العدسة – معتز أشرف:
هي نكبة جديدة في إطار صفقة كبرى تدعى صفقة القرن، لكن في المشهد بطولات الأهالي التي ترسم حب الوطن بصمود مذهل ومشرِّف في مواجهة جرافات العدو الصهيوني التي لا تعرف إلا الهدم ومسح التاريخ والحقوق.
نرصد مشاهد الساعات الأخيرة في الخان الأحمر وتفاصيل المأساة وردود الأفعال.
10 سنين مقاومة
نقطة البداية لسرد المأساة وملحمة الصمود المستمرة منذ 10 سنوات، ستكون من الأمم المتحدة، وتحديدًا من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين؛ حيث أصدر في 3 يوليو الجاري تحذيرًا أمميًا كاشفًا للنكبة التي تضرب فلسطين مجددًا، وحذّر من هدم السلطات الإسرائيلية لتجمع الخان الأحمر- أبو الحلو البدوي الفلسطيني- وذكر في بيان صحفي أن 181 شخصًا، أكثر من نصفهم من الأطفال، يقيمون بالتجمع.
الجريمة التي تجبر، بحسب توصيف الأمم المتحدة، السكان على التنقل تعدّ بمثابة تهجير إجباري قسري، حيث قال مكتب المفوض السامي: إن “الخان الأحمر هو واحد من 46 مجتمعًا بدويًا في وسط الضفة الغربية، معرَّض لمخاطر النقل الإجباري بسبب البيئة الناجمة عن السياسات والممارسات الإسرائيلية التي تجبر الناس والمجتمعات على التنقل”. موضحًا أنه على مدى أكثر من عشرة أعوام قاوم سكان مجتمع الخان الأحمر جهود نقلهم لإفساح المجال للتوسع الاستيطاني.
وأشار إلى أنَّ السبل القانونية لهذه المقاومة وصلت نهايتها في الرابع والعشرين من مايو الماضي عندما قضت المحكمة العليا في إسرائيل بعدم وجود سبب لتأجيل تنفيذ أوامر هدم المباني في المجتمع، بما فيها مدرسة، وكانت أوامر الهدم قد صدرت، في الأصل، على أساس أن جميع المباني قد أُقِيمت بشكل غير قانوني، وهو الأمر المنافي للحقيقة.
مكتب الأمين العام ولجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، اعتبرا في وقت سابق أن نظام التخطيط الذي تعتمده إسرائيل في “المنطقة ج” بالضفة الغربية، ومنه ما يخصّ تجمع الخان الأحمر، نظام تمييزي ولا يتوافق مع متطلبات القانون الدولي، وذكر مكتب حقوق الإنسان في بيانه الأخير أن أي أعمال هدم تتم في هذا السياق، وتصنف بأنها إجلاء قسري وانتهاك للحق في السكن؛ حيث يحظر القانون الإنساني الدولي قيام قوة الاحتلال بتدمير أو مصادرة الممتلكات الخاصة، كما يحظر القانون الإنساني الدولي النقل الإجباري لسكان أرض محتلة، بغضّ النظر عن الدافع.
في نفس السياق، شهد شاهد من أهلها، حيث اعتبر المركز الحقوقي الإسرائيلي “بتسيلم“ قرار الهدم ” بمثابة جريمة حرب في القانون الدولي” قائلًا في بيان له: “إنه رغم أن هذه السياسة أقرت من قبل المستوى السياسي، غير أنه وعلى غرار حالات أخرى انخرط القضاة واجتهدوا في تمهيد الطريق لاقتراف جريمة حرب.. والمسؤولية الشخصية عن اقتراف جريمة حرب كهذه لا تقتصر على من يحدّد السياسة وحسب، بل تقع أيضًا على من مهّد لصالحهم المسار القضائي”.
الصلف الصهيوني!
وفي المقابل، ورغم التحذير الأممي الذي رافقه تحذيرات مماثلة من أبواق أخرى، أمهلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سكان تجمع الخان الأحمر حتى الجمعة لمغادرة التجمع تمهيدًا لهدمه وإقامة مستوطنة على أراضيه، وأعلنت قوات الاحتلال أن التجمع البدوي منطقة عسكرية مغلقة، وأغلقت جميع الطرق الداخلية في التجمع والطرق المؤدية إليه في ساعات متأخرة من ليل الثلاثاء .
وفي مساء الأربعاء كانت قوات الاحتلال، على موعد مع اقتحام منطقة الخان الأحمر، حيث اعتدت على المتضامنين ونشطاء المقاومة وأهالي المنطقة الذين يحاولون منع عمليات الهدم وتشريد الأهالي، وقال منسق حملة “أنقذوا الخان الأحمر” من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة: “إن قوات الاحتلال اقتحمت منطقة الخان الأحمر شرق القدس، واعتدت على المعتصمين هناك، واعتقلت ثلاثة متضامنين أجانب”.
وأشار إلى وجود 10 متضامنين داخل تجمع الخان الأحمر محاصرين داخل المدرسة، وقوات الاحتلال تطالبهم بالخروج من أجل اعتقالهم، فيما تقوم الجرَّافات بتسوية الطريق من أجل تسهيل الهدم، وسط أنباء عن وصول قناصل ورؤساء البعثات الأوروبية، الخميس، بزيارة منطقة الخان الأحمر، للتضامن مع السكان والتعبير عن رفضهم لقرار هدمه.
وفي المواجهات أصيب 35 فلسطينيًا خلال التصدّي لقمع القوات الإسرائيلية، سكان تجمع الخان الأحمر البدوي، ونشطاء، ومتضامنون أجانب تصدوا للعملية. حسبما أفادت وكالة “وفا” الفلسطينية.
المثير أن غالبية المباني بالخان الأحمر والمهددة بالهدم تم إنشاؤها بالأساس من خلال مساعدات إنسانية من المجتمع الدولي، وهي تشمل مدرسة ابتدائية تخدم 170 طفلًا بالقرية والأحياء البدوية المجاورة، ويعدّ هدم هذه المدرسة اعتداءً على الحق في التعليم، والذى تلتزم جميع الدول بحمايته، لكن يعتبر الخان الأحمر واحدًا من 18 حيًا بدويًا من قبيلة الجهالين المهددة بالتهجير القسري من محيط القدس؛ بسبب وقوعهم في منطقة محددة لدى إسرائيل كمنطقة توسع في المستقبل لتجمع مستوطنات معاليه أدوميم بحسب “الخطة E1”. رغم أن أرض التجمع مملوكة بالكامل ومسجلة في “الطابو” لأهل بلدة عناتا المجاورة.
بداية مواجهة!
ورغم الصلف تستمر المواجهة التي يبدو أنها تتصدَّى لمقدمة قاطرة صفقة القرن، بحسب وليد عساف، رئيس هيئة مُقاومة الجدار والاستيطان الذي أضاف في تصريحات له أن جرافات الاحتلال الإسرائيلي بدأت هدم عدد من المساكن والمنشآت في منطقة (الخان الأحمر) وتشريد سكانها، وذلك أيضًا لتنفيذ عمليات تهجير قسري ضمن مخطط الاحتلال للتهويد.
الداخل الفلسطيني ألقى بالكرة في ملعب المجتمع الدولي، واتجهت السلطة والمقاومة إلى خطاب الأمم المتحدة رغم أن قوات الاحتلال الصهيوني لم تعبأ بتحذير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في مفارقة تكشف تعقيدات المشهد.
رئيس السلطة الفلسطينية الذي مازال يعاني صحيًا محمود عباس أشار في إدانته للاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في تجمع الخان الأحمر إلى ضرورة قيام الأمم المتحدة بواجبها تجاه الشعب الفلسطيني وتوفير الحماية الدولية له، مشيدًا في بيان حماسي “بتلاحم عدد كبير من المسؤولين الفلسطينيين مع أبناء شعبهم للتصدّي للمخططات الإسرائيلية الهادفة إلى سرقة الأرض الفلسطينية.
وفي نفس السياق، أكّد المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” طاهر النونو أنَّ شروع الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء التجمعات البدوية المحيطة بالقدس المحتلة تطهير عرقي وإرهاب، مشددًا في تصريح صحفي الخميس، على أنَّ عملية تهجير تجمع الخان الأحمر جريمة ضد الإنسانية، وحلقة من حلقات مسلسل التطهير العرقي والتهجير القسري للفلسطينيين خارج أراضيهم، وتغييرًا للطابع العربي للمنطقة.
واستمرَّت لغة مناشدة المجتمع الدولي حتى من حركة حماس؛ حيث دعا “النونو” “المجتمع الدولي والجهات كافة ذات الاختصاص إلى التدخل العاجل لوقف هذه الجريمة وهذا الإرهاب المنظَّم الذي تقوم به حكومة الاحتلال”، وهو ما يبدو أنه لن يأتي في ظل الأوضاع الراهنة.. ليكتب “الخان الأحمر” في فصل جديد للنكبة الفلسطينية المستمرة حتى حين، وفق ما يقول البعض.
اضف تعليقا