العدسة – معتز أشرف:
في تقدير موقف مهم من خبراء معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى المقرَّب من دوائر صنع القرار في أمريكا، حول الانتخابات التركية- ورغم القلق الواضح من النتائج- أكدوا أنها انتخابات تاريخية، وتوقعوا استمرار نهج الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، وأسلوبه ومدرسته في المواجهة الداخلية والخارجية، مشددين على أنه أمام الغرب فرصة لبداية جديدة مع تركيا، ولكن من خلال القبول بوجود أردوغان وبقائه في السلطة.
أردوغان مستمر
تقدير الموقف الذي وصل “العدسة” حمل عنوان “الانتخابات التاريخية في تركيا.. ما الذي يمكن توقعه في المرحلة القادمة؟” وتصدره توقع “نيك دانفورث” محلل السياسات المخضرم في “مركز السياسة المؤيد من الحزبيين”، بأن يستمر أردوغان في سياساته كما نعرفه، بل سيزيد من حدة تصرفاته ومواقفه بعد انتهاء الانتخابات، مؤكدًا أنه قد خرج من هذا الفوز مدركًا أن أسلوبه القتالي أصبح مبرَّرًا داخل البلاد وخارجها، وفي خطاباته يصوِّر نفسه على أنه الضحية؛ حيث يدّعي أنه يحارب النخبة التركية الراسخة في الداخل، ويحذّر من عودة أولئك الذين يعارضونه في الخارج في أي لحظة لتبديد المكاسب التي حققها.
وقال دانفورث: “يقينًا، أردوغان يريد أن تبقى تركيا ديمقراطيةً، طالما لا يتعارض ذلك مع بقائه في السلطة؛ فقد حافظ على بِنْية الديمقراطية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى متى يمكن أن يستمر هذا الترتيب الهشّ، وتعتمد الإجابة على المدة التي تشعر فيها المعارضة بأنها قادرة على منافسة حكمه بشكل عادل قبل اللجوء إلى المزيد من وسائل المواجهة، ومن الأمور المشجعة أن أحزاب المعارضة أبدت تضامنها مع بعضها البعض خلال الانتخابات، ولكن الأمر المحبط أنها خسرت رغم اتحادها”.
وأضاف أنّه في المرحلة القادمة، سيمنح التحالف القائم بين «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» الفئات القومية صوتًا قويًا في الحكومة، مؤكدًا أن أردوغان وحلفاءه الجدد آمنوا أنّ صناديق الاقتراع قد أثبتت أن أجندتهم هي الصحيحة، وسيصبحون أكثر تشددًا تجاه الأكراد وحركة جولن والغرب؛ حيث يريد أردوغان حلّ القضية الكردية، ولكن من موقع قوَّة، وبينما يرغب في إقامة علاقات أفضل مع الغرب، يرى أنه يجب إعادة بنائها وفقًا لشروطه، وبعبارة أخرى، أمام الغرب فرصة لبداية جديدة مع تركيا، ولكن من خلال القبول بوجود أردوغان وبقائه في السلطة.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، من المرجَّح بحسب “نيك دانفورث” أن تتجه الحكومة التركية الجديدة نحو المكاسب سهلة المنال أولًا- وبالتحديد إقامة تحالفات مع شركاء غير معقدين نسبيًا مثل فنزويلا أو صربيا، والتي يمكن لموافقتهم الدبلوماسية أن تمنح أنقرة شعورًا بالفخر والشرعية. أما بالنسبة للعلاقات مع موسكو، فلا يريد أحد في تركيا أن تحل الهيمنة الروسية محل الهيمنة الأمريكية، لذا لا ينبغي لواشنطن أن تشعر بالقلق إزاء لجوء تركيا إلى الشرق، فاليوم أكثر من أي وقت مضى، قد تواجه تركيا الأمور بمفردها.
تركيا حليف صعب!
من جانبه يرى العقيد ريتش أوتزن، وهو مستشار في “الجيش الأمريكي” وعضو في “فريق تخطيط السياسات” في وزارة الخارجية الأمريكية، أن تركيا شريك صعب في المستقبل المنظور، ولكنها أيضًا حليف رئيسي للولايات المتحدة، ومن وجهة النظر السياسة الأمريكية يُعتبر أردوغان زعيمًا مثيرًا للجدل لا يمكن تجاهل نهجه المزعج تجاه المعايير الديمقراطية، لكن في الوقت الحالي، إنه لأمر جيد أن تُذكَر هذه الانتخابات باعتبارها ممارسة معقولة للديمقراطية في منطقة تكاد تنعدم فيها الديمقراطية.
وأضاف أنه من هذا المنظور، لا ينبغي أن تكون الزيادة في أصوات «حزب الحركة القومية» مفاجئة، فقد كانت استجابةً وطنيةً عكسية لمخاوف الشعب التركي؛ فالثقافة الاستراتيجية للبلاد هي آلية توازن رباعية، بين الغرب والمنطقة الأوروبية الآسيوية والعالم الإسلامي والسيادة الثقافية المطلقة، وعندما ينشأ أي شعور بالخطر من جانب واحد أو أكثر من هذه الأطراف، تُحوّل الجمهورية توازنها نحو الجوانب الأخرى، وفي الآونة الأخيرة كان هذا الشعور بالتهديد قادمًا من سوريا والغرب.
وأكد العقيد ريتش أوتزن أن الذي يدعو إلى التفاؤل هو أن بيئة ما بعد الانتخابات ستكون بطبيعتها أكثر مرونةً بالنسبة لأردوغان وباقي الأطياف السياسية في تركيا، فضلًا عن أن «حزب العدالة والتنمية» منظم جيدًا ويُنظر إليه على أنه منظمة بإمكانها إدارة الدولة، كما أن أحزاب المعارضة ليست كبيرةً بما يكفي للتغلب على «حزب العدالة والتنمية» رأسًا برأس.
وتوقع أوتزن أن تركيا ستستمر في تعقيد نفس الأمور الحساسة والصعبة للغاية التي تحاول واشنطن القيام بها في العراق وسوريا؛ حيث لا يزال يتعيّن حل العديد من القضايا الثنائية الصعبة، كأمن الحدود السورية، واحتجاز تركيا للمواطنين الأمريكيين، والمخاوف بشأن حالة الطوارئ الدائمة، وشراء تركيا صواريخ روسية من طراز “أس-400″، حيث لم تصبح أي من هذه الأمور أكثر سهولة مع نتائج الانتخابات.
وأضاف أنه في الوقت نفسه، كان الاتفاق الأخير بشأن خارطة طريق لـ”منبج” بمثابة علامة جيدة على تمكُّن الشريكين من التغلب على الخلافات والتوترات الناجمة عنها والتعاون عن كثب بشأن القضايا الاستفزازية في المنطقة، ومع هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» بمساعدة «وحدات حماية الشعب» وعدم وجود خطر من إنشاء ممر كردي متاخم للحدود الجنوبية لتركيا، تشير التوقعات إلى أن أنقرة ستكبح جماح خطابها العنيف تجاه الغرب بصورة تدريجية.
الحركة القومية
سونر چاغاپتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، ثمَّن دور حزب الحركة القومية كثيرًا في تحليله، وقال: “لولا «حزب الحركة القومية» الذي يتزعمه دولت بهتشلي، لما فاز الرئيس رجب طيب أردوغان و«حزب العدالة والتنمية» الذي يتزعمه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجريت في ٢٤ يونيو؛ فقد تخطّى أردوغان عتبة الـ ٥٠ % وفاز في الانتخابات الرئاسية فقط لأن بهتشلي لم يرشّح منافسًا للرئيس التركي، بل طلب من قاعدته الانتخابية التصويت لصالح أردوغان، وفيما يخص الانتخابات البرلمانية، حصل تحالف «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» على الأغلبية التشريعية.
وأضاف چاغاپتاي أن «حزب العدالة والتنمية» فاز في الانتخابات، ولكن قد يكون «حزب الحركة القومية» القومي المتشدد هو الفائز الأكبر؛ إذ يبدو أنَّ عددًا كبيرًا من ناخبي «حزب العدالة والتنمية» غيروا آراءهم وقرروا التصويت لصالح «حزب الحركة القومية»، مما أدّى إلى زيادة رصيد مقاعده في البرلمان، والأهم من ذلك أنّ أردوغان أصبح الآن مدينًا لـ«حزب الحركة القومية» على الرغم من اكتسابه المزيد من السلطة..
ومن نتائج هذا التحول هو أن النقاش الداخلي في تركيا بشأن القضية الكردية سيصبح أكثر صعوبة، فمن المرجَّح أن تتبنى الحكومة سياسات أكثر صرامةً تجاه كل من «وحدات حماية الشعب» في سوريا وتنظيمها الأم «حزب العمال الكردستاني» في تركيا، ويشمل ذلك انتقادات أكثر شدّةً للشراكة الأمريكية مع «وحدات حماية الشعب».
ومن المرجح أيضًا بحسب سونر چاغاپتاي أن يصبح بهتشلي من أشد المنتقدين للنفوذ الروسي على السياسة الخارجية التركية، نظرًا لأن حزبه يحمل عداوةً قويةً لروسيا، ومن شأن ذلك أن يعقّد جهود أردوغان للحفاظ على تعايش سلمي مع الكرملين حول قضايا مختلفة.
قلق واضح
ليزيل هينتز، أستاذة مساعدة في العلاقات الدولية والدراسات الأوروبية في “كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز”، تعبِّر عن وجهة نظر قلقة من النتائج، ومن جانبها ترى أنَّ هذه الانتخابات لم تكن عادلة أو حرة أيضًا؛ حيث تمّت العملية برُمَّتها في ظل حالة الطوارئ التي طال أمدها، مما حدّ بشكل كبير من حريات المعارضة؛ فبالإضافة إلى التغطية الإعلامية المتحيزة، تم احتجاز أحد مرشحي المعارضة وهو رئيس «حزب الشعوب الديمقراطي» صلاح الدين دميرتاش طوال فترة الحملة الانتخابية، وتم نقل بعض صناديق الاقتراع عمدًا لمنع بعض الناخبين من الوصول إليها، لكنها تؤكد في ذات الوقت أن أردوغان سيظل يسيطر على جزء كبير من الحياة العامة التركية حتى لو قام برفع حالة الطوارئ.
وأضافت هينتز: “مع ذلك، فلا يزال أردوغان قائدًا براجماتيًا، وقد أقام شراكات مع مجموعات عديدة سابقًا، ولكن عندما يتجاوز هؤلاء الشركاء حدودهم (كمناصري جولن، على سبيل المثال) أو يهددون بتقويض سلطته بأي شكل من الأشكال، فإنّه يسارع إلى الانتقام، وعندئذ تتدهور العلاقات بسرعة كبيرة”.
اضف تعليقا