العدسة – معتز أشرف 

علي عكس عفرين قال وزير الخارجية التركي مولود أوغلو، الجمعة: إن تركيا ستتحرك مع الولايات المتحدة في منطقة منبج السورية، وذلك عقب اجتماعه مع وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو في بروكسل، فماذا وراء القرار وما أهمية منبج وهل تنجح تركيا في دحر الإرهاب فيها بالأدوات الناعمة دون قذائف جديدة، وهو ما نتوقف عنده في ظل مؤشرات عديدة بنجاح تركي جديد علي غرار عفرين.

تفاهم بعد غياب!

تجربة عفرين ثم خروج ريكس تيلرسون من وزارة الخارجية الأمريكية، شكلا عائقًا، بحسب المراقبين، في الثقة بين أنقرة والبيت الأبيض في الفترات الماضية، حيث كانت أسفرت زيارة تيلرسون، بعد مستشار الأمن القومي الأمريكي هربرت ماكماستر إلى أنقرة فبراير الماضي، عن الاتفاق على تشكيل لجان مشتركة لمعالجة القضايا الخلافية بين الطرفين، خصوصًا ما يتعلق بتراجع الثقة بين الطرفين بعد الدعم الأمريكي لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية التي تحظرها تركيا، لتتصاعد نبرة الاتهامات من أنقرة لواشنطن بعدم الوفاء بتعهداتها في مناسبات عدة أثناء تحرير “عفرين” بالتزامن مع إعلان مجلس الأمن القومي التركي ضرورة “إخراج الإرهابيين” من مدينة منبج، شمالي سوريا؛ حيث ذكر في بيان صدر في الـ 28 مارس الماضي أنّ “تركيا لن تتردد في المبادرة في حال لم يخرج الإرهابيون من منبج”.

وحسب المعلومات، فإنَّ فجوة كبيرة كانت قائمة بين واشنطن وأنقرة؛ إذ تطالب الأولى بالعمل خطوة خطوة بحيث يجري انضمام عناصر أتراك إلى الدوريات الأمريكية قرب منبج، ثم تعاون تصاعدي، على أن يجري بحث إخراج «وحدات حماية الشعب» الإرهابية بالوصف التركي من منبج إلى شرق نهر الفرات بعد اطمئنان «الوحدات» من حلفاء تركيا من الفصائل في ريف حلب، في المقابل، طالبت أنقرة بإخراج «الوحدات» من منبج إلى شرق الفرات وتسيير دوريات مشتركة وتسليم المدينة إلى العرب، إضافة إلى إخضاع مناطق على حدود تركيا لفصائل عربية وإبعاد «الوحدات».

الرئيس التركي  رجب طيب أردوغان قد لوّح أكثر من مرة بأن قواته وفصائل سورية معارضة حليفة ستتوجه بعد السيطرة على عفرين إلى منبج وشرق نهر الفرات؛ حيث تقيم قوات أمريكية تدعم «قوات سوريا الديمقراطية» التي تضم «الوحدات» الكردية، لكن الجيش الأمريكي بعث ضباطًا رفيعي المستوى إلى منبج لإرسال إشارة بأن واشنطن ستدافع عن حلفائها في هذه المدينة، خاصة بعدما سيطر الجيش التركي وفصائل سورية معارضة على عفرين بموجب تفاهم مع روسيا سمح لأنقرة باستعمال القوات الجوية، وأعلنت أنقرة مجددًا نية الذهاب إلى منبج وشرق الفرات، لتتعقد الأمور.

الغضب التركي كان له أسباب إضافية بجانب البعد الانفصالي للاكراد؛ حيث تؤكد أن  90 بالمائة من سكان منبج من العرب، ولكن يتلقون معاملة العبيد، ويتم طردهم، وأنه يسعي أن يعيش سكان منبج في مناطقهم، وتقرير مستقبلهم بأنفسهم، وإنهاء التهديد الإرهابي الموجود فيها.

وضمن هذه الصورة المعقدة، سعت واشنطن وأنقرة للوصول إلى تفاهمات، أعلنها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الجمعة، بقول حاسم، وذلك عقب اجتماعه بنظيره الأمريكي الجديد مايك بومبيو في بروكسل: “إن تركيا ستتحرك مع الولايات المتحدة في منبج السورية”، وهو ما عزّز موقف تركيا عشية اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاثة الضامنة الذي يُتوقع أن تخرج عنه «وثيقة تُشدد على العمل المشترك».

ونفى جاويش أوغلو أن يكون لفرنسا وجود في منبج، مضيفًا أن تركيا قد تقيم “عروضًا جيدة” من حلفائها لتزويدها بصواريخ باتريوت أو أنظمة دفاع جوي أخرى، كما  أصدرت الخارجية الأمريكية بيانًا عقب لقاء الوزيرين أشارت فيه إلى أنهما أكدا دعمهما لإطلاق عملية ثنائية من أجل إيجاد طريق إلى الأمام حول منبج، وناقشا التزام الولايات المتحدة بدعم الأمن القومي التركي.

وأوضحت المصادر التركية في وقت سابق أنه في حال نفذ الاتفاق التركي- الأمريكي في منبج سيكون خطوة لاستعادة الثقة والقيام بخطوات أخرى بين الجانبين، تشمل «التنسيق الكامل» في العمليات العسكرية شمال حلب بين القوات الأمريكية و«درع الفرات» بين منبج وإعزاز وجرابلس، إضافة إلى الانتقال إلى البند اللاحق المتعلق في بحث إقامة شريط أمني شمال سوريا على طول حدود تركيا”.

معادلات القوى!

وبحسب مراقبين، تعتبر مدينة منبج بريف حلب شمالي سوريا نقطة صراع دولية تجتمع على أرضها جميع القوى المتخاصمة والفاعلة على الأراضي السورية، ويصفها جورج مالبرونو  مراسل، «لوفيغارو» الفرنسية بأنها “مناطق نفوذ جديدة في شمال سورية المتشظية”، مشيرًا إلى أنّ  منبج غالبية سكانها من العرب في وقت يوجه الأكراد دفتها.

منبج بعد تحريرها من “داعش” باتت ذات أهمية استراتيجية؛ إذ تضم قاعدة أمريكية تسيّر دوريات لمراقبة مناطق التماسّ الفاصلة بين مجلس منبج العسكري المنضوي تحت ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وتهيمن عليها الوحدات الكردية  من جهة، وعلى الطرف الآخر من حدود المدينة تتمركز القوات التركية وفصائل الجيش الحرّ المدعومة منها والتي كانت قد هددت أكثر من مرة بأنها ستطرد الوحدات الكردية من منبج، أما في الجهة الجنوبية الغربية من حدود مدينة منبج فتنتشر القوات الروسية وقوات النظام السوري تراقب المشهد بحذر، وكان يحول التواجد الأمريكي دون دخول تركي للمدينة دون تنسيق لازاحة مليشيات وحدات حماية الشعب الكردية الإرهابية التي تجد فيها أنقرة  تهديدًا لأمنها القومي وبذرة مشروع انفصالي تقوده وحدات حماية الشعب الكردية على حدودها الجنوبية.

البعض يتحدث في هذا الإطار عن ما يسميه “محاصصة دولية  إقليمية حول منبج وعفرين“، وتحدثت معلومات عن بدء ملامح تفاهمات دولية- إقليمية لتوزيع شمال سوريا، بحيث تنتشر قوات أمريكية- تركية في مدينة منبج وإخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى شرق نهر الفرات مقابل «وجود رمزي» لقوات النظام السوري في مدينة عفرين.

وسائل الإعلام الإيرانية تبنت هجومًا على إصرار تركيا على دخول منبج، وفي عنوان لافت قالت قناة العالم الإيرانية في تغطيتها “تطور جديد في منبج يفاجئ أردوغان، وزعمت خروج أكثر من 5000 متظاهر سوري في مدينة منبج طالبوا الجيش السوري بدخول مدينتهم لإسقاط مبررات دخولها من قبل الجيش التركي، ومن أسمته “ومرتزقته”، فيما تبنت قناة الميادين خطابًا أكثر قسوة، وقالت في تقرير متلفز بعنوان: “منبج تستعد لمواجهة التهديدات التركية”: “تستعد مدينة منبج لمواجهة التهديدات التركية، وعلى الرغم من أنّ أهلها يعوّلون على الوجود الأمريكي في المدينة لردع الأطماع التركية، إلا أنهم لم ينسوا بعد ضعف الموقف الأمريكي تجاه عفرين”، وتحدثت تقارير إعلامية عن تشكيل ميليشيا جديدة تابعة لإيران باسم “فوج عشائر منبج / رعد المهدي” ما يعني أن الاتفاق الأمريكي التركي ليس صاحب القرار وحده في مدينة متقلبة وتحيط بها الأطماع من كل جانب.

نجاح تركي

وبحسب دراسة بحثية حديثة، فإنّ أولوية تركيا -بعد عفرين- ستظل تمكن في إخراج قوات سوريا الديمقراطية من منبج التي سيطرت عليها في 2016 وتتواجد فيها قوات عسكرية أمريكية ويمكن أن تنجح أنقرة في تحقيق ما تريد في منبج أو الجزء الأهم منه دون عملية عسكرية، وإنما بالتفاوض مع واشنطن.

وترى الدراسة أنّ المحطة الأخرى التي قد تسبق منبج أو تلحق بها سريعًا فهي سنجار في شمال غرب العراق قرب الحدود السورية، التي سيطر عليها حزب العمال الكردستاني على هامش الحرب على تنظيم الدولة، وستستفيد تركيا من عدم رضى حكومتي بغداد المركزية وإقليم كردستان العراق عن هذه السيطرة للضغط على حكومة العبادي لتنفيذ المهمة أو القيام بها بالتعاون مع تركيا، لكن من الصعب توقع العملية العسكرية قبل الانتخابات البرلمانية العراقية المزمع إجراؤها في مايو 2018.

ورغم أنّ مناطق شرق الفرات هي التهديد الأكبر لتركيا والمعقل الرئيس لقوات سوريا الديمقراطية التي تمثل وحدات الحماية عمودها الفقري، إلا أنّ تركيا ستعمد إلى تأجيل ملف منطقة شرق الفرات إلى ما بعد الفراغ من منبج وسنجار، وستعتمد بخصوصها أسلوب الحوار والضغط السياسي على الولايات المتحدة بالتنسيق مع روسيا وإيران (وربما النظام السوري لاحقًا)، الأمر الذي سيعزز أوراقها التفاوضية للحصول على ضمانات بخصوصها من واشنطن مثل رفض الفَدْرَلَة والتقسيم، أو تأمين الحدود التركية، أو ضبط/استرجاع السلاح الثقيل، أو تخفيف سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية على “قسد” من خلال إدماج فصائل غير كردية أو كردية غير محسوبة عليهما معها.