفات مهمة في العلاقات الخارجية لعوض الجاز كان آخرها العلاقات السودانية التركية.
وكانت مصادر سودانية أفادت أن “غندور” اعترض على سياسة البشير ضد مصر، التي شهدت تصعيدا مؤخرا، وهو ما دفعه إلى الاعتراض على هذا النهج والاستقالة، حيث يقف غندور في صف أنصار عدم التصعيد مع دول الجوار، خاصة مع مصر وأريتريا على عكس توجهات أخرى.
وشغل “صديق” عدة مواقع سابقة، في مقدمتها سفير السودان في جوبا، كما شغل موقع وزير دولة، ويتولى في الوقت الحالي منصب مسؤول ملف حوض النيل في حزب المؤتمر الحاكم.
لكن المثير أن “صديق”، المعين وزيرا لخارجية السودان بدلا عن “الغندور”، كانت قد وجهت إليه اتهامات بالتورط في التخطيط لمحاولة اغتيال الرئيس المخلوع، حسني مبارك، عام 1995.
هل أفشل البشير محاولة انقلاب؟
كل ماسبق يؤكد بصورة أو بأخرى أن مسار الأمور في السودان كانت بمثابة محاولة انقلابية على البشير، لكن الرجل سعى لإبطالها من خلال التصعيد العسكري والحشد الإعلامي، وكذلك من خلال إقالة بعض الشخصيات التي شك في دعمها للتحركات الانقلابية.
“الإمارات” -وفقا لـ”مراقبين”- وأطراف خليجية وعربية أخرى، هم من كانوا يقفون وراء محاولة الانقلاب على البشير، حيث إن تلك المحاولات لا تعد الأولى من نوعها، حيث سبق وأن أقدم “البشير” على إقالة عثمان طه الحسيني مدير مكتب البشير، وذلك منتصف العام الماضي، بعدما اكتشف مخططا يسعى إلى تنفيذه عثمان “طه”، يستهدف دعم محاولة انقلابية في “قطر” بتمويل إماراتي سعودي، ومن ثم محاولة انقلابية في السودان، وفقا لصحيفة عربي 21.
“البشير” أقدم في يونيو الماضي، على إقالة “عثمان طه”، بعد أن اكتشف أن هذا الرجل الذي كان الآمر الناهي في السودان خلال الفترة الماضية، كان يتصرف دون علم أجهزة الدولة السودانية بما في ذلك الرئيس نفسه، وانكشفت صلاته السرية بكل من السعودية والإمارات، بعد أن عرض عليهما المساعدة في تنفيذ انقلاب عسكري سريع في قطر يُطيح بالنظام القائم هناك، وذلك دون علم الرئيس البشير، ودون علم أي من أجهزة الدولة، طالبًا من الرياض وأبو ظبي ثمنًا لذلك.
أما المفاجأة التي توصلت إليها أجهزة الأمن في السودان، فهو أن “عثمان” كان ضالعًا في مخططي انقلاب، وليس في مخطط واحد، الأول هو تنفيذ انقلاب في دولة قطر، وأما الثاني فهو في السودان، حيث كان يريد الحصول على الدعم السعودي الإماراتي من أجل الإطاحة بالبشير في الخرطوم، وتولي حكم السودان من بعده.
الأمر ذاته يبدو أنه يتكرر، لكن بصورة أخرى خلال الأيام الجارية، لكن مع شخوص مختلفة وبتفاصيل جديدة، حيث كشفت مصادر دبلوماسية سودانية النقاب عن امتلاك الخرطوم معلومات مخابراتية بتحركات مصرية مدعومة من بعض دول الخليج للإطاحة بالرئيس عمر البشير عبر انقلاب عسكري، إذ بات يشكل الأخير صداعا في ملفات ساخنة يأتي على رأسها ملف “سد النهضة” و”حلايب وشلاتين”، ما دعي الخارجية السودانية لسحب سفيرها لدى القاهرة عبد المحمود عبد الحليم، للتشاور في خطوة من تلك الخطوات.
محاولة الانقلاب على “البشير” رتبت بعد أن شكل التقارب التركي السوداني باتفاقية “سواكن” ازعاجا لمصر ولبعض دول الخليج، خصوصا وأن تركيا تقف في صف “قطر” في مواجهة الحصار الخليجي المفروض عليها، وتخشى مصر ودول خليجية من إقامة قاعدة عسكرية في الجزيرة السودانية، وهو مايعني نفوذا لإسطنبول على البحر الأحمر.
مخطط الإطاحة بالبشير كان قد كشف عنه “ياسين أقطاي – رئيس لجنة العلاقات التركية القطرية في البرلمان التركي “حيث كان قد زعم في مقابلة مع صحيفة “الشرق” القطرية، نشرت في 12 ديسمبر الماضي، أن “الإمارات دعمت محاولة انقلاب ضد عمر البشير في السودان قبل أشهر، من أجل جر البلاد إلى حالة من الفوضى لا يعلم عاقبتها إلا الله”، على حد قوله.
فهل ستكشف الأيام المقبلة تفاصيل جديدة عما يجري على أرض السودان، وهل سيستطيع نظام “البشير” العبور من أزماته الحالية، أم أن الأمور ستسير بخلاف ما يريد، هذا ما ستكشفه الأحداث خلال الأيام المقبلة.
اضف تعليقا