أحمد حسين

يبدو أن الجزائر انتقلت من خانة الصراع على كرسي الرئاسة الذي يشغله رئيس مقعد منذ سنوات، إلى محاولات مستميتة لأن يبقى “رئيس الكرسي المتحرك” على قمة السلطة، سواء كان هذا بانتخابات “شكلية” أو حتى دون انتخابات أصلا، فما الداعي لها؟.

ورغم الإشارات الواضحة والأحاديث الدائرة داخل بلد المليون شهيد حول عزم التحالف الداعم للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، استمرار تنصيبه، إلا أن مسألة الصراع على السلطة لا يمكن تجاهلها مع بقاءها غير محسومة إلى الآن، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل.

ابتلاء بالحب!

رئيس البرلمان الجزائري، ومنسق قيادة حزب جبهة التحرير الوطني، معاذ بوشارب، أدلى بدلوه في هذا السياق بخطاب أثار جدلا واسعا، حيث اعتبر أن بوتفليقة “ابتلاه الله بحب الجزائر”، وأن “دعوته للجزائر كما إبراهيم عليه السلام..”رب اجعل هذا بلدا آمنا وأرزق أهله من الثمرات”.

وفي كلمة ألقاها باسم التحالف الرئاسي، السبت، قال: “الرئيس بوتفليقة من معدن الرجال الذين يؤمنون بأن الحياة موقف وعطاء وتضحية، وفي سبيل ذلك لم يدخر جهده لإسعاد الشعب”.

وأكد أن “التحالف الرئاسي (المكون من عدة أحزاب توالي بوتفليقة) فضاء سياسي يدعم الرئيس ويرافق برنامج ويسعى إلى تحقيق أهدافه السامية دون استبعاد أحد”.

ودافع “بوشارب” عما أسماه “إنجازات” الرئيس بوتفليقة منذ وصوله إلى سدة الحكم، والتي “يلمسها المواطنون يوميا في الميدان”، عل حد تعبيره.

هذا الخطاب الداعم بلا حدود لشخص بوتفليقة، يأتي في خضم حديث يدور عن الذهاب إلى ما يشبه المرحلة الانتقالية عبر ندوة وفاق وطني تكون مدخلا لتأجيل الانتخابات، وربما التمديد للرئيس بوتفليقة دون انتخابات.

وبحسب الكاتب الجزائري “ناصر جابي”، فإن هذا السيناريو مرجحا بسبب عدم الاتفاق على مرشح يخلف بوتفليقة غير القادر على الترشح صحيا لولاية رئاسية خامسة، عكس ما تم الترويج له على مدار أشهر ماضية.

ورأى الكاتب، في مقال له، أن هذا الواقع السياسي أفرزته نخبة وأوساط رسمية وغير رسمية أصبحت عاجزة عن مجرد التفكير في مرشح آخر بدل بوتفليقة، بسبب ذلك الحيز الكبير الذي احتله كحاكم مطلق الصلاحيات.

وخلال 20 عاما استولى بوتفليقة، بحسب الكاتب، على صلاحيات دستورية تضاهي بل تفوق ما يملكه الملك المغربي من صلاحيات، حين سطى على الصلاحيات الممنوحة إلى رئيس الحكومة والبرلمان، حتى تقلصت صلاحيات المؤسسات السياسية واختزلت جميعها بيد شخص بوتفليقة.

ثقافة تفضيل الشخص على المؤسسة، دفعت الجزائر إلى “البحث عن حلول داخل ندوات تمدد لرجل مريض، أو تعين آخر ضعيفا لخدمة استراتيجيات عصب وقوى سياسية غير مرئية، تريد البقاء في السلطة حتى إن تم تغيير الواجهة التي تحكم وراءها”.

صراع مستمر أم محسوم؟

هذا التصور ربما يأخذنا تلقائيا إلى مسألة الصراع الدائر حول خليفة بوتفليقة والذي خرج إلى العلن بين رئيس الحكومة أحمد أويحيى، و”سعيد” شقيق الرئيس بعد إلغاء الرئاسة اتفاقا وقعته الحكومة مع هيئة تمثل “الكارتل المالي” – وهو تكتل اقتصادي يضم مستثمرين ورجال أعمال كبار – واتحاد العمال يقضي بفتح رأس مال لشركات ومؤسسات اقتصادية عمومية لصالح رجال الأعمال المستثمرين من القطاع الخاص “الخصخصة”.

وأصدرت رئاسة الجمهورية التي يسيطر عليها شقيق الرئيس تعليمات عاجلة موجهة إلى أويحيى والوزراء لمطالبته بوقف تنفيذ كل قرارات الحكومة، الأمر الذي أزاح الستار عما يمكن أن نسميه “حكومة ظل” في رئاسة الجمهورية تعارض مسار حكومة أويحيى وتتدخل في قراراتها، على خلفية صراع يرتبط بالانتخابات الرئاسية.

مسؤولون قالوا إن “الرئاسة استشرفت وجود نوايا غير سليمة، وأبدت انزعاجًا كبيرًا من الطريقة التي سيرت بها الحكومة تصفية مؤسسات اقتصادية عمومية، خصوصًا بعد ورود تقارير عن وجود صفقات بين الحكومة ومستثمرين بعينهم للفوز بالحصة الأكبر من الأسهم في مؤسسات عمومية”.

تقارير إعلامية، وصفت ما يواجهه أويحيى الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الشريك الثاني في الحكومة بعد حزب بوتفليقة، بأنه حملة لتقليم أظافره في إطار محاولات قطع الطريق أمامه للترشح وخلافة بوتفليقة.

في أكتوبر 2017، وقعت 3 شخصيات جزائرية، على بيان يطالب بعدم ترشح بوتفليقة، البالغ من العمر 80 عامًا، لولاية خامسة داعين الجيش للإمساك بزمام الأمور، إلا أن موقف الجيش الجزائري كان حاسمًا، وهو ما أكده رئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح، الذي كرر 3 خطابات ألقاها أمام عسكريين، خلال عام 2017، بالتزام مؤسسته بالدستور، والخضوع لقائده الأعلى بوتفليقة.

ورغم أن المؤسسة العسكرية في الجزائر كانت توصف دومًا على أنها “صانعة الرؤساء” وهو ما حدث مع بوتفليقة نفسه عام 1999، إلا أن الرجل تمكن في فترته الثانية من إحكام السيطرة على الجيش تجلت في تقديم الفريق “محمد العماري” رئيس أركان الجيش الجزائري في أغسطس 2004 استقالته رسميًا، ليعين “بوتفليقة” قائد القوات البرية الفريق “أحمد قايد صالح” خلفًا له، ويبسط سيطرته المطلقة على المؤسسة الأمنية بإقالة الفريق “محمد مدين” في سبتمبر 2015، الذي استلم رئاسة جهاز المخابرات العسكرية منذ 1990، ويقوم بتعيين اللواء “بشير طرطاق” مكانه، وهو أحد مستشاري بوتفليقة للشؤون الأمنية.