من الصعب للغاية تحديد أيّ منهما كان خادما للآخر، إذ لم تكن علاقة الرئيس الأمريكي اليميني السابق دونالد ترامب، بنظام بن زايد الإماراتي، مجرد علاقة ديبلوماسية قائمة على المصالح والتحالفات، وإنما شراكة عميقة في مشروع تدمير لكل ما هو رائد وناجح في المنطقة العربية، لا سيما ما يتعلق بملف استقلال القرار وحريات الشعوب.
ولا ينكر متابع للشأن السياسي العربي أن بلادا مثل مصر واليمن وليبيا وسوريا والعراق لم تكن الأوضاع لتتدهور فيها على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري لولا أن تلك الشراكة الإماراتية-الترامبية، التي انصهرت في بوتقة واحدة لدعم النظم العسكرية والانقلابية والميليشيات المسلحة في كل شبر بالمنطقة.
لقد كانت تلك الشراكة مثالية لـ “محور شر” متكامل، طاقة إفساد خالصة في أبو ظبي، لم تكن تحتاج أكثر من غطاء سياسي داعم يمنحها الضوء الأخضر لبدء تحركاتها الإفسادية الممتدة من حدودها مع الجارة المُحاصرة قطر أو شقيقتها الجنوبية اليمن، وصولا إلى اتفاقات تطبيع الاحتلال في السودان جنوبا إلى المغرب غربا.
لكن رغم السواد البادي في تحركات الإمارات بالمنطقة، فإن جانبا إيجابيا واحدا يمكن تلمّسه فيما أقدمته عليه أبو ظبي حيال علاقتها بترامب قبل ساعات من رحيله، والذي تمثل في منحه مكافأة نهاية خدمة استثنائي فريد، بقيمة 23 مليار دولار أمريكي.
وأحسنت الإمارات اختيار غلاف هديتها إلى ترامب، إذ جاءت في شكل اتفاقية شراء أسلحة وطائرات مسيَّرة ومعدات دفاعية أخرى، لترسم له ملامح الوظيفة الأليق له بعد مغادرة البيت الأبيض.. تاجر سلاح!
صفقة سلاح
الإمارات أكدت الجمعة الماضية، أنها وقَّعت اتفاقات مع الولايات المتحدة في آخر يوم للرئيس السابق دونالد ترامب في منصبه، لشراء ما يصل إلى 50 طائرة من طراز إف-35 و18 طائرة مسيَّرة مسلحة ومعدات دفاعية أخرى، في صفقة بقيمة 23 مليار دولار.
وكالة رويترز، ذكرت نقلاً عن مصادر وصفتها بـ”المطلعة”، أن ترامب وقَّع في آخر أيام مهامه اتفاقية تصدّق على بيع مقاتلات من طراز “إف-35” للإمارات، وقالت سفارة الإمارات بواشنطن، في بيان على موقعها الإلكتروني، إنه تم الانتهاء من خطابات الاتفاق يوم الثلاثاء الماضي، لتأكيد شروط الشراء، ومنها التكاليف والمواصفات الفنية وجداول التسليم المتوقعة.
وتسعى أبوظبي -التي تصف نفسها بأنها “حليف مهم” لواشنطن بالشرق الأوسط- إلى شراء مقاتلات من طراز “إف-35” منذ وقت طويل، كما يرى مراقبون أن اتفاقية التطبيع مع إسرائيل في نوفمبر الماضي، فتحت المجال أمام الإمارات للحصول على هذه المقاتلات.
القرار الأخير
الاتفاق وُقِّع قبل نحو ساعة من تنصيب بايدن، ليمنح الإمارات فرصة لقبول الجدول الزمني لتسليم الطائرات المقاتلة والذي خضع للتفاوض بين الجانبين وكذلك أكسب طلب الشراء الصفة الرسمية. فيما صرح الرئيس جو بايدن، الذي تسلَّم مهامه الأربعاء الماضي، بأنه يعتزم إعادة النظر في الاتفاقية.
وأعدَّت الإمارات أوراق الاتفاق منذ أكثر من أسبوع، وأضافت وكالة رويترز أن الإمارات والولايات المتحدة كانتا تأملان، يوماً ما، الانتهاء من الاتفاق في ديسمبر، لكن توقيت تسليم الطائرات وتكلفتها والتكنولوجيا والتدريب وأموراً أخرى مرتبطة بالصفقة أطالت أمد المفاوضات.
وطائرات إف-35 مكون كبير في صفقةٍ حجمها 23 مليار دولار، لبيع أسلحة عالية التقنية من إنتاج جنرال أتوميكس ولوكهيد مارتن ورايثيون تكنولوجيز كورب للإمارات، كان قد أُعلن عنها هذا الخريف.
كما أفادت المصادر بأن حكومة الإمارات وقَّعت كذلك اتفاقاً منفصلاً لشراء 18 طائرة مسيَّرة، في ثاني أكبر صفقة من نوعها تبرمها الولايات المتحدة مع دولة واحدة. وفي الوقت الذي لم يتم فيه تأكيد الموعد النهائي لتسليم طائرات إف-35 المقاتلة، فإن الاقتراح الأوَّلي الذي أرسلته الولايات المتحدة إلى الإمارات كان عام 2027.
أخرى في الطريق
لم يكن هذا كل شيء في جعبة الإمارات، إذ أحبط مجلس الشيوخ الأمريكي مسعى لعرقلة خطة إدارة الرئيس السابق لبيع طائرات مسيَّرة (ريبر) للإمارات، في صفقةٍ قيمتها مليارات الدولارات، وجاء حينها التصويت، بواقع 50 مقابل 46، على اقتراح إجرائي أوقف الجهود المبذولة لإقرار مشروع قانون يرفض الصفقة.
وهدد ترامب حينها باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد الجهود المبذولة في الكونغرس لعرقلة خطط بيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار للإمارات، مما دفع إدارة الكونغرس للموافقة في نوفمبر الماضي على الصفقة الضخمة مع الإمارات، التي تتضمن منتجات من شركات جنرال أتوميكس ولوكهيد مارتن ورايثيون.
تشمل الصفقة ما يصل إلى 50 طائرة من طراز إف-35، وهي المقاتلة الأكثر تقدماً في العالم، وما يزيد على 14000 من القنابل والذخائر، وثاني أكبر عملية بيع طائرات مسيّرة أمريكية لدولة واحدة.
اضف تعليقا