العدسة: محمد العريي
فاجأ رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد جميع الاطراف المعنية بسد النهضة بأن السد الذي أثار خلافات كادت أن تصل للحروب، ربما لا يري النور في الموعد المحدد له، او لربما لا يري النور علي الإطلاق، مؤكدا في مؤتمر صحفي عقده بعد تفقده لاعمال السد أن هناك العديد من المشكلات التي تواجه السد.
وطبقا لموقع “ذا ريبورتر” الإثيوبي فإن رئيس الوزراء أشار إلى أن شركة ساليني الإيطالية تقوم بإتمام الجزء الخاص بها من المشروع في الوقت المحدد، وهي الآن تطالب بمبالغ ضخمة بسبب التأخير من جانب هيئة المعادن والهندسة الاثيوبية، مضيفا: “لقد سُلِمنَا سدا مائيا معقدا لشعب لم ير سدا في حياته، وإذا سرنا على المنوال الحالي، قد لا يرى المشروع النور في أي يوم”.
وطبقا لتصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية “إينا” قال رئيس الوزراء الإثيوبي “إن بناء السد كان قد تم تخطيطه للانتهاء منه في 5 سنوات ولكن لم نتمكن من ذلك بسسب ادراة فاشلة للمشروع، خاصة بسبب تدخل شركة ميتيك “شركة تابعة لوزراة الدفاع الاثيوبية”، مشيراً إلى أن الشركة وادراتها لم تكن لديها خبرة العمل في مثل هذه المشروعات الكبيرة .
وأضاف رئيس الوزراء الإثيوبي أنه بعد توليه السلطة أسس لجنة لمتابعة سير العمل في السد، وأشارت التقارير إلى أن شركة ميتيك لم تنفذ الاتفاقية بشكل مطلوب، مشيرا إلي أن شركة ساليني الايطالية طالبت الحكومة الإثيوبية بالتعويضات المالية بسبب تأخر شركة ميتيك من الانتهاء من المشروع في الوقت المحدد له، مؤكدا أن مدير مشروع سد النهضة الراحل المهندس سميجينو بيكلي، كان يخدم وطنه وضحى بروحه لأجل الوطن وأن اجراءات التحقيق حول القاتل تجري على قدم وساق.
تصريحات الصدمة
وتعد هذه أول تصريحات رسمية لشخصية بحجم رئيس الوزراء تنتقد أعمال السد الذي شهد صراعا سياسيا داخليا وإقليميا، وهي التصريحات التي اعتبرها المراقبون بأنها تمثل صدمة كبيرة للشعب الإثيوبي الذي عاش طوال السنوات العشر الماضية في حلم السد الذي سوف يغير مسار حياته بشكل كبير، وفقا لخطابات رئيسا وزراء إثيوبيا السابقين.
كما تأتي تصريحات آبي أحمد لتضع خطا فاصلا لم يكن لأحد غيره من الزعماء الإثيوبين أن يخطه مع الشعب الإثيوبي، إلا أنها في الوقت نفسه تكشف عن صراعا داخليا محتدما بين مؤسسات الحكم الإثيوبية في محاولة لتصدير المشاكل لرئيس الوزراء الذي يري فيه الشعب الأمل في التقدم والتطور والنمو.
وطبقا لتقارير عديدة نشرتها وسائل الإعلام تعليقا علي تصريحات آبي أحمد فإن شخصيات نافذة في أجهزة المخابرات الإثيوبية هي التي تعرقل عمليات إتمام السد، وهي التعليقات التي تتناغم مع حملة التطهير التي يقوم بها رئيس الوزراء الإثيوبي منذ توليه المسئولية قبل سبعة أشهر، واستطاع خلالها الإطاحة برئيس أركان حرب القوات المسلحة الإثيوبية وكذلك رئيس المخابرات، وعدد كبير من القيادات العسكرية والأمنية والاقتصادية النافذة، كما استطاع حل مشاكل داخلية كانت سببا في المظاهرات التي أطاحت برئيس الوزراء السابق هايلي مريام، وجاءت بهذا الشاب الذي عولت عليه القبائل الإثيوبية كثيرا في إعادة توزيع ثروة البلاد المهدرة لصالح أثرياء الإئتلاف الحاكم.
كما استطاع آبي أحمد خلال نفس الفترة إنهاء مشكلات مزمنة بين بلاده ودول الجوار وخاصة إريتريا والسودان والقاهرة، ورسم شكل جديد في علاقة بلاده بالسعودية ودول الخليج وخاصة الإمارات العربية المتحدة، في إطار إعادة رسم خريطة النفوذ بالبحر الأحمر والقرن الإفريقي.
من يفهم الرسالة
ويري فريق من المحللين أن تصريحات آبي أحمد هي رسالة للداخل الإثيوبي أكثر منها رسالة للخارج، وبالتالي يمكن أن تكون مجرد تخطيط من الرجل يستنفر به الشعب الإثيوبي ضد الثورة المضادة التي تحاول إفشال خطواته الإصلاحية، وهو ما يفسر إشادة آبي أحمد بمدير مشروع السد السابق والذي لقي حتفه قبل أسابيع في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في ظروف غامضة، إلا أنه يبدوا من تصريحات آبي أحمد أن الظروف الغامضة ربما يقف ورائها قوي معادية للإصلاح الداخلي وهي القوي التي تعرقل إتمام مشروع السد، خاصة وأنها علي صلات وعلاقات بدول محورية في دعم بناء السد.
ولفت هذا الفريق أيضا إلي أن حديث رئيس الوزراء الإثيوبي خلال المؤتمر الصحفي عن رجل الأعمال السعودي ذات الأصل الإثيوبي محمد حسين العمودي المعتقل منذ نوفمبر الماضي ضمن حملة مكافحة الفساد التي أعلنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضد عدد من أثرياء المملكة، وعدم استجابة المملكة لنداءات بلاده بإطلاق سراحه خاصة وأنه واحد من أكبر ممولي مشروع السد، يشير هذا إلي أن رئيس الوزراء الإثيوبي يلقي بالكرة أيضا في ملعب خصومه السياسيين والعسكرين الذين يتمتعون بعلاقات واسعة مع دول الجوار الإقليمي، ولذلك كان آبي أحمد حريص علي أن يتحدث عن جهود حكومته الدبلوماسية من أجل إطلاق سراح العمودي، مؤكدا التزام الحكومة السعودية بوعدها بإطلاق سراح الرجل.
مكاسب مصر
وطبقا لتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي فإن القاهرة تعد أكثر المستفيدين في حال تحولت تخوفات المسئول الإثيوبي لأمر واقع، وهو ما يمكن ان يمثل قبلة الحياة لنظام الإنقلاب العسكري بمصر الذي كانت تمثل له مشكلة المياه، وفشله في التعاطي مع قضية سد النهضة أزمة كبيرة تضاف لسجل طويل من أزماته الاقتصادية والسياسية.
إلا أن فريق من المتابعين يرون أن القاهرة يجب عليها ألا تتسرع في التعليق علي المشاكل التي طرحها رئيس الوزراء الإثيوبي، خاصة وأنها مشاكل تتعلق بأمرين يمكن للقاهرة أن يكون لها دور فيهما، وهي مشكلة التمويل الذي اشتكي منه رئيس الوزراء الإثيوبي، ثم المشاكل التقنية المتعلقة بمقدرة بلاده علي تشغيل السد.
ويري هذا الفريق أن عملية توقف السد لن تحدث وإنما هو تهديد “تكتيكي” من رئيس الوزراء الإثيوبي، وعلي القاهرة أن تتعامل مع الموضوع إنطلاقا من هذا التصور، حتي تحقق العديد من المكاسب في حال إتمام عملية بناء السد وبدء مراحل التشغيل التجريبية ثم التجريب النهائي، خاصة وأن اعمال السد انتهت بنسبة تجاوزت 65% وتوقف المشروع بعد كل ذلك معناه القضاء علي التاريخ السياسي للزعيم الإثيوبي الشاب.
وإنطلاقا من ذلك فإن القاهرة عليها أن تبادر بتقديم الأفكار والامكانيات الفنية للجانب الإثيوبي كمساعدة منها في تشغيل السد، كحسن بادرة منها تجاه مشروع السد، وهو ما يمكن ان يحقق مطالب القاهرة المستمرة بأن تشارك في عملية إدارة وتشغيل السد وهو ما كانت ترفضه الحكومات الإثيوبية السابقة.
كما أنه علي القاهرة أن تسعي لتنفيذ عدة مشروعات زراعية واقتصادية مرتبطة بالسد، وهو ما يمكن ان يحقق لها فرصة جيدة لعلاج الفجوة الغذائية التي تعاني منها نتيجة التصحر الذي يسير باتجاه الدلتا المهددة بالغرق خلال السنوات المقبلة نتيجة التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، كما أن استغلال القاهرة للقيام بعدة مشروعات زراعية في منطقة السد سوف يعالج مشكلة نقص المياه وخاصة مع المحاصيل التي تحتاج لكميات كبيرة منها مثل زراعة الأرز وقصب السكر، وغيرها من المحاصيل التي أصبحت من المحرمات بسبب نقص المياه.
اضف تعليقا