منصور عطية

وكأنها حققت انتصارًا، لم تتوقف ماكينة إعلام دول حصار قطر عن التفاخر بالمشاهد التي تناقلها النشطاء لحضور مندوب قطر في القمة العربية بمدينة الظهران شرقي السعودية، الأحد الماضي.

واستمرَّت تلك الوسائل وما يُعرف بالذباب الإلكتروني بالعزف على نغمة “العزلة” التي قالوا إنَّ قادة دول الحصار وغيرهم فرضوها على مندوب قطر، الذي ظهر منزويًا بعيدًا عن الأحاديث والنقاشات الودية التي تبادلها القادة قبيل القمة.

التهكم على مندوب قطر لدى جامعة الدول العربية وممثلها بالقمة “سيف البوعينين”، جاء مصحوبًا بالعبارات الساخرة التي لم تخلُ من محاولات تأليب القطريين على النظام الحاكم هناك، بدعوى أنَّ هذه المشاهد تمثل إهانة لهم وانتقاصًا من بلادهم.

قمة قطر!

على الرغم من تأكيد الجامعة العربية عدم إدراج ملف الأزمة الخليجية على جدول أعمال القمة الـ29، إلا أنَّ الأزمة فرضت نفسها بقوة، خاصة على تعليقات المسؤولين والمتابعين من جميع الدول العربية، وخاصة الخليجية منها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذين ركزوا على ضعف التمثيل القطري وما أسمَّوه عزلة ممثل الدوحة.

الإمارات رأت عبر تغريدة وزير دولتها للشؤون الخارجية أنور قرقاش أنَّ “غياب أمير قطر عن حضور قمة الظهران نتيجة طبيعية، ومؤسفة، لسياسة المكابرة التي اتبعتها الدوحة منذ بدأ أزمتها، غياب الحكمة مستمر ومعه العزلة والتهميش، ولن يعوض ذلك الإعلام وشركات العلاقات العامة والولاءات المشتراة”.

“سعود القحطاني” المستشار في الديوان الملكي السعودي وقائد ما يعرف بالذباب الإلكتروني غرد بلهجة ساخرة: “ممثل الشق_الشرقي ل #جزيرة_سلوى (قطر سابقًا) في القمة العربية منبوذًا لوحده في أقصى يمين الصورة، كل الحضور رؤساء دول ووزراء ورؤساء وفود يتبادلون الكلام الودّي ومشاعرهم الأخوية إلا هو، يُكلم نفسه، وبين عينيه أيدي #تنظيم_الحمدين الملطخة بدماء الشعوب”.

سليل آل ثاني، المتزعم لجبهة المعارضة القطرية المثير للجدل “سلطان بن سحيم” لم يفوِّت الفرصة، واستغلها للهجوم على النظام الحاكم في قطر؛ وقال تعليقًا على مشهد انزواء ممثل الدوحة: “يحزننا كقطريين هذه العزلة التي وصلنا لها بفضل السياسات المتهورة لنظام الحمدين، كم هو مؤسِف ومحزن أن نصل لهذا الحال المأساوي لأول مرة في تاريخ قطر”.

وتابع: “يومًا بعد الآخر تزداد بلادي عُزلة، ويزداد شعبنا إحباطًا، العرب يلتقون لمناقشة قضاياهم في #قمة_القدس، ووحده نظام الحمدين يغرد بعيدًا في مسار المكابرة والعناد وشق الصفوف..”.

بالإضافة إلى التعليق على عزلة قطر، كان وصول مندوبها على متن طائرة تجارية محور جدل على “تويتر”؛ حيث نشط هاشتاق #بوعينين_بطايره_شحن_تجاريه في السعودية وقطر، ليرد مغرد قطري موضحًا أنّ عبارة طائرة تجارية تعني أنها ليست طائرة خاصة.

هذا الاحتفاء الذي يبدو مبالغًا فيه بشكل كبير، ربما يعكس فشلًا ذريعًا مُنِيت به دول الحصار في معركتها ضد قطر؛ حيث لجأت إلى تضخيم الحدث لتعويض عجزها عن تحقيق أي انتصار يذكر في الميادين الحقيقية لتلك المعركة.

فلم يؤتِ الحصار المحكم ثماره ونحن نقترب من دخول عامه الثاني، فلا قطر رضَخَت لمطالب التعدّي على سيادتها، ولا تضررت جراء عزلها برًا وبحرًا وجوًا، لكنها بدت أفضل حالًا على المستوى الاقتصادي خصيصًا، كما تؤكد جميع التقارير الواردة بهذا الشأن خلال الأشهر الماضية.

عزلوه أم كشفهم؟

على النقيض تمامًا من أغراض دول الحصار وراء التفاخر بعزل ممثل قطر وتصدير هذا المشهد على نحو يسيء للدوحة ويثير موجة سخرية ضدها، يرى كثيرون أنَّ السحر انقلب على الساحر، وتحول الأمر إلى فضيحة لقادة هذه الدول.

تلك المشاهد كشفت ما وصلت إليه ممارسات دول الحصار ضد دولة جارة وشقيقة، جراء اتهامات واهية ومحاولات للسيطرة وفرض التبعية، كما جسدت حالة التمزق العربي، ومحاولات من يفترض أنهم قادة كبار تحقيق انتصار وهمي، عوضًا عن حالة غير مسبوقة من الضعف والوهن.

الكاتب الصحفي “عبدالله العذبة” علق على الجدل مذكرًا بجرائم الحصار: “لم يذهب سعادة السفير سيف بن مقدم البوعينين ليتبادل الأحاديث الباسمة مع البعض أو يتميلح مع من حاصروا بلاده في شهر رمضان ومنعوا عنها الغذاء والماء لتجويع من فيها ولو فعل لناله غضب القطريين والأحرار من العرب، بل ذهب لتمثيل دولة قطر في اجتماع رسمي..”.

ولعلَّ التمثيل القطري “المتواضع” في القمة يعكس يقينًا لدى أمير البلاد ونظامه بأن القمم العربية أصبحت في الفترة الأخيرة غير ذات جدوى ولا يرتجى من ورائها قرارات فاعلة مؤثرة، لا على الصعيد العربي فضلًا عن الإقليمي والدولي، وصارت اجتماعات الزعماء العرب بروتوكولية احتفالية أكثر منها عملية.

هذا التمثيل الضعيف ربما يشكِّل رسالة احتجاج من قطر ضد الجامعة العربية التي ساندتها الدوحة دومًا، لكنها أصبحت لعبة في يد دول الحصار يوجهونها كيفما شاءوا.

وربما كان حضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، سيحقِّق الغرض المرجو من قبل دول الحصار لإحراج الدوحة وتحقيق انتصار حقيقي يضع الأمير في موقف بالغ الحرج، وبهذا التمثيل فقد فوَّتت قطر الفرصة على دول الحصار.