العدسة – معتز أشرف

في مفاجأة مدوية، تقدمت شعارات التغيير ومكافحة الفساد على وكلاء إيران في العراق، وتصدر تحالف الرمز الشيعي “مقتدى الصدر” مع القوى العلمانية “تله هادي العامري”، قائد فصيل «الحشد الشعبي»، بينما جاء رئيس الوزراء “حيدر العبادي” في المركز الثالث، في حين كان الخاسر الأكبر “نوري المالكي” الذي يقود قائمة ائتلاف «دولة القانون»، وهو ما أحدث ارتباكًا في سدة القرار الإيراني، ظهر في تصريحات علنية بالتدخل، قابلها استباق من جامعة الدولة العربية للصراع المحتمل، وهو ما نرصد مؤشراته ومظاهره.

تقدم “الصدر”

مؤشرات شبه نهائية تواترت وسط ضيق الكتل الخاسرة عن تقدم تحالف الرمز الشيعي “مقتدى الصدر” مع القوى العلمانية، حيث كشفت مصادر عدة في المفوضية العليا للانتخابات عن تقدم تحالف «سائرون» الذي يقوده “الصدر”، وذلك بعد فرز أكثر من نصف الأصوات، وبعد فرز أكثر من ٩٥٪ من الأصوات في عشر من محافظات العراق الثماني عشرة، جاءت في المركز الثاني كتلة هادي العامري قائد فصيل «الحشد الشعبي»، بينما جاء رئيس الوزراء حيدر العبادي في المركز الثالث في حين كان الخاسر الأكبر نوري المالكي، الذي يقود قائمة ائتلاف «دولة القانون».

وأظهرت النتائج بشكل غير متوقع، بحسب المراقبين، تراجع “المالكي” الذي كان يُوصف بأنه منافس خطير للعبادي، ومع ذلك فإن ترتيب هذه الكتل يمكن أن يتغير لأنه لم يتم بعد إعلان النتائج من ثماني محافظات، من بينها نينوى، التي تحظى بثاني أكبر عدد من المقاعد بعد بغداد، وكان العبادي قبل الانتخابات يعتبر المرشح الأوفر حظًّا للفوز، وكان يُنظر إلى المالكي والعامري على أنهما منافساه، وكلاهما أقرب لإيران منه، وسيمثل فوز “الصدر” أو احتلاله المركز الثاني -بحسب محللين- عودة مفاجئة لرجل الدين الذي يحظى بشعبية كبيرة بين الشبان والفقراء والمعدمين، لكن شخصيات شيعية مؤثرة أخرى تدعمها إيران مثل العامري عملت على تهميشه، وهو ما رد عليه الصدر بتحالف غير معتاد مع شيوعيين ومستقلين يناصرون العلمانية وانضموا لاحتجاجات نظمها في عام 2016 للضغط على الحكومة من أجل القضاء على الفساد، مستغلًّا بريق أسرته الديني؛ فوالده آية الله العظمى، محمد صادق الصدر، قُتل عام 1999 لمعارضته صدام حسين، كما قتل صدام ابن عم والده محمد باقر الصدر عام 1980.

وأظهرت وثيقة مسربة فوز “الصدر” في التصويت، وحصوله على أكثر من ١.٣ مليون صوت، و٥٤ من مقاعد البرلمان، وعددها ٣٢٩ مقعدًا، وجاء العامري في المركز الثاني بحصوله على أكثر من ١.٢ مليون صوت، و٤٧ مقعدًا في البرلمان، ثم “العبادي” الذي حصل على أكثر من مليون صوت و٤٢ مقعدًا.

خسارة إيران

سقطت إيران في صناديق العراق، وفق القراءة الأولية في النتائج شبه النهائية، وأظهرت لقطات مصورة من مناطق متفرقة في بغداد، آلاف الأشخاص وهم يعبرون عن فرحهم بتقدم تحالف «سائرون» بقيادة الصدر، الذي خاض الانتخابات ضد نوري المالكي الذي يعتبره المراقبون الخاسر الأكبر في هذا السباق، و يحظى بدعم إيران، وردد المحتفلون هتافات بينها «إيران برة» و«باي باي (وداعا) المالكي».

هذه الخسارة المفاجئة لحلفاء إيران في العراق، دفعت المتحدث الإعلامي باسم مكتب زعيم “ائتلاف دولة القانون” في العراق “مكتب المالكي“، إلى التقدم بشكوى إلى المفوضية العليا للانتخابات، بشأن نتائج الانتخابات، وتابع الركابي أن الائتلاف بيّن في شكواه أن الانتخابات لم تكن وفق تصوراتهم، حسب وكالة الأنباء العراقية، وأضاف الركابي أن “نتائج الانتخابات لم تكن وفق تصوراتنا لأن شعبية دولة القانون وحضورها الجماهيري أكبر من هذا المستوى، غير أنه أوضح حدوث “خروق في العملية الانتخابية، وعمليات تهديد ووعيد للناخب العراقي والضغط على خياراته”، كما طالبت أربعة أحزاب في إقليم كردستان العراق، بإعادة عملية الانتخابات في الإقليم والمناطق المتنازع عليها، إلا أن أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية استبق التحركات الغاضبة لحلفاء إيران، وأعلن تهانيه للعراق، رئيسًا وحكومة وشعبًا، بمناسبة إجراء الانتخابات بنجاح، معربًا عن الأمل في أن تفضي إلى تشكيل حكومة في المواعيد الدستورية المحددة، تعمل على ترسيخ الوحدة الوطنية وتعزيز روح المواطنة والمصالحة الوطنية بما يضمن وحدة واستقرار العراق، وكذلك الشروع في إعادة الإعمار في إشارة إلى رفض الجامعة إجراءات لعرقلة النتائج.

وبحسب وكالة “رويترز”، فإن خسارة حلفاء طهران قد يكون لها توابع واسعة، ومنها أن مقتدى الصدر قد يلاقي مصير إياد علاوي ذاته بانتخابات 2010، وأكدت الوكالة أن الفوز بأكبر عدد من المقاعد لا يضمن تلقائيًّا أن يتمكن “الصدر” من اختيار رئيس الوزراء، مشيرة إلى تصريح “علي أكبر ولايتي” مستشار المرشد الإيراني، عندما أكد أن بلاده لن تسمح لليبراليين والشيوعيين بحكم العراق، إلا أن مراقبين يرون أن إيران التي تتعرض لضغوط بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، تواجه اختبارًا كبيرًا وجادًّا في التعامل مع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، خصمها القوى الذي تغلب على حلفائها القدامى، ليحقق نصرًا مفاجئًا في الانتخابات البرلمانية بالعراق.

وفي تحليل لوكالة رويترز، فإنه إذا أفرطت طهران في الثقة بإبعاد “الصدر” عن حكومة ائتلافية يهيمن عليها حلفاؤها، فهي تخاطر بفقدان النفوذ بإثارة صراع بين الشيعة الذين تدعمهم من جانب، والموالين لـ”الصدر” من جانب آخر، خاصة أن “الصدر” خرج من الانتخابات البرلمانية في الصدارة بالاستفادة من الاستياء الشعبي المتنامي الموجه لإيران، وما يقول بعض الناخبين إنه فساد في صفوف النخبة السياسية التي تقاعست عن مساعدة الفقراء، غير أنه من المستبعد أن تتخلى إيران عن نفوذها في العراق، أهم حلفائها في الشرق الأوسط، وستعمل على تشكيل ائتلاف يحفظ مصالحها، كما أنه من المستبعد لدى “الصدر” أن يتوصل إلى ترضية مع إيران، خاصة أنه بعد إعلان نتائج الانتخابات قال “الصدر” إنه لن يتعاون إلا مع رئيس الوزراء حيدر العبادي والأكراد والسنة.

صراع جديد

هو صراع جديد إذن، تواجهه إيران في قلب العاصمة التي طالما سيطرت عليها بعد إسقاط أمريكا للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وتذهب آراء لمراقبين إلى القول إنه ربما تعتمد إيران بدرجة أكبر على “العامري”، الذي أمضى 20 عامًا من حياته في إيران معارضًا لصدام ويتحدث الفارسية، حيث يتحكم في مناصب كبرى في وزارة الداخلية وقوات الأمن، من خلال منظمة بدر التي يرأسها، فيما يرجح أن يحاول “الصدر” تخفيف قبضة حلفاء إيران على الأجهزة الأمنية ومؤسسات الحكم الأخرى، ويسعى للحصول على دور رئيسي في الحكومة.

الاستقلال وشعاراته ستكون فيما يبدو أحد أدوات “الصدر” لمواجهة إيران، خاصة أنه منذ فترة طويلة يعارض “الصدر” -الذي يصور نفسه على أنه وطني عراقي- التدخل الأجنبي في البلاد، سواء كان من الغزاة الأمريكيين أو وكلاء يعملون لحساب إيران، ورغم معارضة “الصدر” -الذي لا يمكن التنبؤ بقراراته- للنفوذ الإيراني، فقد اختار أن يعيش في إيران في منفاه الاختياري، ثم ظهر فجأة في العام 2003، وكون فصيلًا مسلحًا لمحاربة الأمريكيين، ويوصف في دوائر غربية بأنه شخصية “من الصعب للغاية استشفافها”، وليس من الواضح كيف سيسعى “الصدر” لاستغلال فوزه في الانتخابات حتى الآن، خاصة أن البعض يتحدث عن ضرورة تحاشي تطور الأمر إلى صراع .

“الصدر” لم يترك الحبل على الغارب، وقال في تغريدات على حسابه الرسمي على “تويتر”: “لن تكون هناك (خلطة عطار)، مقبلون على تشكيل حكومة تكنوقراط ،تكون بابًا لرزق الشعب، ولا تكون منالًا لسرقة الأحزاب.. كلا للهيئات الاقتصادية، وعلى الرغم من خلافاتنا.. فلنبحث عن مشتركاتنا، ومن دون التنازل عن ثوابتنا.. إذن (فلنتحاور)، لذا أدعو زعماء التحالفات الجديدة للاجتماع، وبابي مفتوح ويدي ممدودة لأجل بناء عراقنا وتشكيل حكومة تكنوقراط نزيهة وأبويّة، #رمضان_يجمعنا #العراق_يجمعنا #الإصلاح_هدفنا”.