العدسة – ياسين وجدي
“السعودية ستصنع سياسات عواقبها مفاجئة ووخيمة”.. هذا عنوان أحدث تقديرات الموقف التي أصدرها معهد واشنطن للدراسات في الشرق الأدنى المقرب من دوائر صنع القرار في البيت الأبيض، والتي تحمل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المسئولية كاملة عن تدهور محتمل للأحداث يتطلب تغييرات حادة ولكنها باتت غير متوقعة في حضوره في ظل اتجاهه لاتخاذ قرارات، توقع المعهد 12 قرارا منها ، ورأى أنها ستكون ذات عواقب وخيمة
البجع السوداء !
شارك في تقدير الموقف اسمان بارزان هما : سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن، وأساف أوريون، وعميد إسرائيلي متقاعد واستراتيجي للشؤون الدفاعية، وزميل عسكري زائر في المعهد.
وقال التقدير الذي وصل “العدسة”: ” خلال السنوات الأربع تقريباً التي مرّت منذ تربّع الملك سلمان على العرش، اتّصفت مبادرات السياسة السعودية المنسوبة إلى ابنه الأمير محمد بن سلمان بسرعتها، ووقعها المفاجئ على الغرباء عن المجتمع السعودي، ناهيك عن أهميتها الكبيرة، حتى أنه يمكن وصفها تقريباً بـ “البجع السوداء”، التي تُعرَّف بـ “الأحداث التي يتعذر التنبؤ بها أو توقّعها، وتسفر في العادة عن عواقب وخيمة”. وفي حين يمكن القول إن التحديات التي تواجهها المملكة تستلزم تغييرات حادة، إلا أن الكثير من السياسات الجديدة تبقى مع ذلك غير متوقعة”.
أمثلة محلية وخارجية
واستعرض التقدير بعض الأمثلة المحلية ذات السياسيات الحادة والمفاجئة في الفترة الماضية وهي : سَجْن أكثر من 200 شخص من الأمراء ورجال الأعمال في فندق “ريتز كارلتون” بالرياض بتهمة الفساد، والإعلان عن طرح جزئي لأسهم شركة النفط السعودية “أرامكو” للاكتتاب العام، منذ تأجيلها، ورفع القيود عن وسائل الترفيه العامة (كالمسارح) والجماهير المختلطة بين الجنسين، واقتراح بناء منتجعات جديدة “بمعايير دولية” لتشجيع السياحة الأجنبية، مما يوحي بإجازة الكحول وأماكن السباحة المختلطة فيها، ومنح المرأة الحق في قيادة السيارات، والمناداة بإسلام أكثر اعتدالاً وإقالة الدعاة الذين يتصدون لمنهج الحكومة الجديد” بحسب ما يرى التقدير.
وخارجيا دلل التقدير على رأيه بعدد من الأمثلة الكارثية ، ومنها : التدخل في الحرب الأهلية في اليمن في مارس 2015، الأمر الذي أرهق الميزانية السعودية وتطوَّرَ إلى قضية إنسانية تشغل المجتمع الدولي وتؤثر على سمعة المملكة، وإعدام الداعية السعودي من الطائفة الشيعية نمر النمر في يناير 2016، مما أدى إلى قيام إيرانيين باقتحام السفارة السعودية في طهران، وما ترتب على ذلك من قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
كما رصد التقدير الحصار الجائر على قطر ، مؤكدا أن ” الصدع الذي قادته السعودية ضد قطر في يونيو 2017، أدى إلى قطع الروابط البرية والجوية معها، والإضرار بالجهود الأمريكية لإظهار جبهة مشتركة مع حلفائها في دول الخليج العربية ضد إيران”.
وأشار التقدير إلى إرغام رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة في نوفمبر 2017 خلال تواجده في الرياض، ولكن تم إلغاء هذه الاستقالة بعد شهر عندما عاد الحريري إلى بيروت، وأزمة العلاقات مع كندا في أغسطس 2018، التي أثيرت بسبب تغريدة كتبتها الحكومة الكندية على موقع “تويتر” أعربت فيها عن قلقها بشأن حقوق الإنسان في المملكة، وأسفرت عن طرد السفير الكندي، وتعليق الرحلات الجوية السعودية، وسحب الطلاب السعوديين المقيمين هناك بمنح دراسية حكومية.
وأبرز تقدير الموقف مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي في تركيا في أكتوبر 2018، مؤكدا أن تلك الحادثة بالفعل ذات عواقب كبيرة على المملكة بغض النظر عن هوية المتورطين في النهاية ، وعلى الرغم من استمرار الجدل حول الجهة المسؤولة عن إعطاء الأمر والتخطيط لجريمة القتل، إلّا أن لائحة المشتبه بهم تشمل أشخاصاً مقرّبين من الأمير محمد بن سلمان.
توقعات واحتمالات !
ويرى تقدير الموقف أنه يجب على حلفاء المملكة وخصومها التفكير في القرارات المهمة الأخرى التي قد يتخذها الأمير محمد بن سلمان في المستقبل، وربما إعادة النظر في الأحداث التي كانت تُعتبر سابقاً ذات احتمالية ضئيلة، ورصد منها 12 قرارا فقط.
فعلى مستوى الاحتمالات على الساحة المحلية توقع تقدير الموقف تضييق دور العائلة المالكة الكبرى في المملكة بدرجة أكبر، ويشمل ذلك الحد من تأثيرها على السياسات ومسألة الخلافة، وفرض المزيد من القيود على حرية التعبير،واتخاذ إجراءات أكثر صرامة بحق الأفراد أو الجماعات الذين ينتقدون سياسة الحكومة، مثل احتمال إعدام الشيخ سلمان العودة، الذي يحاكم حالياً ويطالب المدّعون العامون بإنزال عقوبة الإعدام به.
وعلى مستوى الاحتمالات على صعيد السياسة الخارجية فتوقع تقدير الموقف الإعراب السعودي العلني عن سيناريوهين متضادين في الشأن الفلسطيني أولاهما : تأييد الخطة الأمريكية (التي لم تُنشر بعد) للسلام بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين وربما يشمل ذلك عقد اجتماع بين الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، وثانيهما : اتخاذ الموقف المعاكس وإدانة مبادرة السلام الأمريكية وتعميق العلاقات النفطية مع روسيا وشراء منظومات من الأسلحة الروسية الضخمة مثل صواريخ أرض-جو من طراز “أس-400″ وشراء محطات نووية روسية أو صينية عوضاً عن التكنولوجيا الأمريكية، بالاستفادة على الأرجح من غياب القيود على التخصيب أو إعادة المعالجة.
وتوقع تقدير الموقف اتجاه السعودية للتعاون علانية مع باكستان بشأن الأسلحة النووية، والتدخل في عُمان لضمان مستقبل البلاد بعد وفاة السلطان قابوس بن سعيد الذي تتردى حالياً حالته الصحية، أو في قطر من أجل إرغام الأمير تميم آل ثاني على التنازل عن العرش، والمطالبة بفتح ممر بري أو طريق لتصدير النفط عبر اليمن أو عُمان نحو المحيط الهندي.
وأضاف تقدير الموقف أنه لا يُعرف ما إذا كانت السعودية ستطبّق أيّاً من هذه السياسات أو تأتي بمفاجآت أخرى، فعلى الرغم من استمرار الملك سلمان بالتربع على العرش واستمرار التداعيات الناجمة عن حادثة خاشقجي، يبقى الأمير محمد بن سلمان المسؤول الأول عن اتخاذ القرارات في المملكة، وأسلوبه القيادي الفوضوي – بصرف النظر عمّا إذا كان جيداً أم سيئاً – فيختلف اختلافاً كبيراً عن أسلوب سابقيه، يفرض على المحللين وصانعي القرار أن يكونوا مستعدين لما كان غير متوقع في السابق:” سياسات يتبعها ولي العهد تسفر عن عواقب مفاجئة ووخيمة”
اضف تعليقا