العدسة – ياسين وجدي:
مؤامرة اقتصادية جديدة ضد تركيا تشكلت اركانها في البيت الأبيض ، وتشعلها أذرع عدة في أبو ظبي والقاهرة والرياض، لكن الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان أعلن التحدي والمواجهة مع فتح الأفق لحلول دبلوماسية.
“العدسة” يرصد المؤامرة وأبعادها وفرص نجاح الأتراك في مواجهتها والتي يرى مراقبون أنها قوية على المدى البعيد.
ابعاد المؤامرة !
بعد فشل الانقلاب العسكري في تركيا في عام 2016.، انطلقت بحسب مراقبين شرارة مؤامرة اقتصادية مكتملة الأركان في العام 2018 في مواجهة الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان وتركيا بعد انتصار كبير عبر صناديق الاقتراع ، تصدرته الإدارة الأمريكية باعلان مثير عن أن واشنطن ستقوم بفرض عقوبات على اثنين من المسؤولين الأتراك على خلفية احتجاز قس أمريكي موقوف بتهم الارهاب والتجسس في تركيا، ليسجل الدولار الأمريكي 5 ليرات للمرة الأولى في التاريخ على خلفية التوترات السياسية بين البلدين ،بعد أن ارتفعت العملة التركية بعد فوز رجب طيب أردوغان إلى 4.59 ليرة لكل دولار.

 

Image result for ‫اردوغان وترامب‬‎

لقطت الادارة الامريكية طرف الخيط ، مع استمرار خفض الوكالات العالمية التصنيف الائتماني لتركيا إضافة إلى تأثر تركيا بالعقوبات الأميركية التي فُرضت على إيران، مع تخوف بعض الأوساط الاقتصادية التركية من تشكيلة الحكومة الجديدة وغياب الوجوه الاقتصادية المعروفة بالنسبة لرجال الأعمال ، وبدأت القصف الممنهج.
و في هذا السياق بدأت تقارير ممنهجة من وكالات اقتصادية واعلامية أمريكية ومن تحالفاتها في الامارات والسعودية ومصر ، تمتلأ بالاشاعات والتخويف من الانهيار الاقتصادي عبر حرب نفسية واضحة بحسب المتابعين ، وبرز موقع شبكة “سكاي نيوز عربية” الامريكية الذي يدار من أبو ظبي في بث تقارير سلبية تتناقلها المنصات العربية المناهضة لتركيا في توقيت متوازن.

 

المساومة كانت واضحة وشروط وقف التصعيد الأمريكي برزت في تقرير لشبكة سكاي نيوز الامريكية كذلك الخميس تحت عنوان ” تركيا في عين العاصفة.. والحل عند “أردوغان البراغماتي”، حيث أوضحت أن أردوغان على المحك وأن زيارة وفده الي البيت الابيض لن يوقف الازمة قبل أن يطلق سراح القس الامريكي ، وقبل ان يستعيد الدفء في العلاقات مع الحلفاء الغربيين في اشارة الى البيت الأبيض على حساب العلاقات الجديدة مع كل من روسيا وإيران فضلا عن تعيين مسؤولين حكوميين يحظون بثقة السوق، في إشارة إلى الاطاحة بذراعه المالي بيرات ألبيرق وزير الاقتصاد.

تحدي واضح

في المقابل كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واضحا في استمرار التحدي وقراءة المؤامرة في العلن ، حيث جدد دعوته المواطنين إلى استبدال مدخراتهم من الدولار بالليرة التركية ، مشيرا إلى تحقيق تركيا معدل نمو بنسبة 7.4%، قائلا: “لقد أصبحنا نحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم في النمو الاقتصادي”.
وأكد أردوغان أن تركيا لن تتراجع عن اقتصاد السوق الحر أو مواجهة المؤامرة ، قائلا : “أرى أن هناك من يحاولون إركاع بلدنا مثلما حدث أثناء مظاهرات “حديقة جيزي” في 2013.. لوبي الفائدة يستهدف بلدنا.. لن تفلح خطواتكم.. أنا أوجه كلامي لأخوتي الذين لديهم دولار أو يورو تحت الوسائد، اذهبوا وحوّلوا أموالكم إلى الليرة التركية حتى نبطل هذه المؤامرة معا”.
ولم يصمت أردوغان عمليا تحت وطأة التصعيد ، حيث أعلن تجميد ممتلكات وزيري العدل والداخلية الأمريكيين؛ رداً على قرار واشنطن المماثل بتجميد ممتلكات وزير العدل التركي عبد الحميد غل ووزير الداخلية سليمان صويلو.

وتحت هذه التوجهات ، ركزت تركيا لمواجهة الازمة عبر استغلال موسم السياحة لاستعادة التوزان ، وهو ما تبرزه منصات تركيا الرسمية وشبه الرسمية في الاعلام خاصة وكالة الاناضول ، التي أشارت مرارا منذ الازمة الاقتصادية الخاصة بالليرة إلى نجاح الموسم السياحي .

 

Image result for ‫موسم السياحة في تركيا‬‎
وأبرزت التقارير التركية انفاق السياح الأجانب نحو 2.5 مليار دولار في مطاعم تركيا، خلال النصف الأول من العام الجاري 2018، حسب بيانات رسمية، وبلوغ إيرادات السياحة في تركيا خلال النصف الأول بلغت 11.5 مليار دولار، بينهما 9.5 مليار دولار نفقات للسياح الأجانب الذين بلغ عددهم 16 مليونا، وملياران إيرادات من السياحة الداخلية، وانفاق السياح نحو مليار و735 مليون دولار على النقل الدولي، ومليارًا و413 مليونًا على المبيت، بالتزامن مع بلوغ إيرادت قطاع السياحة الصحية نحو 440 مليون دولار، وإيرادات النقل الداخلي بنحو 757 مليون دولار، والأنشطة الرياضية والتعليمية والثقافية بـ135 مليونًا.
الاجراءات الدبلوماسية التركية كان نقطة مهمة في مواجهة الأزمة ، و ساهمت في تبريد الازمة قليلا ، ففي الساعات الأولي بعد الاعلان عن أن وفدا من مسؤولين أتراك سيزور واشنطن لبحث العلاقات المتوترة بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي عوضت الليرة بعض خسائرها وفق تلفزيون “سي إن إن ترك”، حيث ارتفعت العملة التركية صباح (الثلاثاء).إلى 5.25 ليرة مقابل الدولار .
هذا التوجه ظهر كذلك بعد اجتماع وزيرة التجارة التركية روهصار بيكجان رغم تصاعد الأزمة مع ممثلي 30 شركة أميركية، من بينها “آبل” و”بوينغ” و”آي.بي.أم” و”مايكروسوفت”، الذي نظّمه اتّحاد الغرف التجارية وتبادل السلع التركي مع الغرفة التجارية الأميركية في أنقرة.
تدخل الأصدقاء قد يكون مفيدا في الفترة المقبلة ، بحسب المتابعين للملف التركي ، وفي هذا الاطار قد يساهم إعلان النائب في البرلمان الإيراني، إلياس حضرتي، أن بلاده تعتزم استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية بالليرة التركية واليوان الصيني بسبب العقوبات الأمريكية في تقوية الليرة .
واتجهت تركيا للورقة الأبرز في يدها وهو تثبيت سعر الفائدة ، ويرى مراقبون أنها ربما تلجأ إلى التدخل المباشر عبر ضخ دولار بالأسواق لتعادل بين العرض والطلب وتزيل ولو جزئياً، حالة التخوّف المتنامي بالسوق التركية بالتزامن مع ما تتخذه الحكومة من دعم وتشجيع لزيادة الصادرات، لأنها والسياحة، الطريقان الأسرع للحصول على الدولار والعملات العالمية.

انتصار جزئي متوقع !

تتجه التوقعات إلى أن محاولة الاضرار بالليرة التركية ، قد تكون زوبعة في فنجان، ولن تستمر كثيرا على المدى البعيد حيث قد تحقق تركيا انتصار جزئيا بالحفاظ علي قوة الليرة بالتزامن مع قرارات براجماتية مؤقتة .
وتذهب الآراء إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد تهدئة بحسب مراقبين فتركيا لا ترغب بمواجهة أمريكا لأن ذلك قد يضر بالإقتصاد التركي، لاسيما أن تركيا تشهد مرحلة جديدة منذ الإنتخابات المبكرة الأخيرة، ولكن أمريكا ستستمر بضغوطاتها لفترة قريبة من أجل الضغط على تركيا بطرق أخرى إلى حين استلام منظومة الدفاع الروسية S 400، رغم انفتاح تركيا على حل الخلافات مع أمريكا بالتفاوض.

 

Image result for ‫الليرة التركية‬‎

ويرى المتابعون للأزمة أن تركيا منفتحة على قرارات حل الأزمة وتسوية الخلافات مع الولايات المتحدة لكن ليس على قاعدة الرضوخ التام بل على قاعدة الندية قدر الإمكان ورفض لغة التهديد، خاصة أن القرارين الأمريكي والتركي رمزيان بامتياز، ويعبران عن امتعاض وغضب من هذا الطرف على ذاك، فلا الوزيرين التركيين يمتلكان ممتلكات في أمريكا ولا نظيريهما الأمريكيين يمتلكان ممتلكات في تركيا .
وعلى المدى البعيد يرى مراقبون أن اقتصاد تركيا يتمتع حاليا بأرقام عالمية كبرى، وأن “أي مستثمر فيها لا يكون خاسرا، بل يستفيد من مزايا اقتصادية كثيرة”، وهو ما أكده جيان ماريا ميليسي ـ فيريتي، مدير قسم البحوث في صندوق النقد الدولي، حيث يتوقع نمو الاقتصاد التركي العام الحالي بنسبة 4.2 بالمئة، والعام القادم 3.9 بالمئة
وأوضح في تصريحات صحفية أنه من الطبيعي أن يطرأ بطء على نمو الاقتصاد التركي، بعد أن حقق نسبة عالية من النمو (7.4 بالمئة) خلال العام المنصرم 2017، مؤكدا أن أن تراجع توقعات الصندوق حول نمو الاقتصاد التركي، يعود إلى الظروف المالية العالمية، وزيادة أسعار النفط، وتراجع قيمة الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية.