منصور عطية

قناع حاول العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ارتداءه خلال الشهرين الماضيين، لكنه سقط أخيرا بتصريحات هدمت كل ما سبق، فبعد أن ظهر بموقف المدافع عن القدس ضد القرار الأمريكي الذي اعتبرها عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، ها هو يتماهى مجددًا مع موقف واشنطن.

ليس مجرد تماهٍ بل ترويج للمخطط الأمريكي لتصفية القضية الفلسطينية تحت شعار صفقة القرن تورط فيه ملك الأردن بدعوى عدم وجود بديل.

لا بديل لصفقة القرن

ملك الأردن أكد في تصريحات متلفزة من المنتدى الاقتصادي في دافوس أن دور الولايات المتحدة “يبقى ضروريًا لأي أمل بحل سلمي بين إسرائيل والفلسطينيين”، وقال: “لا يمكن أن تكون لدينا عملية سلام أو حل سلمي بدون دور الولايات المتحدة”.

التصريحات تضمنت عبارات صادمة تهدم الموقف الأردني الصلب في أعقاب القرار الأمريكي بشأن القدس، حيث اعتبر أن “هذا الواقع (لا سلام بدون دور أمريكي) يبقى حقيقيا حتى بعد قرار الرئيس دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس..”.

وعلى الرغم من الموقف الفلسطيني المعلن والرافض لوساطة أمريكا في عملية السلام، قال الملك عبدالله: “أنا أود أن أتمهل في إصدار الأحكام، لأننا ما زلنا ننتظر من الأمريكيين أن يعلنوا عن خطتهم (للسلام)”، في إشارة واضحة لما يسمى إعلاميا بصفقة القرن.

وتابع: “أعتقد أن علينا أن ننظر إلى الجانب الملآن وأن نعمل جميعا معا ما إن يعلن البيت الأبيض عن خطة سلام”، مضيفا: “أما إذا تبين أنها ليست خطة جيدة (…) فلا أعتقد أن لدينا خطة بديلة عنها في هذه المرحلة”.

ليس التراجع الأول

لكن في حقيقة الأمر فإن ما يمكن اعتباره تراجعا أردنيا عن موقف سابق بشأن القدس ليس هو الأول من نوعه، بل سبقه تراجع آخر في يناير الماضي أكد خلاله الملك عبدالله أن القدس “ليست مسؤولية الأردن وحده، بل مسؤولية مشتركة مع المجتمع الدولي”، وأن “مصلحة بلاده فوق كل الاعتبارات”.

تصريحات ملك الأردن جاءت على هامش لقاء حواري في عمان نقلت منه صحف إلكترونية ومواقع مقربة من السلطات عن الملك قوله إن “أجندة الدول العربية متباينة من حيث الأولويات والاستراتيجيات”.

ومن أبرز ما نُقل عن الملك عبدالله الثاني خلال تلك الجلسة قوله إن “القضية الفلسطينية يتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي وليس الأردن وفلسطين”، كما أكد أيضًا أن “المصالح الأردنية في ظل الوضع القائم حاليًا فوق كل الاعتبارات”.

وشدد العاهل الأردني على أن بلاده “لا تستطيع التعامل وحدها مع استحقاقات الوضع المؤسف حاليًا وإن كانت ستقوم بواجبها ودورها”.

اللافت أن هذا التصريح يأتي بعد شهر واحد من موقف أردني، قيل حينها إنه الوحيد بين جيرانه العرب الذي يبقي على القدس وفلسطين كقضية مركزية ويضعها في مقدمة أولوياته، في أعقاب القرار الأمريكي.

تحركات شعبية هي الأكبر عربيًا، أيدها دعم رسمي عبر عنه الملك عبدالله الثاني بتغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر بقوله: “الأردنيون هم على الدوام نبض هذه الأمة، وما أظهروه اليوم من مشاعر جياشة تجاه القدس، قضيتنا الأولى، بتلاحم وتآخ لا مثيل لهما، يعكس مقدار شموخ شعبنا ورقيه، وهو مصدر فخر لي ولكل عربي. حفظ الله الأردن وشعبه درعا وسندا لأمتنا وأبنائها”.

استسلام لصفقة القرن

وليس بعيدا عن التراجع البادي في الموقف الأردني بشأن القدس، فإن ثمة متغيرا جديدا ربما يكون أكثر أهمية وشمولية، وهو ما يتبين من تصريحات الملك عبدالله بشأن صفقة القرن التي تعدها الولايات المتحدة.

العاهل الأردني ظهر في التصريحات مروجا للصفقة، بل ومسلما بها ومستسلما لها باعتبارها الحل الوحيد، حتى ولو لم تكن مناسبة، وهو قد تجاوز هنا، وفق مراقبين، الموقفين السعودي والمصري المروج للصفقة.

وبهذا يتماهى الأردن مع المعسكر الأمريكي الذي يضم إلى جواره إسرائيل والسعودية ومصر، وربما يكون له دور في إطار المخطط الأمريكي لبناء تحالف إقليمي لمواجهة إيران ومحاربة الإرهاب.

اللافت والمثير أن تصريحات الملك عبدالله تأتي بعد يوم واحد مما نُقل عن المبعوث الأمريكي لعملية السلام “جيسون جرينبلات” الذي أبلغ قناصل دول أوروبية معتمدين في القدس، بأن صفقة القرن “في مراحلها الأخيرة”.

تقارير إعلامية نقلت عن أحد المشاركين في اللقاء- دون ذكر اسمه- أن “جرينبلات” في معرض حديثه عن صفقة القرن أكد للمسؤولين الأوروبيين أن “الطبخة على النار ولم يبق سوى إضافة القليل من الملح والبهارات”، على حد تعبيره.

وقال المبعوث الأمريكي إن الخطة الجاري إعدادها تشمل المنطقة، وإن الفلسطينيين أحد أطرافها، لكنهم ليسوا الطرف المقرر في تطبيقها، وفي السياق ذاته يقول مسؤولون أمريكيون إن الرئيس دونالد ترامب سيكشف قبل منتصف العام الحالي عن خطة لتسوية الصراع الفلسطيني، بات من المؤكد أنها هي صفقة القرن.

شو إعلامي لامتصاص الغضب

وبعد أن سقط القناع الذي ارتداه ملك الأردن لفترة قصيرة، فإن تفسير موقفه السابق الرافض للقرار الأمريكي لا يحتمل إلا تفسيرا واحدا وهو محاولته أن يكون على قدر الغضب الشعبي الواسع في بلاده مع الصدمة التي سببها القرار.

وربما سعى الملك عبدالله أيضا إلى امتصاص هذا الغضب بشكل مؤقت فقط حتى تهدأ الأمور، وتتراجع موجة الرفض التي اجتاحت العالمين العربي والإسلامي، حتى يتجنب الانتقادات بالنظر إلى خصوصية العلاقة بين بلاده والقضية الفلسطينية تاريخيا وجغرافيا.

وبقدر ما يمكن أن يفسره هذا التأويل، فإن الأمر ينطوي على ضغوط ما قد تكون مورست على العاهل الأردني لتحريف بوصلته التي أقرها عقب قرار ترامب.

أول تلك الضغوط المحتملة وأبرزها وأقواها هي الأمريكية، ولعل هذا ما يمكن استنتاجه من تصريح سابق للعاهل الأردني حذر فيه من “فراغ يضر بالمصالح الأردنية في حال عدم التواصل مع الإدارة الامريكية”.

ولعل ورقة المساعدات الأمريكية للأردن والتلويح بتجميدها أو سحبها نهائيًا، خاصة بعد ما حدث مع مصر في سبتمبر الماضي، تعد ورقة رابحة في التهديد والضغط الأمريكيين للأردن بغية تحوير بوصلته بعيدًا عن محاربة قرار ترامب بشأن القدس.

ووفقًا لسجلات “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID“، فإن 20 دولة عربية تلقت الدعم عام 2016، وحل الأردن في المرتبة الثالثة بين تلك الدول الـ20 حيث حصل على 1.21 مليار دولار، مالت نسبيًا لصالح الدعم التنموي على الدعم العسكري.

ومن أهم ما تلقاه الأردن خلال هذه السنة، 510 ملايين دولار لما هو أمني وعسكري، و213 مليونًا للموازنة العامة، و188 مليونًا للخدمات الإنسانية الإغاثية، و82 مليون دولار للتعليم، و60 مليونًا للمجال الصحي.