مع تزايد وتيرة الاعتقالات السياسية التعسفية في مصر، فإن الأمر الآن أصبح متروكاً للرئيس السيسي وحده لإنهاء هذه السياسة المستمرة منذ أكثر من ثمانية أعوام. على عكس ما تريد القاهرة أن يتم إعلانه رسمياً، لا يوجد في البلاد قضاء مستقل على الإطلاق، يرجع ذلك على وجه الخصوص إلى حالة الطوارئ التي تم تمديدها للمرة السادسة عشرة على التوالي في يوليو/تموز 2021.

حالة الطوارئ تلغي فعلياً مبدأ الفصل بين السلطات وتمنح الرئيس صلاحيات واسعة بعيدة المدى، بالإضافة إلى ذلك، تمكن السيسي من التأثير بشكل مباشر على كيفية شغل المناصب العليا في القضاء، منذ التعديلات الدستورية لعام 2019.

علاوة على ذلك، أدت التعديلات الأخيرة على القانون، والتي تم إجراؤها بحجة مكافحة الوباء، إلى مزيد من زيادة صلاحيات القضاء العسكري حتى على المدنيين.

لذلك فإن الرئيس يمارس نفس القدر من التأثير على سير المحاكمات ذات الدوافع السياسية بقدر تأثيره على الإطالة التعسفية للاحتجاز السابق للمحاكمة، والتي تُمارس بشكل منهجي، وفوق كل شيء، يمكنه تحقيق حل خارج نطاق القضاء للقضايا القائمة من خلال الاستفادة من “العفو الرئاسي”، وهو أداة تنص عليها المادة 155 من الدستور.

الجدير بالذكر أنه لسن عفو ​​عام، سيحتاج السيسي إلى إشراك البرلمان الذي يسيطر عليه أنصاره، كما أن السيسي بالكاد سيحتاج إلى أخذ الأجهزة الأمنية في الحسبان؛ بفضل قرارات الأفراد داخل القيادة العسكرية وأجهزة المخابرات، لقد أصبح بفضل تلك القرارات الزعيم الأوحد بلا منازع.

من المرجح أن تكون رغبة السيسي في تغيير هذه السياسة محدودة، لأن حكمه يفتقر إلى الشرعية من الأساس، دعمه الشعبي مشكوك فيه.

مراسم “إعادة انتخابه” في عام 2018 كانت ذات مراكز اقتراع خالية وقمع هائل لمنافسين محتملين، وفي عام 2019، تسبب اختلال التوازن الاجتماعي والاقتصادي في البلاد في احتجاجات ضخمة مناهضة للنظام تعاملت معها الشرطة باستخدام القوة المفرطة واعتقال الآلاف.

 في الآونة الأخيرة، من غير المرجح أن تؤدي السياسة الفاشلة للتعامل مع وباء فيروس كورونا، والتي يعاني منها العديد من المصريين حالياً، إلى زيادة معدلات تأييد الرئيس.

 

حان الوقت لألمانيا لزيادة الضغط

على الصعيد الثنائي وبالتعاون مع شركائها الأوروبيين، تحاول الحكومة الألمانية منذ سنوات تحقيق الاستقرار في مصر، الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في محيطها، والتي يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة.

تعد ألمانيا من أكبر الدائنين لمصر بقروض تزيد قيمتها عن 2.8 مليار دولار، ومنذ الانقلاب العسكري عام 2013 وحتى نهاية عام 2019، تلقت القاهرة دعماً مالياً يقارب المليار يورو من برلين، في نفس الوقت، كانت استمرت الاعتقالات التعسفية على قدم وساق.

من الواضح أن هذه السياسة تتعارض مع استقرار البلاد على المدى الطويل بسبب العواقب المذكورة في الجزء الأول من هذا المقال، لذلك يجب على الحكومة الألمانية أن تمارس ضغوطًا أكبر بكثير على القيادة المصرية لإحداث تغيير في سياسات القاهرة – ليس فقط لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية، ولكن أيضاً بهدف تحقيق أهداف في مجال سياسة التنمية من حيث منع الأزمات والصراعات.

 

من وجهة نظر الكاتب، فإن العمل هو أفضل مسار لإنقاذ الوضع الراهن لثلاثة عوامل:

العامل الأول: يهدف الرئيس السيسي حالياً إلى تحسين صورة مصر، وبالتالي أيضاً صورة حكمه بالبدء في حملة تحت شعار “الجمهورية الجديدة”، يحاول من خلالها تصوير الدولة وقيادتها على أنها حديثة وطموحة اقتصادياً ومنفتحة على العالم من خلال مشاريع التنمية واسعة النطاق، مثل بناء عاصمة جديدة.

يهدف الإعلان عن “استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان” والإفراج الانتقائي عن السجناء إلى مواجهة الانتقادات الدولية، لذلك يجب على ألمانيا أن توضح أن “مستحضرات التجميل” الرمزية هذه لن تكون فعالة طالما لا توجد جهود جادة لتغيير السياسة في القاهرة، وعليه يجب تكثيف الانتقادات كما حدث في مارس/آذار 2021 مع الشركاء الأوروبيين والدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة، أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كما يجب التأكيد بقوة على مسؤولية الرئيس السيسي بصفته صانع القرار النهائي.

العامل الثاني: من المرجح أن تحتاج الحكومة المصرية إلى بدء مفاوضات جديدة بشأن المساعدات المالية مع دائني البلاد في الأشهر المقبلة. إن احتياجات البلد المثقل بالديون كبيرة إذ بلغ عجز ميزانيتها في السنة المالية 2020/21 7.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أكثر من 30 مليار دولار.

على مدى السنوات الست الماضية، لم يكن من الممكن تغطية العجز إلا من خلال برامج واسعة النطاق يديرها صندوق النقد الدولي بمشاركة مقرضين آخرين، وقد انتهى البرنامج الأخير في يونيو/حزيران 2021. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق خطط التنمية الطموحة للسيسي دون مساعدات خارجية جديدة.

لن تشارك ألمانيا بشكل مباشر فقط في مثل هذه المفاوضات – كواحدة من أهم الدائنين – ولكن أيضاً بشكل غير مباشر من خلال حقوق التصويت في المؤسسات المالية الدولية وبنوك التنمية الأوروبية.

على الحكومة الألمانية استخدام هذه الورقة لمطالبة الجانب المصري بالدخول في مفاوضات بناءة مع منظمات حقوق الإنسان وأهالي ومحامي المعتقلين من أجل إطلاق سراحهم.

سيكون العديد من السجناء، من بينهم سجناء جماعة الإخوان المسلمين، على استعداد لتقديم تنازلات بعيدة المدى من أجل إطلاق سراحهم، حتى إلى حد الاعتراف بشرعية الرئيس السيسي.

ومع ذلك، تتمسك الحكومة حتى الآن بصورة قطعية رفضها إجراء أي محادثات، لذلك يجب أن تكون المساعدة المالية الإضافية وإعادة جدولة القروض متوقفة على بدء هذه المفاوضات والتقدم فيها.

يمكن للحكومة الألمانية أيضاً من أجل تقييم السياسة المصرية الاعتماد على تقارير منظمات حقوق الإنسان مثل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، التي توثق الاعتقالات التعسفية بالتفصيل لسنوات عبر قواعد البيانات.

العامل الثالث: السياسة الأمريكية تجاه مصر في حالة تغير مستمر حالياً، في عهد الرئيس جو بايدن، ازداد النقد الموجه إلى حالة حقوق الإنسان في البلاد، وخاصة التوسع في عمليات الاعتقال التعسفي.

مع ذلك، يُخشى أن بايدن، مثل سلفه، لن يوجه إصبعه إلى المساعدة العسكرية المكثفة التي تقدمها الولايات المتحدة للقاهرة، وإذا كان هذا هو الحال، سيكون على بايدن تعديل سياسته تجاه مصر في مجالات أخرى، وإلا فقد يواجه خسارة كبيرة في المصداقية بين صفوف حزبه الديمقراطي.

لذلك يمكن أن تكون الإدارة الأمريكية شريكًا مهمًا للحكومة الألمانية سواء من خلال توجيه النقد في المحافل الدولية أو في ممارسة الضغط في مفاوضات المساعدات المالية متعددة الجنسيات في المستقبل.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا