شهدت مدينة إسطنبول التركية اليوم حدثا تاريخيا فريدا من نوعه، حيث تم افتتاح جامع آيا صوفيا الكبير لتقام فيه شعائر صلاة الجمعة، لتكون بذلك أول صلاة تقام في المسجد بعد انقطاع دام لأكثر من 86 عاما، وذلك بعد القرار القاضي بإعادة إحيائه كمسجد مرة أخري.

وفي قرار تاريخي، ألغت المحكمة الإدارية العليا في العاشر من الشهر الجاري قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 24/ تشرين الثاني/ نوفمبر 1934، بتحويل “آيا صوفيا” بإسطنبول من مسجد إلى متحف.

وأحال مجلس الدولة قراره، إلى الرئيس التركي الذي وقع على الفور علي المرسوم الجمهوري الخاص، باعتماد قرار مجلس الدولة، بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد من جديد.

و”آيا صوفيا”، صرح فني ومعماري فريد، يقع في منطقة “السلطان أحمد” بمدينة إسطنبول، واستُخدم لمدة 481 سنة جامعا، ثم تحول إلى متحف في 1934، وهو من أهم المعالم المعمارية في تاريخ منطقة الشرق الأوسط.

وأثار افتتاح مسجد آيا صوفيا فرحة كبيرة لدي عموم المواطنين الأتراك وغيرهم من الجاليات المسلمة، والذين توافدوا منذ الصباح الباكر إلي جامع آيا صوفيا ليشاركوا في شعائر صلاة الجمعة ويعبروا عن سعادتهم الغامرة بهذا الحدث التاريخي.

 

حشود كبيرة

وفي حشد جماهيري كبير، توافد الآلاف من الأشخاص منذ فجر الجمعة، بأعداد كبيرة نحو ساحة مسجد “آيا صوفيا” في مدينة إسطنبول التركية، للمشاركة في أداء أول صلاة فيه منذ 86 عامًا.

واكتظت حديقة مسجد السلطان أحمد وساحة “آيا صوفيا” بالمصلين الذين حضروا مصطحبين معهم سجادات الصلاة، ومرتلين آيات من القرآن الكريم.

كما صدح المحتشدون بصيحات التكبير “يا لله بسم الله.. الله أكبر”.، وهتفوا بشعارات مثل “كسرت السلاسل وفتحت آيا صوفيا”، بجانب شعارات أخري داعمة للرئيس رجب طيب أردوغان الذي حضر إلى آيا صوفيا قبل وقت طويل من إقامة الصلاة.

وبدأ دخول الضيوف والمشاركين إلى مناطق فعاليات افتتاح آيا صوفيا، من الساعة 10 صباحا بالتوقيت المحلي.

وأظهرت لقطات بثها التلفزيون على الهواء مباشرة وصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أردوغان مرتديا الكمامة، للمسجد الذي أشرف بنفسه على تجهيزاته قبل الافتتاح.

وحضر أردوغان قبل بدء خطبة الجمعة بوقت طويل، قبل أن يتلو سورة الفاتحة، بالإضافة إلى الآيات الأولى من سورة البقرة.

ورافق الرئيس التركي رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، في حين استقبله رئيس الشؤون الدنية التركية، علي أرباش.

وقبيل صلاة الجمعة، بدأت رئاسة الشؤون الدينية برنامجاً لتلاوة القران الكريم، والأدعية في المسجد، حيث قرأ أشهر القراء الأتراك سورا من الذكر الحكيم، بدأوها بسورة الكهف، وانتهى البرنامج بدعاء رئيس الشؤون الدينية علي أرباش.

 وكان لافتا الحضور الأمني الكبير في المكان، وإلزام المصلين والمشاركين بلبس الكمامات، وإحضار سجادات الصلاة

وتم تخصيص خمسة أماكن مفتوحة لاستقبال المصلين، اثنين للنساء وثلاثة للرجال.

وحددت ساحة آيا صوفيا وميدان السلطان أحمد وامتداد شارع الباسيليكا للرجال، فيما خصصت حديقة محمد عاكف والمنطقة المجاورة لضريح السلطان أحمد للنساء.

كما حضر عدد كبير من الصحفيين، بينهم أجانب لتغطية الحدث، إضافة إلى العديد من السياح وسط تدابير أمنية.

وضمن التدابير الوقائية تم إنشاء 17 نقطة صحية تضم كادرا طبيا مكونا من 736 شخصا، و100 سيارة إسعاف ومروحية.

 

 حداد في اليونان

وبينما سادت حالة من الفرح في تركيا، شهدت اليونان، الجمعة، حالة “حداد وطني”، كانت السلطات قد أعلنت عنها قبل أيام، بالتزامن مع إقامة أول صلاة في مسجد “آيا صوفيا” في إسطنبول التركية

وظهر الجمعة، بالتزامن مع أداء احتشاد الآلاف من المسلمين لأداء صلاة الجمعة، الأولى في آيا صوفيا، دقت كنائس في اليونان أجراس الحداد

..

ووفق مراقبين فقد مثل قرار أنقرة بإعادة إحياء مسجد آيا صوفيا للصلاة مرة أخري صفعة مدوية لدول ومنظمات أوروبية عدة، كان أبرزها اليونان التي تعتبر نفسها حامية الكنيسة الأرثوذوكسية في العالم.

وقالت الولايات المتحدة الأمريكية أنها تشعر “بخيبة أمل” إثر قرار أنقرة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد مفتوح للصلاة.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية مورغان أورتاغوس: “نحن مدركون لحقيقة أن الحكومة التركية ستلتزم بإتاحة آيا صوفيا لجميع الزائرين، ونتطلع لسماع خطط أنقرة بشأن إشرافها المستمر على آيا صوفيا بما يضمن إمكانية أن يزور الجميع المكان من دون عائق”.

من جهته أبدى الاتحاد الأوروبي، أسفه بشأن قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفتح مبنى آيا صوفيا بإسطنبول للصلاة فيه باعتباره مسجدا.

وقال جوزيف بوريل، كبير مسؤولي السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إن “حكم مجلس الدولة التركي بإبطال أحد القرارات التاريخية لتركيا الحديثة وقرار الرئيس أردوغان بوضع هذا الأثر تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية مؤسفان” .

ووصفت وزيرة الثقافة اليونانية، حكم المحكمة التركية بإعادة آيا صوفيا كسمجد، بـ”استفزاز صريح للعالم المتحضر” على حد وصفها.

بدورها أدانت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، قرار القضاء التركي.

ونقلت وكالة الأنباء الروسية “إنترفاكس” عن المتحدث باسم الكنيسة، فلاديمير ليغويدا، قوله: “نلاحظ أنه لم يتم الإصغاء إلى مخاوف ملايين المسيحيين”.

وشددت على “تعهّد الحكومة التركية السماح للجميع بزيارة آيا صوفيا”، مضيفة “نحن نتطلّع إلى سماع خططها فيما يتعلّق بالإشراف المستمر على آيا صوفيا لضمان بقائها مفتوحة أمام الجميع من دون أي عوائق”.

اتفاقية لوزان

وفي ربط يراه الكثيرون يبتعد عن المصادفة، فقد تزامن عقد أول صلاة في مسجد آيا صوفيا، اليوم الجمعة، بعد 86 عاما من تحويله لمتحف، مع الذكرى السنوية لاتفاقية “لوزان”، التي قادت لاعتراف دولي بالجمهورية التركية بحدودها الحالية.

ووقعت الاتفاقية في 24 تموز/ يوليو 1923، في لوزان في سويسرا، تم على إثرها تسوية وضع الأناضول وتراقيا الشرقية (القسم الأوروبي من تركيا حاليا) في الدولة العثمانية، وذلك بإبطال معاهدة “سيفر”، التي وقعتها الدولة العثمانية نتيجة لحرب الاستقلال التركية بين قوات حلفاء الحرب العالمية الأولى والجمعية الوطنية العليا في تركيا (الحركة القومية التركية) بقيادة مصطفى كمال أتاتورك.

وقالت صحيفة “يني آسيا”، إن قرار إعادة آيا صوفيا لمسجد، جاء بعد حملات خلال سنوات طويلة، لم تنجح، على الرغم من أن ما يقارب من 90 في المئة من المجتمع التركي مع هذا القرار.

وأضافت أن “اتفاقية لوزان ساهمت بانهيار تركيا”، مضيفة أنه “عندما تقرر الاجتماع في لوزان في تشرين الأول/ أكتوبر 1922، لم يتم الإعلان عن الجمهورية بعد، وكانت السلطنة العثمانية باقية، وكان من المفترض أن يكون ضمن الوفد أعضاء من السلطنة، ولكن الجمعية الوطنية الكبرى منعت ذلك، وقررت إلغاء السلطة العثمانية”.

ونقلت الصحيفة تصريحات سابقة لوزير الخارجية البريطاني الأسبق، اللورد كيرزون (1919- 1924)، قوله، إنه “إذا تحللت تركيا من هويتها الإسلامية، ودورها كتكتل إسلامي، فإنها ستكسب احترام وامتنان العالم المسيحي”.

وأشارت إلى أن تركيا شهدت بعد لوزان تغيرات كثيرة، وقضية “آيا صوفيا”، التي يرغب معظم الأتراك إعادتها لمسجد، كان لا يمكن التفكير بها دون إدراج تلك التغيرات الناجمة عن الاتفاقية.

يذكر أن الرئيس التركي، أثناء زيارته لليونان عام 2017، قال إن معاهدة “لوزان” الموقعة بعد الحرب العالمية الأولى، تنص على تفاصيل دقيقة ما تزال غير مفهومة حتى الوقت الراهن، مشيرا إلى ضرورة تحديثها.