كتب- باسم الشجاعي:
من المؤكد أن الحكومة المصرية الجديدة التي يترأسها وزير الإسكان والمرافق العامة، “مصطفى مدبولي”، والذي كلفه قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي” بتشكيلها، مساء “الخميس” 7 يونيو، سوف تبدأ عهدها بصِدام مع الجماهير.
خاصة وأن “السيسي” لا يكترث بمثل هذه الأمور ويتعامل مع الحكومة كسكرتارية تنفيذية، ما يعني أنها سوف تمضي في قرارات إلغاء الدعم، التي يفرضها صندوق النقد الدولي على مصر، وهو ما سوف يمثل مشكلة بينها وبين الجماهير، ما ينذر بموجة غضب.
ورغم أن حكومة المهندس “شريف إسماعيل” رئيس الوزراء “المستقيل”، كانت تعاني من مشاكل كثيرة مع المواطنين، ولولا القبضة الأمنية المفروضة على المصريين لما بقيت هذه الحكومة طوال هذه الفترة.
والغريب في الأمر أنَّ “السيسي” الذي يصف نفسه بأن يكره الفساد ويعمل على مواجهته، كلف رئيس الوزراء الجديد المتهم بقضايا فساد مالية وتبديد المال العام، مما يثير التساؤلات حول اختياره في هذا التوقيت.
لماذا “مدبولي”؟
وعن أسباب اختيار “مدبولي” خلفًا لـ”إسماعيل”، أكد مراقبون أن الأول يتمع بثقة “السيسي” الشخصية، ودوائر صناعة القرار داخل النظام الحاكم، كونه “سكرتيرًا تنفيذيًا بامتياز”.
وكونه على علاقة وطيدة بدولتي الإمارات والسعودية، الداعمتين للسيسي، بسبب إشرافه على أعمال العاصمة الإدارية الجديدة، الذي تنفذه شركة مساهمة مع الهيئة الهندسية للجيش، وهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان.
وهو ما يفسر اصطحاب “السيسي” لـ”مدبولي” في فعاليات القمة العربية التي انعقدت في السعودية في أبريل الماضي، رغم أنه لم يكن نائبًا رسميًا لرئيس الوزراء، لبحث خطوات استكمال وتنفيذ العديد من المشروعات والمنتجعات المدعومة خليجيًا، سواء الجاري إنشاؤها شرق العاصمة القاهرة، أو المزمع تدشينها خلال الفترة المقبلة.
كما أنَّ رئيس الوزراء الجديد لم يبدِ أيّ اعتراضات حول سيطرة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة على أعمال وزارته، وتنفيذها كافة المشروعات والإنشاءات الكبرى، مع اكتفاء الوزارة في عهده بدور “المقاول”.
رئيس وزراء بدرجة “فاسد”
تسمية “مدبولي” رئيسًا للوزراء ليس أمرًا مستغربًا لدي المتابعين للشأن المصري، فالرجل تردّد اسمه بقوة بين أروقة وسائل الإعلام ودوائر صناعة القرار، على أن يكون خلفًا لـ”إسماعيل”، منذ 23 نوفمبر الماضي، حين عُيّن “مدبولي” قائمًا بأعماله رئيس الوزراء، بسبب رحلة العلاج التي كان فيها رئيس الوزراء آنذاك “شريف إسماعيل”.
وجاء اختيار “مدبولي” لرئاسة الحكومة الجديدة، برغم مسؤوليته الرئيسية، سواء بصفته وزيرًا للإسكان، أو رئيسًا سابقًا لهيئة المجتمعات العمرانية، عن غرق ضاحية “التجمع الخامس” شرق العاصمة القاهرة، تحت وطأة الأمطار الكثيفة التي ضربت مصر نهاية أبريل الماضي.
ودافع “السيسي” بعدها في “مؤتمر الشباب” الذي عقد الشهر التالي بفندق “الماسة” التابع للوقات المسلحة، رافضًا توجيه الاتهام له قائلًا: “لا يجب أن نأكل رجالنا”.
ليس هذا وحسب، فرئيس الوزراء الجديد، متهم بالاستيلاء على ملايين الجنيهات، تحت مسميات مختلفة، وهو ما يضع وزير الإسكان آنذاك تحت طائلة القانون، بتهم الاختلاس والإضرار بالمال العام، بحسب المواد (112 و113 و115 و116) من قانون العقوبات، وذلك بحسب ما كشفت صحيفة “التحرير” الخاصة، في يونيو 2015.
وأظهرت المستندات تعرض الهيئة العامة للتخطيط العمراني، وقت أن كان يشغل رئاستها مدبولي، لعمليات واسعة من تبديد أموال الدولة، من جراء استغلال النفوذ، وهي المخالفات التي فتحت بشأنها النيابة الإدارية تحقيقات موسعة، وأرسلت عنها ملفاً كاملاً إلى مكتب رئيس الوزراء السابق “إبراهيم محلب”، والذي غض الطرف عنها، كونه كان وزيراً للإسكان وقت شغل “مدبولي” لمنصبه.
وكشفت المستندات أيضا عن صرف سبعة من مسؤولي وزارة المالية 27 مليون جنيه “مكافآت وبدلات” نظير انعقاد لجان “وهمية” للعاملين بالهيئة، من بينها مليون و400 ألف جنيه صرفها مدبولي مكافآت لنفسه، بعدما أساء استخدام السلطة، وكون 26 لجنة، إلى جانب 20 لجنة مشكلة بقرارات وزارية، بمجموع 46 لجنة، لتوسيع قاعدة المستفيدين من تلك البدلات، من المقربين إليه، حسب تحقيقات النيابة الإدارية.
سباق المناصب
ما يعكف عليه رئيس الوزراء الجديد، حسم سباق المناصب في التشكيل الجديد للحكومة؛ حيث مازالت بورصة التكهنات مرتفعه حول المرشحين للرحيل، والمرشحين الجدد للحقائب، وبدء الأجهزة الرقابية في إعداد تقارير عن نواب الوزراء ووكلاء الوزارات.
في موازاة ذلك، حاول بعض الوزراء المشكوك في بقائهم بسبب تطورات الأحداث، كوزير التموين علي المصيلحي (الذي ضبطت قضية رشوة كبرى بين مساعديه أخيرًا)، ووزير الداخلية “مجدي عبدالغفار”، ووزير العدل “حسام عبدالرحيم”، تسريب أخبار عبر وسائل الإعلام عن استمرارهم في مواقعهم، كمحاولة لاستباق أي قرار رئاسي باستبعادهم من الحكومة المقبلة.
فـ”السيسي” ليس راضيًا عن أداء وزير الداخلية الحالي بسبب فشله في إحكام السيطرة على جهاز أمن الدولة، رغم أنه من أبنائه وكان الهدف الأساسي لاختياره هو إعادة تنظيمه.
وأدى فشله في مهمته إلى مشاكل عديدة مع الأجهزة الأخرى، كالاستخبارات والرقابة الإدارية، ولذلك أصبح دور “عبدالغفار” مقتصرًا في الآونة الأخيرة على الشؤون الإدارية للوزارة وأجهزتها، بينما يختص المستشار الأمني للسيسي أحمد جمال الدين بتحديد سياساتها وإصدار التعليمات للقيادات.
أما وزير العدل “حسام عبدالرحيم”، فرغم صداقته بشقيق السيسي القاضي “أحمد السيسي”، والتزامه الحرفي بتعليمات السيسي ونجاحه في فرض سياج محكم من السرية حول النيابة العامة والقضاء ما أدّى لتواري مشاكل القضاة عن الظهور في الإعلام، ونجاحه في فرض سيطرة السلطة على الهيئة الوطنية للانتخابات وجهازها التنفيذي، ومشاركته في إنهاء قضية تيران وصنافير، إلا أن فشل “عبدالرحيم” في ملف إعداد التشريعات وتسببه في مشاكل مع بعض الوزارات الأخرى، جعل دائرة السيسي تفكر في تغييره.
وتوقع البعض ترشيح الدكتور “إبراهيم العشماوى”، رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، وزيرًا للتموين خلفًا لـ”مصيلحى”، بسبب أزمة قضية الرشوة الأخيرة، التى تورط فيها ٤ من قيادات الوزارة.
ورجحت بعض التكهنات تولّى “عاصم الجزار”، نائب الوزير، منصب وزير الإسكان خلفاً “مصطفى مدبولى”، وشغل “الجزار” أيضاً رئاسة مجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمرانى منذ عام 2012.
وبحسب تقارير صحفية محلية، فإن “مدبولى” سيعرض أسماء الوزراء الجدد على البرلمان “الأحد” المقبل، على أن تؤدي الحكومة الجديدة بكاملها اليمين الدستورية أمام “السيسى” يوم الاثنين، فى حال موافقة مجلس النواب.
“حيلة” جديدة لتسريح الموظفين
بعد تسمية الوزراء الجدد، سيبدأ “مدبولي” في خطة تسريح الموظفين ورفع الدعم كاملًا كما هو معدّ له سلفًا.
فخلال الآونة الأخيرة وقبل رحيل “إسماعيل”، بفترة قليلة، بدأت وسائل الإعلام الموالية للنظام للترويج لفكرة دمج الوزارات وتقليصها من 34 وزارة إلى 18 وزارة، والتي وصفوها بأنها خطوة في طريق الإصلاح المؤسسي للهيكل الإداري للدولة.
كما أن هناك اتجاهًا داخل مؤسسة الرئاسة المصرية لدمج وزارتي التعاون الدولي والتخطيط في وزارة واحدة، والإبقاء على الوزيرة” سحر نصر” لتولي حقيبة الاستثمار فقط، كما أن هناك اتجاهًا آخر لدمج وزارتي الثقافة والآثار، فضلا عن عدد كبيرة من الوزارات، وذلك بحسب ما كشف موقع “البوابة نيوز“ المحلي، والذي يترأس مجلس إدارته النائب البرلماني “عبد الرحيم علي” الموالي للنظام.
ويرى خبراء أن عملية دمج ليس لها جدوى اقتصادية كبيرة كأداة لترشيد الإنفاق، إلا من خلال الاستغناء عن الموظفين، وعدم الإبقاء على جميع أعضاء الهيكل الإداري.
وكانت الحكومة بدأت بالفعل بتقليص موظفي الجهاز الإداري؛ حيث كان كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، في تقاريره الدورية أن عدد العاملين بالدولة وصل بموازنة 2016/ 2017 إلى خمسة ملايين موظف، بأقل 800 ألف موظف عن نفس الموازنة في العام الذي سبقه.
كما كانت الحكومة بدأت بتهيئة الرأي العام لتنفيذ خطتها في تقليص موظفيها؛ حيث أكدت وزيرة التخطيط القومي “هالة السعيد” لأعضاء البرلمان المصري قبل أيام أن الجهاز الإداري يضم موظفًا لكل 22 مواطنًا، والمستهدف هو الوصول إلى موظف لكل 80 مواطنًا في إطار خطة الحكومة لتخفيض عجز الموازنة.
وطبقًا لأرقام الوزيرة المصرية، فإنَّ الحكومة بذلك تستهدف الاستغناء عن 75 % من موظفيها، وهو نفس ما أكده رئيس البرلمان “علي عبد العال” الذي دعا الحكومة لتقليص عدد موظفيها، البالغ عددهم 5 ملايين موظف، منهم خمسة آلاف بالبرلمان وحده.
رفع الأسعار
القرار الأكثر خطورة في هذه المرحلة أمام “مدبولي”، هو تحريك أسعار الوقود في بلاده عقب إقرار الموازنة الجديدة للدولة، والمقرر العمل بها اعتباراً من أول يوليو المقبل، خاصة أن الموازنة المعروضة على البرلمان تضمنت خفضاً على دعم المواد البترولية بنحو 21 مليار جنيه (1.2 مليار دولار تقريبًا).
وكان وافق مجلس النواب المصري، “الثلاثاء” الماضي، على موازنة السنة المالية 2018-2019 والتي تستهدف خفض عجز الموازنة إلى 8.4%، من خلال إجراءات تقشفية تقوم على رفع أسعار بعض الخدمات والسلع وزيادة الإيرادات الضريبية.
وتتوقع مصر تسجيل عجز في موازنة السنة المالية الحالية عند نحو 9.8%، وهو ما يزيد قليلا عن المستوى المستهدف البالغ 9.1%..
وتستهدف الموازنة الجديدة أيضًا، خفض مخصصات دعم الوقود والطاقة، إيذانًا برفع أسعار المحروقات والكهرباء قبل نهاية يونيو الحالي، فضلاً عن مخالفتها النسب الدستورية المحددة لقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي بدعوى ضعف الموارد، على الرغم من زيادة مخصصات الجيش والشرطة والقضاء بنحو عشرة مليارات جنيه.
وتعد الزيادة المرتقبة في سعر الوقود الرابعة منذ وصول “السيسي” إلى سدة الحكم في يونيو 2014، إذ كانت الأولى في يوليو من ذلك العام، بنسب اقتربت من الضعف، والثانية في الرابع من نوفمبر 2016، بنسب تراوحت بين 30% و47%، ثم جاءت الزيادة الأخيرة في الثلاثين من يونيو الماضي بنسب تصل إلى 55%.
اضف تعليقا