العدسة – أحمد فارس

 

يبدو أن الساحة الليبية قد تشهد تعقيدات خلال الفترة المقبلة، أساسها استمرار الخلافات السياسية، وما يستتبعها من مواجهات عسكرية بين أطراف متناحرة بين المعسكرين الشرقي والغربي.

يقود المعسكر الشرقي برلمان طبرق الداعم لميليشيات خليفة حفتر، الذي يخوض معركة الاستيلاء على درنة خلال الفترة الحالية، أما المعسكر الغربي فيمثله حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، ويرتبط به بعض المجموعات المسلحة التابعة له تحت اسم غرفة عمليات “البنيان المرصوص”.

الخلافات السياسية تلقي بظلالها على الساحة الليبية عسكريًا؛ إذ إن تأخر حسم هذه الخلافات ينذر باستمرار المواجهات المسلحة، سواء بين المعسكرين أو أطراف أخرى ترغب في تحقيق مصالح شخصية.

 

ضعف قوات حفتر

قبل أيام أقدمت مجموعات مسلحة بقيادة آمر منطقة الهلال النفطي السابق إبراهيم الجضران، على الاستيلاء على المنطقة، خلال معارك قوات حفتر في درنة.

وأعلنت المجموعات المسلحة التابعة للجضران أنها تمكنت من السيطرة على ميناء رأس لانوف، قبل أن يقدم حفتر على الدفع بوحدة عسكرية لاستعادة السيطرة على المنطقة خلال الفترة المقبلة.

معارك كرّ وفرّ حدثت خلال الأيام الماضية بين قوات حفتر ومجموعات الجضران في رأس لانوف، أسفرت عن إضرام النيران في أحد خزانات الوقود، وتعطل تصدير النفط، وسط استمرار المعارك.

المعاركة الحالية في منطقة الهلال النفطي تكشف وجود ضعف شديد لدى قوات حفتر، بالقدر الذي لم تتمكن فيه من صد هجوم مجموعات مسلحة، على الرغم من اعتبار ميليشيات حفتر جيشًا نظاميًا، بحسب ما يردده حفتر نفسه، وداعماه؛ مصر والإمارات.

هذه المعركة تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك، ضعف قوات حفتر وعدم قدراتها على بسط سيطرتها ونفوذها فعليًا على الشرق الليبي تمامًا، باتجاه مناطق سيطرة المعسكر الغربي.

بعض ساعات وكانت منطقة الهلال النفطي تحت سيطرة قوات الجضران، ولم تتمكن قوات حفتر من استعادة السيطرة الكاملة تمامًا، ولكن من دون إنكار وجود تقدم في تلك المنطقة، بفضل الغطاء الجوي وقصف للمجموعة المهاجمة.

وهنا فإنه بالحديث عن الغطاء الجوي لعمليات قوات حفتر في الهلال النفطي، لا يمكن إغفال الدور المصري والإماراتي، الداعم لحفتر جويًا؛ إذ تنفذ طائرات مصرية وإماراتية ضربات جوية في ليبيا منذ فترة طويلة، على مدار السنوات القليلة الماضية، باعتراف أمريكا نفسها في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، فضلًا عن تقارير أممية.

وفي هذا السياق، ربما تأخّر الدعم الجوي لعمليات قوات حفتر في الهلال النفطي، كانت مقصودة من جانب مصر والإمارات، لناحية إرسال رسالة مفادها أنه بدون الدعم المصري والإماراتي لا قدرة لحفتر على تحمل المواجهات العسكرية في ليبيا.

وهذا يؤكّد رغبة النظام المصري الحالي في تقوية قوات حفتر وجعلها نواة الجيش الليبي، بعد توحيد ما تسميه “المؤسسة العسكرية” بضمّ القوات التابعة لحكومة الوفاق تحت قيادة حفتر كقائد للجيش الليبي.

وظهر جليًا وجود رفض إقليمي ودولي للهجوم على منطقة الهلال النفطي، وحاول فايز السراج التبرؤ من هذه الهجوم، بالتأكيد أنه لم يعطِ أي أوامر بالهجوم، منددًا بالمواجهات في الهلال النفطي، باعتبارها خطوة تهدر ثروة الليبيين.

Image result for ‫السيسي وحفتر وبن زايد‬‎

 

فشل في درنة

تزامن الهجوم على منطقة الهلال النفطي، مع استمرار اقتحام قوات حفتر لمدينة درنة وحصارها، لمواجهة مجموعات مسلحة مناوئة لحفتر، وترفض وصايته على المدينة، التي ظلت عَصِيّة على الاقتحام خلال العامين الماضيين تحديدًا.

وعلى الرغم من حصار حفتر للمدينة خلال العامين الماضيين، إلا أنه لم يتمكن من الاقتحام، إلا خلال الشهرين الماضيين، بعد الحصول على دعم مصر إماراتي، وغطاء جوي كبير لمعاركه هناك.

وبدأت معركة درنة مطلع شهر مايو الماضي، بعد عمليات حشد كبيرة، وعلى الرغم من تأكيدات بالقضاء على المجموعات المسلحة في المدينة، إلا أنه وعلى مدار ما يزيد عن شهر ونصف لم تحسم قوات حفتر المعركة لصالحها حتى الآن.

وتشير طبيعة المعارك في درنة إلى استمرارها لفترة ليست بالقصيرة، بما يعزز من عدم قدرة قوات حفتر على السيطرة على المدينة بالكامل، على الرغم من اقتحامها مع عدة مناطق.

وحاولت قوات حفتر تصدير أن معركة الهلال النفطي مفتعلة من أجل التأثير على تقدمها على محور درنة، وهي محاولة تسيء لميليشيات حفتر في الأساس؛ إذ إنها تعكس عدم القدرة على التحرك على أكثر من محور في آن واحد.

ويكشف السيناريو السابق، عدم القدرة على السيطرة في منطقة الهلال النفطي رغم مرور نحو 5 أيام، رغم أنها تعتبر معركة بسيطة مقارنة بمعارك درنة، خاصة وأن تلك المنطقة النفطية كانت تحت سيطرة حفتر.

وقال النائب عن مدينة بنغازي أبو بكر بعيرة، إن الهدف الرئيس من مثل هذه الهجمات المتكررة هو تعطيل الجيش الليبي عن تقدمه في تحرير درنة وخلق حالة من التشويش على ما يقوم به الجيش هناك.

وأكد بعيرة، أنّ هذه الهجمات حتى وإن تسببت في خسائر بالملايين من مقدرات الشعب الليبي إلا أنها ستبقى محدودة وغير مؤثرة على المدى البعيد.

وبدأت وسائل إعلامية داعمة لحفتر في ترويج هذا السيناريو بقوة خلال اليومين الماضيين، من أجل محاولة تقديم مبررات لقوات حفتر.

واستعانت وسائل الإعلام بمحللين ومسؤولين موالين لحفتر؛ إذ قال الباحث السياسي الليبي، عبد الباسط بن هامل، عبر موقع “سكاي نيوز”: إن ميليشيات سرايا بنغازي وأخرى من المعارضة التشادية، تعاونت مع الجضران الذي حاصر موانئ نفطية من قبل.

وأضاف أن التوقيت المتزامن للمعركتين في درنة والهلال النفطي، يهدف إلى العبث بمقدرات المؤسسة العسكرية وحربها ضد الجماعات الإرهابية، وتعقيد المشهد الليبي، وعرقلة الحل السياسي، بحسب قوله.

وأشار بن هامل إلى الإمكانيات المتطورة المزوّد بها الجضران وميليشياته من عتاد وأسلحة حديثة، وتؤكد دعم أجهزة إقليمية له.

جاءت تصريحات بن هامل، للتغطية على الفشل في درنة، وصرف الأنظار إلى مسألة وجود دعم تركي وقطري للمهاجمين لمنطقة الهلال النفطي، فضلًا عن إقحام حكومة الوفاق بالأزمة، بربط مجموعات تابعة لها بالهجوم الأخير، رغم نفي وإدانة السراج للهجوم.

Image result for ‫صورة للعمليات العسكرية في درنة والهلال النفطي‬‎

 

لا حسم عسكريًا

 

سياق فشل قوات حفتر في منطقة الهلال النفطي وطولة مدة معارك درنة، تعد بمثابة إنذار لحفتر وحلفائه بأن الحسم العسكري لن يكون خيارًا أساسيًا،أو على الأقل سهلًا في ليبيا خلال الأشهر القليلة الماضية.

وهنا يبرز ضرورة الحسم السياسي لا العسكري للخلافات بين المعسكر الغربي والشرقي، والمضي قدمًا في سبيل الانتخابات، التي يدفع باتجاهها المجتمع الدولي، ويحاول حفتر التملص منها، حتى عقب مؤتمر باريس الأخير.

ويدعم حفتر في مسعى التهرب من الضغوط الدولية، مصر والإمارات، أكبر داعمين لمعسكر برلمان طبرق، بحسب تقارير صحافية.

واتفقت الأطراف الليبية، في ختام اجتماع باريس برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 10 ديمسبر المقبل.

ويحاول النظام المصري الحالي توحيد المؤسسة العسكرية الليبية تحت قيادة حفتر، لضمان سيطرة الأخيرة على الأوضاع في ليبيا خلال الفترة المقبلة، من خلال استضافة اجتماعات متواصلة بين قيادات عسكرية من الشرق والغرب، ولكن لم تسفر عن بلورة رؤية واضحة حتى الآن؛ إذ إن هذه الخطوة لا يمكن أن تحدث بدون توفيق الأوضاع والخلافات السياسية أولًا، وهو ما ترفضه القاهرة ومن خلفها حفتر.