كشف موقع “ميدل إيست آي” في تقرير نشره مساء الأربعاء أن محمد بن زايد -ولي عهد أبو ظبي- بذل محاولات مضنية الفترة الماضية للضغط على الرئيس السوري بشار الأسد لكسر اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا مع قوات المعارضة المدعومة من تركيا في محافظة إدلب.

وأوضح التقرير أنه في الأشهر الأخيرة، حققت قوات الأسد المدعومة بالقوات الجوية الروسية مكاسب كبيرة ضد الجماعات المتمردة والمعارضة في شمال غرب إدلب في سوريا، مما أسفر عن مقتل المئات وإجبار نحو مليون مدني على الفرار والنزوح نحو الحدود التركية.

الهجمات السورية/الروسية دفعت الجيش التركي للتدخل في فبراير/شباط الماضي، مما ساعد على موازنة الصراع حتى تم وقف العنف وإطلاق النار بهدنة بوساطة موسكو الشهر الماضي.

وذكر التقرير أنه رغم ذلك، لم تتوقف مساع محمد بن زايد لمنع تنفيذ اتفاق “وقف إطلاق النار” المبرم بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومنذ ذلك الحين واتصالاته مستمرة بالأسد لتشجيعه على إعادة شن الهجوم وخرق اتفاق “وقف إطلاق النار”.

وبين الموقع أنه قبل أيام من إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في اجتماع استمر أربع ساعات ونصف الساعة في الكرملين في 5 مارس/آذار، قام ابن زايد بإرسال علي الشمسي، وهو نائب شقيقه مستشار الأمن القومي طحنون بن زايد، إلى دمشق للتفاوض مع الأسد حول ذلك الأمر.

ووفقًا لمصادر تحدثت لـ “ميدل آيست آي”، وهي مطلعة على خطة محمد بن زايد، وافق ولي العهد على دفع 3 مليارات دولار للأسد مقابل إعادة إشعال الهجوم على إدلب، آخر معقل للمتمردين، حيث كان من المقرر دفع مليار دولار فقط قبل نهاية مارس/آذار، ولكن مع تطور الأوضاع تم مضاعفة المبلغ، والذي كان قد دفع منه بالفعل 250 مليون دولار مسبقًا.

تم التفاوض على الصفقة في سرية تامة، مع الحرص على ألا تصل بنودها إلى أي جهة وخاصة الولايات المتحدة، حيث دعمت واشنطن جهود الجيش التركي لمواجهة قوات الأسد في إدلب، وأعربت بالفعل عن غضبها من ولي العهد بشأن الإفراج عن 700 مليون دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في أكتوبر/تشرين الأول.

وفي كواليس الصفقة، قال مصدر رفيع المستوى لـ “ميدل إيست آي”، أنه خلال اشتباكات إدلب، التقى الشمسي ببشار الأسد وطلب منه عدم التوصل إلى اتفاق مع أردوغان بشأن وقف إطلاق النار، وقد حدث هذا قبل لقاء أردوغان مع بوتين، وكان رد الأسد بأنه يحتاج إلى دعم مالي.

وتابع المصدر “قال الأسد إن إيران توقفت عن الدفع لأنهم لا يملكون أموالا، والروس لا يدفعون بأي حال؛ لذا طلب 5 مليار دولار من الدعم المباشر لسوريا”، وأضاف المصدر أنهم اتفقوا في النهاية على دفع 3 مليارات دولار، منهم مليار دولار يُدفع قبل نهاية مارس/آذار.

وبحسب المصدر، فإنه عندما بدأ الأسد في إعادة بناء قواته للضغط على المواقع التركية في إدلب، استمر الروس في مراقبة التحركات العسكرية.

أرسل بوتين وزير دفاعه، سيرجي شويغو، في زيارة غير مخطط لها إلى دمشق للضغط على الحكومة السورية لوقف هجماتها التي شنتها مرة أخرى.

وعلق المصدر على هذه الزيارة قائلاً ” كانت الرسالة التي أرسلها شويغو واضحة: لا نريدك أن تعيد هذا الهجوم”، وقال المصدر إن روسيا تريد استمرار وقف إطلاق النار.

وبحلول ذلك الوقت كان الإماراتيون قد دفعوا بالفعل 250 مليون دولار لدمشق.

من ناحيته، أكد مسؤول تركي رفيع المستوى أن الإمارات قدمت هذا العرض للحكومة السورية، وأضاف المسؤول “كل ما يمكنني قوله هو أن محتوى التقرير صحيح”.

عيون على طرابلس

أخبرت مصادر “ميدل إيست آي” أن محمد بن زايد استمر في محاولاته لدفع الأسد لكسر وقف إطلاق النار حتى بعد زيارة شويغو، كما تسليم دمشق دفعة ثانية من المليار دولار الأول.

وبحسب تقرير “ميدل إيست آي”، فإن دوافع ولي العهد لدفع الأسد لإعادة شن هجومه كانت ذات شقين:

أولاً، أرادت أبو ظبي ربط الجيش التركي في حرب مكلفة في شمال غرب سوريا، خاصة وأن تركيا كانت قد شنت لتوها هجومها الرابع على البلاد، بعد أن قتلت القوات الحكومية السورية 34 جنديًا تركيًا في 27 فبراير/شباط، وهو اليوم الأكثر دموية لأنقرة في النزاع المستمر منذ تسع سنوات.

ثانيًا، أراد محمد بن وإلهاء أردوغان والجيش التركي عن الدفاع عن طرابلس في مواجهتها قوات خليفة حفتر في ليبيا، حيث أكدت أنقرة مؤخرًا على دعمها حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

بمجرد أن قام شويغو بقمع محاولات الإمارات لكسر وقف إطلاق النار، أصبح الشغل الشاغل لمحمد بن زايد ضمان عدم تسرب الخطة إلى الأمريكيين، خاصة وأنه كان بحاجة لتبرير أسباب إعطائه تلك الأموال، بالإضافة إلى الضجة التي حدثت حول تجميد الأصول الإيرانية، وعليه استمر محمد ابن زايد في محاولاته إقناع الحكومة السورية وبشار الأسد بخرق وقف إطلاق النار.

محمد بن زايد و بشار الأسد

المحادثات والمفاوضات لم تستمر في سرية كثيراً، حيث تم إذاعة أنباء حولها، وعليه رد محمد بن زايد على تويتر قائلاً “أؤكد للأسد دعم الإمارات واستعدادها لمساعدة الشعب السوري… التضامن الإنساني خلال الأوقات العصيبة يحل محل كل الأمور، ولن تقف سوريا وشعبها بمفردهما “.

كانت العلاقات الحارة بين الإمارات العربية المتحدة والحكومة السورية علنية لبعض الوقت، على الرغم من أن الإماراتيين دعموا المعارضة عندما اندلعت الحرب عام 2011، إلا أنها أعادت العام الماضي فتح سفارتها في دمشق، وبذل المسؤولون جهودًا للتحدث عن إعادة العلاقات بلغة الانفتاح بشكل متزايد.

كانت المحادثة بين ولي العهد والرئيس السوري أكثر من مجرد استمرار لهذا الاتجاه، ومع ذلك، نشأت شكوك حول الطبيعة الحقيقية لدعوة محمد بن زايد للرئيس السوري.

أرادت محمد بن زايد إعطاء الانطباع بأن دعوته كانت متضامنة مع سوريا في مواجهة تفشي فيروس كورونا، وبحسب المصادر، كان الدافع الرئيسي لولي العهد هي رغبته في توريط الجيش التركي في إدلب هو الوضع في ليبيا، خاصة وأن التدخل التركي في ليبيا جمد خطط الإمارات هناك، حيث تعطل الهجوم الذي استمر عامًا على طرابلس، والذي شنته قوات الجيش الوطني الليبي المدعومة من دولة الإمارات العربية المتحدة، بسبب انتشار أنقرة للطائرات بدون طيار والقوات التركية.

بالنسبة لبوتين، الذي يدعم أيضًا حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، فقد تفوق تحالف روسيا الاستراتيجي مع تركيا على جميع الاعتبارات الأخرى، وكان الحفاظ على وقف إطلاق النار في إدلب أكثر أهمية.

اقرأ أيضاَ: بذريعة كورونا.. قطار الإنسانية الإماراتي يواسي إيران والأسد لكنه يتجاهل حصار قطر!