يُبقي التصميم التركي على إعدام المتورطين في محاولة الانقلاب فرص وقوعهم تحت المقصلة واردًا، فيما تنتعش فرص تسلم المعارض “فتح الله كولن” من أمريكا.

فصل جديد من فصول محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، بأحكام قضائية أصدرتها محاكم تركية بحق بعض المتهمين بمحاولة اغتيال الرئيس رجب طيب أردوغان التي وقعت مساء 15 يوليو 2016.

محكمة تركية قضت، الأربعاء 4 أكتوبر الجاري، بالسجن المؤبد 4 مرات مع الأعمال الشاقة على ضابط برتبة عميد ورائد وضابط صف، فيما أمرت بالسجن المؤبد مع الأعمال الشاقة على “علي يازجي” المرافق العسكري السابق لأردوغان، ثم خفضت المدة إلى 18 عامًا لاقتصار دوره على تقديم الدعم.

مقصلة الإعدام

وشهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول منتصف يوليو 2016، محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر محدودة من الجيش، قالت تركيا إنهم يتبعون منظمة “فتح الله كولن” المصنفة إرهابية والمسماة “الكيان الموازي”، حاولت خلالها السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها الأمنية والإعلامية، واغتيال أردوغان.

” قائد الإنقلاب التركي – الجنرال أكين أوزتورك “

ولم تصدر بعد أحكام قضائية بحق 221 متهمًا بالمحاكمة الرئيسية في محاولة الانقلاب، والتي انطلقت مايو الماضي، ويحاكم “كولن” من بين متهميها غيابيًا، ومن بين المتهمين أيضا “أقين أوزتورك” القائد السابق للقوات الجوية.

وعلى الرغم من عدم صدور أحكام بالإعدام، نظرًا لعدم تفعيل العقوبة إلى الآن، لكن تبقى المقصلة تهدد المتهمين بمحاولة الانقلاب، وسط إصرار من جانب أردوغان على ضرورة أن يعيد البرلمان عقوبة الإعدام.

” فتح الله كولن “

وفي يوليو الماضي، أكد أردوغان أنه “لن يتردد لحظة في التصديق على إعدام المشاركين في العملية الفاشلة” لكنه رهن ذلك بموافقة البرلمان التركي.

ويبدو الأمر قريبًا للغاية، خاصة بعد أن أحكم أردوغان قبضته على السلطة، بعد الموافقة على استفتاء التعديلات الدستورية في أبريل الماضي، والتي منحته سلطات واسعة.

هذه السلطات ربما تقوي شوكة أردوغان على تحدي أوروبا وإعادة إقرار عقوبة الإعدم، التي أعلنت دول كثيرة رفضها، وربطتها بفقدان أنقرة فرص دخولها الاتحاد الأوروبي للأبد.

خريطة الهاربين وعقبات الاسترداد

ولعل تلك الأحكام القضائية أعادت إلى الأذهان أزمة هروب المئات من المشاركين في محاولة الانقلاب إلى العديد من دول العالم، وتواجه أنقرة صعوبات كثيرة في سبيل استعادتهم.

خريطة هروب هؤلاء تتصدرها ألمانيا، حيث أعلنت في فبراير الماضي أنها تلقت طلبات من 136 مواطنًا تركيًا يحملون جوازات سفر دبلوماسية للحصول على حق اللجوء إليها منذ محاولة الانقلاب الفاشلة.

” أردوغان يطالب بتسليم الهاربين خارج البلاد “

وحثت الحكومة التركية برلين على عدم منح حق اللجوء لأي من العسكريين الهاربين بعد محاولة الانقلاب، وبينهم عدد من العسكريين الأتراك العاملين في قاعدة عسكرية تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في ألمانيا.

كما طالبت أنقرة السلطات الألمانية بتسليم قضاة ومدعين أتراك هاربين إلى أراضيها بعد محاولة الانقلاب.

وربما تكون الأزمة السياسية التي تضرب العلاقات بين البلدين منذ الاستفتاء التركي هي العائق الأكبر أمام تسلم تركيا للهاربين هناك، فضلًا عن طلبات اللجوء السياسي التي تمكنهم من إثبات تعرض حياتهم للخطر حال عودتهم لتركيا.

وفي يناير الماضي، رفضت المحكمة العليا في اليونان طلب تركيا بشأن تسليمها 8 ضباط أتراك هربوا للأراضي اليونانية في أعقاب الانقلاب الفاشل.

كما نقلت تقارير إعلامية، عن مصادر في قيادة المعارضة السورية أن مجموعة ضباط أتراك شاركوا في محاولة الانقلاب، وبينهم الطيار الذي قصف البرلمان التركي بأنقرة، هربوا إلى سوريا، بعضهم فر إلى مناطق يسيطر عليها جيش النظام، وآخرون إلى مناطق خاضعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، المصنف إرهابيًا لدى السلطات التركية.

وذكر موقع “خبر 7” التركي، أن 3 عمداء و60 جنديا من منفذي المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا، هربوا إلى مناطق حزب العمال الكردساني “بي كي كي” في شمالي العراق.

وكشفت صحيفة تركية العملية الأبرز في مسألة هروب المتهمين بمحاولة الانقلاب، والتي قالت إن الاستخبارات الأمريكية والألمانية متورطتان في تهريب “عادل أكسوز” الذي يعد ثاني أبرز قادة الانقلاب المدنيين.

وبحسب الصحيفة، هرب “أكسوز” عقب محاولة الانقلاب من أنقرة إلى إسطنبول، ثم توجه إلى مدينة صكاريا ومنها إلى قونيا حيث جرى نقله في طائرة عسكرية بشكل سري من قاعدة الناتو في المدينة إلى ألمانيا التي استقر فيها.

” دولة الإمارات “

وتبقى أكثر وجهات المتورطين إثارة للجدل هي دولة الإمارات، التي لم تكشف رسميًا عن تواجد فارين أتراك فيها، لكن الأمر كُشف في أعقاب اندلاع الأزمة الخليجية والموقف المساند لقطر الذي اتخذته أنقرة.

” بن زايد “

موقع “ميدل إيست أي” البريطاني كشف أن الإمارات عرضت على تركيا صفقة يُسلَّم فيها أعضاء من جماعة فتح الله كولن إلى أنقرة مقابل أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين الإماراتيين.

ولم يتضح بعد إذا كان هؤلاء فروا في أعقاب محاولة الانقلاب، أم كانوا يقيمون في الإمارات قبل ذلك.

 صفقة مقايضة “كولن”

ويبدو أن تركيا فقدت كثيرًا من الأمل في تسلم “كولن” من الولايات المتحدة حيث منفاه الاختياري، فلجأت مؤخرًا إلى اقتراح صفقة تبادل يتم بمقتضاها تسليم كولن المقيم في أمريكا منذ عام 1999، مقابل إفراج تركيا عن قس أمريكي محتجز في أراضيها منذ 2016.

وفي خطاب متلفز قال أردوغان: “يطلبون إعادة القس، لديكم الداعية كولن هناك، سلموه إلينا وسنحاكم برانسون ونعيده إليكم”.

وأُوقف القس الإنجيلي مع زوجته نورين للاشتباه بقيامهما بأنشطة “ضد الأمن القومي”، قبل الإفراج عن الزوجة بعد فترة قصيرة وتوجيه التهمة إلى الزوج فقط في ديسمبر الماضي بالانتماء إلى حركة كولن.

” أردوغان يطالب أمريكا بتسليم كولن مقابل قس أمريكى محتجز “

وفي أكتوبر الماضي، أعلن وزير العدل التركي “بكر بوزداغ” أن بلاده أعدت ملفًا بالأدلة لتقدمه إلى السلطات الأمريكية من أجل تسليمها “كولن”، وحذرت واشنطن من المماطلة بهذا الخصوص.

وتقول واشنطن إنها لن تسلم الرجل إلا إذا قدمت تركيا أدلة على تورطه في المحاولة الانقلابية الفاشلة.

وعلى الرغم من هذا فلم تفقد تركيا أملها، حين قال السفير التركي في واشنطن، يوليو الماضي، إنه “يحسّ استعدادًا من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتقدم في قضية تسليم كولن”، لكنه استدرك بالقول إن “المسار البطيء للإجراءات يخلق الإحباط”.

” أردوغان و ترامب “

وثمة مؤشرات على انفراجة محتملة في أزمة تسليم “كولن”، ربما يكون آخرها اللقاء المغلق بين ترامب وأردوغان على هامش فعاليات الدورة الـ72 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك سبتمبر الماضي.

ترامب وصف العلاقات التي تربط الولايات المتحدة مع تركيا بأنها “علاقات صداقة ممتازة، تجاوزت درجة غير مسبوقة من التقارب”، فيما قال إن معرفة شخص مثل أردوغان هي “شرف عظيم وميزة كبيرة”.