رغم التحقيقات التي أجريت منذ الفض الدموي للاعتصام السلمي في الخرطوم 2019، لا زال العديد من العائلات تجهل مصير أقاربها المختفين.

تحت هذه الكلمات نشرت مجلة “لوبوان” الفرنسية تقريرا عن المأساة التي يعيشها أهالي مئات الأشخاص المفقودين بعد فض اعتصام القيادة العامة للجيش بالقوة يوم الثالث من يونيو/حزيران قبل عامين.

وقالت المجلة “لا يتوانى السودانيون عن السعي لحل لغز اختفاء العديد من الأشخاص إثر القمع الدموي الذي صاحب تفكيك الاعتصام السلمي في قلب الخرطوم “.

وذكرت أنه من المتوقع أن يقوم خبراء أرجنتينيون في بداية يوليو/ تمو بفحص الجثث المخزنة منذ 2019 في المشارح، وكذلك تلك التي تم العثور عليها في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي في مقبرة جماعية.

 

ألم يومي

ووفقا للمجلة كان أخر مرة شاهدت فيها منى إبراهيم، ابنها نجم الدين آدم، صباح 3 يونيو/ حزيران 2019، فمنذ الاعتصام السلمي الذي بدء يوم 6 أبريل/ نيسان 2019 أمام مقر قيادة الجيش السوداني للمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين، ظل طالب الهندسة المدنية البالغ من العمر 21 عامًا موجودا في الموقع.

وقالت الأم التي تعمل معلمة في مدرسة ابتدائية للمجلة “كنت خائفة حينها عليه، لكنني لم أستطع منعه من الذهاب. لأنه لم يصغ إليّ”، وأخرجت صورة بالأبيض والأسود على هاتفها يظهر فيها وجه ابنها الشاب عن قرب محاطًا باثنين من أصدقائه.

ونوهت “لوبوان” بأنه على غرار العشرات من المتظاهرين اختفى نجم الدين آدم خلال اعتصام القيادة العامة الذي جمع مواطنون من شتى أنحاء البلاد للحديث عن الديمقراطية، وأعدوا الطعام معًا لتناول الإفطار في شهر رمضان، وعلموا أطفال الشوارع القراءة والكتابة. 

وأشارت إلى أنه خلال فض الاعتصام قُتل ما لا يقل عن 127 مدنياً وجرح العشرات أو اغتُصبوا في ذلك اليوم، ورغم مرور عامين، لم تتم محاكمة المسئولين عن هذه المجزرة، كما لم يتم الانتهاء من فحص الجثث، بانتظار وصول الخبراء الأرجنتينيين.

 

فحوص مرعبة

وبينت المجلة أن الوضع القائم أصبح عذابا حقيقيا لأهالي المفقودين، فعندما علمت والدة نجم الدين آدم بتفكيك الاعتصام، سارت من منزلها الذي يبعد نحو ثلاثين كيلومترًا إلى العاصمة، برفقة ابنها الآخر وإخوتها الذكور والإناث وأبناءهم.

وتتذكر منى إبراهيم قائلة “وجدنا المكان رأسا على عقب، تم تدمير كل شيء. وما بين المكالمات الهاتفية والأسئلة لكل شخص قابلته، أدركت أن حوالي 100 عائلة كانت تبحث أيضًا عن أولادها”.

ومن خلال التواصل عبر الشبكات الاجتماعية وإعداد مجموعات عبر تطبيق “واتس آب” تم العثور على عدد من المفقودين، لكن دون أن تتمكن منى إبراهيم من معرفة مصير ابنها، تكتب المجلة.

وأضافت والدة نجم الدين آدم “قضينا الشهر الأول في البحث عنه في المستشفيات والمشارح ومراكز الشرطة، لم نذهب حتى إلى المنزل لتناول الطعام، وحتى اليوم، لم نتوقف أبدًا عن البحث عنه”، لكنا مطمئنة، بعد رؤية في المنام فسرها نحو عشرون شيخًا، بأن ابنها على قيد الحياة.

وتابعت والدة الشاب الذي لم تسمع عنه أي أخبار جديدة ” تم إلقاء العديد من شباب الاعتصام في السجن، يمكن أن يكون ولدي في أي مكان”.

لكن ما يقلقها أنها لا تثق في اللجنة الرسمية، التي تم تشكيلها في سبتمبر/ أيلول 2019، لتسليط الضوء على حالات الاختفاء هذه، بالتوازي مع تشكيل لجنة ثانية تختص بالتحري والتحقيق حول اختفاء أشخاصٍ من ساحة الاعتصام أثناء قيامه أو بعد فضّه، وتضم 14 عضواً، إلى جانب ممثلين لمبادرة مفقود، وممثلٍ عن أسر المفقودين.

وتضيف منى إبراهيم “التقينا بأعضائها لقد وعدونا بأنهم سيبحثون عن أولادنا، لكنهم لم يعثروا على أي شخص حتى الآن، وتم تجميد فحص التعرف على الجثث المجهولة الهوية التي وصلت إلى المشرحة بأمر من رئيس لجنة المفقودين المحامي الطيب العباسي.

ويرفض العباسي الاعتماد على الأطباء الشرعيين السودانيين لأسباب فنية وأيضا بسبب “الروابط التي تجمع معظمهم مع الأجهزة الأمنية التي تواصل العمل مع النظام السابق”. 

ولذلك تم الاحتفاظ بالجثث التي يحتمل أن تعود للمفقودين في 3 يونيو/ حزيران، في مشرحتين بالخرطوم وبلدة أم درمان المجاورة، حتى 2 يوليو/ تموز موعد وصول أربعة أو خمسة خبراء من “فريق أنثروبولوجيا الطب الشرعي الأرجنتيني” وهي منظمة غير حكومية متخصصة في فحص جثث المفقودين لإعادتهم إلى ذويهم.

 

خطر حقيقي

ويضيف الطيب العباسي “سيمضون نحو أسبوعين في السودان لتدريب الأطباء السودانيين. عملهم سيركز على الجثث المخزنة في المشرحة والجثث الموجودة في المقبرة الجماعية المكتشفة، في أم درمان، في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي بفضل تحقيقات اللجنة التي يرأسها، وسيستغرق ظهور النتائج شهرين على الأقل.

وبحسب المجلة الفرنسية فإن المساهمة المرتقبة لهذه البعثة الأرجنتينية، التي تمولها جامعة كولومبيا في نيويورك، هي موضع ترحيب الكثيرين.

ومنذ أن اكتشف الأهالي، في أبريل/ نيسان، أن ما يقرب من 200 جثة تعرضت للتحلل، بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم ملاءمة الثلاجات، بدأ السكان اعتصامًا بالقرب من أحد مشارح العاصمة وتحفظوا على المفاتيح لضمان عدم نقل أي جثة قبل التشريح.

ووفقا للطيب العباسي، على الرغم من أن تحلل الأنسجة لن يؤثر على عينات الحمض النووي المأخوذة من الهيكل العظمي والأسنان، فإن هذا الأمر سيؤثر على الأدلة المتعلقة بالإصابات المحتملة، مما سيحد من إمكانية تحديد أسباب الوفاة. 

وتؤكد المجلة أنه من المستحيل معرفة عدد الجثث التي تم إخفاؤها بالفعل بعد تفكيك الاعتصام، وبحسب رئيس لجنة التحقيق، فإن حوالي أربعين عائلة تبحث رسميًا عن أولادها الذين اختفوا في ذلك التاريخ، بينما تساعد مبادرة المواطنين نحو عشرين منهم. 

كما يدرك الجميع أنه من الممكن تم إخفاء مئات آخرين، وربما لن يسال أحد عليهم أبدًا لأنهم جاءوا من دول محيطية أو أنهم بلا أهل. 

في المقابل منى إبراهيم تعد الأيام من أجل معرفة نتائج الخبراء الأرجنتينيين، القادرون وحدهم على كشف الحقيقة، لكنها مقتنعة بأن “الحكومتان مسؤولتان عن اختفاء ابني، النظام السابق الذي تسبب في اختفائه، والنظام الحالي الذي لم يفعل شيئًا لمساعدتنا في العثور عليه. “

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا