العدسة – منصور عطية
سلاح جديد ومتطور تستعد السعودية لضمه إلى ترسانة متكدسة ومتعاظمة من الأسلحة، في خِضمّ مواجهات قائمة وأخرى محتملة وأحاديث عن الغرض الحقيقي من وراء هذه الصفقات المليارية.
ولعل سعي الرياض إلى امتلاك أحدث منظومات الدفاع الجوي من الغريمين روسيا وأمريكا، يكشف أبعادا أكبر من مجرد الاستعداد لمواجهات عسكرية محتملة أو حتى القدرة على الصمود في مواجهات قائمة.
حكاية إس 400
السفير السعودي في روسيا “رائد قريملي” أعلن في تصريحات صحفية، الثلاثاء، أن المفاوضات حول توريد صواريخ إس- 400 الروسية إلى المملكة بلغت مراحلها الأخيرة، مشيرا إلى وجود مناقشات تفصيلية بين الجانبين بشأن الترتيبات النهائية، خصوصا فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا والمعلوماتية.
وفى وقت سابق، قال مساعد الرئيس الروسي للتعاون الفني فلاديمير كوزين في مقابلة مع صحيفة “كومرسانت” اليومية أنه تم التوقيع على وثائق شحنات إس- 400 إلى السعودية، وتمت الموافقة على جميع المعايير.
ونقلت وكالة “تاس” الروسية عن المكتب الإعلامي للهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني العام الماضي ما أكد أنه تم التوصل لاتفاق مع المملكة لبيعها منظومة الدفاع الجوي إس-400، وغيرها من المنظومات والأسلحة، وذلك على هامش زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو في أكتوبر الماضي.
تتميز منظومة الدفاع الصاروخي S-400 التي دخلت الخدمة في 2007 بإمكانياتها المتعددة للاشتباك مع الطائرات والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، وبقدرتها على الكشف والاشتباك مع أهداف على مدى 400 كم.
وبحسب تقارير إعلامية فإن نظام صواريخ الدفاع الجوي S-400 يتميز بأنه تم تزويده بعدد 4 أنواع جديدة من الصواريخ، يمكن حملها معا على ظهر شاحنة نقل وإطلاق واحدة، مع مراعاة أن يتوافق ذلك مع بيئة التهديد المحيطة.
يستطيع الصاروخ الأول 48N6E3، تحقيق قصف على مدى 230 كم. بينما الصاروخ الثاني، وهو 40N6، يبلغ مداه 400 كم، يضاف لذلك أن الصاروخ الثاني مزود بإمكانية التوجية بواسطة رادار نشط ويستخدم ضد طائرات أواكس وجيه ستارز وإي إيه-بي6، المدعومة بأنظمة تشويش، وغيرها من الأهداف ذات التجهيزات المتقدمة.
أما الصاروخان الثالث والرابع في المنظومة فهما 9M96E و9 M96E2 من فئة الصواريخ الاعتراضية، والمصممة لتحقيق تأثير مباشر، ويتنافسان بشراسة مع الصواريخ باتريوت باك-3، أمريكية الصنع، ويهدفان إلى توفير نقطة دفاع حصينة ضد الهجمات الدقيقة وأسلحة قمع الدفاعات.
وتفيد نتائج الاختبارات أن المنظومة سجلت نسب نجاح غير مسبوقة تحقق لها التفوق على منافسيها، حيث تصل قدرتها على قصف الطائرات إلى 90% وتحقق نسبة 70% ضد الصواريخ من فئة هاربون.
ترسانة مكدسة
المثير أن تلك الصفقة الضخمة تنضم إلى مجموعة من الصفقات التي تكدست بفضلها ترسانة الأسلحة السعودية على مدار السنوات الثلاث الماضية.
فقبل توقيع اتفاقية منظومة إس 400 الروسية بيومين فقط، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على صفقة محتملة لبيع نظام “ثاد” الدفاعي الصاروخي إلى السعودية، في صفقة تبلغ قيمتها 15 مليار دولار.
وكانت الصفقة الأضخم، التي وُصفت بالتاريخية في مايو الماضي، عندما أعلن البيت الأبيض عن صفقة أسلحة مع السعودية بقيمة 110 مليارات دولار، تشمل معدات دفاعية وخدمات صيانة، بالتزامن مع زيارة الرئيس دونالد ترامب للرياض.
وفي 2016، قالت صحيفة “لا تريبيون” الفرنسية، في مارس، إن السعودية ستوقِّع عقود أكبر صفقة سلاح من نوعها مع فرنسا، تتجاوز قيمتها أكثر من 10 مليارات يورو، وتضم 250 مدرعة و7 مروحيات من طراز “كوجار”، و24 مدفعًا ثقيلاً ذاتي الدفع من طراز “كايزر”، و5 زوارق “كورفت”، فضلًا عن 4 أقمار صناعية للاتصالات العسكرية والرصد.
وفي أبريل دخلت صفقة سلاح سعودية مع كندا حيز التنفيذ بقيمة 15 مليار دولار، وتضم 419 مركبة مدرعة، وفي يوليو سلمت ألمانيا السعودية الدفعة الأولى (15 زورقًا) من زوارق دورية يبلغ إجمالي عددها 48.
في أغسطس من العام نفسه أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” عن بيع 153 دبابة من طراز “ابرامز ام1ايه1/ايه2” ومئات من المدافع الرشاشة وعربات مصفحة، وقاذفات قنابل دخانية وعربات مصفحة وآلاف الذخائر، ومعدات عسكرية أخرى، إلى السعودية، في صفقة بلغت قيمتها 1,15 مليار دولار.
وفي نوفمبر أفادت وسائل إعلام إسبانية، بأن السعودية وقعت مع إسبانيا صفقة شراء 5 فرقاطات بقيمة ملياري يورو، وفي ديسمبر أعلن البنتاجون عن مبيعات أسلحة للسعودية، قيمتها 3.51 مليار دولار، وتضم مروحيات للشحن من طراز “سي إتش — 47 إف شينوك”، والمعدات المرتبطة بها.
شركة “آي إتش إس” للأبحاث والتحليلات الاقتصادية، قالت إن مشتروات السعودية من السلاح قفزت بمعدل كبير، لتصبح المملكة المستورد الأول للسلاح على وجه الأرض في 2015، بقيمة 9.3 مليار دولار، بارتفاع نسبته 50% عن العام السابق.
وشملت مبيعات السعودية من السلاح، حسب التقرير ذاته: مقاتلات تايفون الأوروبية، ومقاتلات إف-15، ومروحيات آباتشي و”بلاك هوك”، وقنابل موجهة بدقة، وطائرات بدون طيار، وأجهزة مراقبة، وسفن حربية، من أمريكا وبريطانيا.
لأي شيء تستعد المملكة؟
هذا التكديس المستمر يدفع إلى التساؤل عن الأغراض الحقيقية وراء عقد السعودية مزيدا من الصفقات التسليحية رغم الأزمة الاقتصادية، وإلى أي شيء تستعد المملكة في عهدها الجديد بقيادة ولي العهد والملك المنتظر محمد بن سلمان.
مبدئيا تبدو إيران في مقدمة الأهداف السعودية لأية مواجهة عسكرية مرتقبة، سواء من الناحية الهجومية أو حتى الدفاعية خاصة أن المنظومة الروسية خاصة بالدفاع الجوي.
يعزز من احتمالية تلك المواجهة، فضلا عن التوتر القائم منذ قطع العلاقات بين البلدين في يناير 2016، تصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري قبل يوم واحد فقط بشأن العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
“كيري” أكد أن الملك عبدالله قال له بشكل شخصي: إن الحل الوحيد مع إيران هو ضربها قبل البدء بالحوار معها بشأن برنامجها النووي.
كما تفرض الأزمة الحالية بين طهران وواشنطن نفسها؛ فأمريكا التي تملك قواعد عسكرية في السعودية وتتحالف معها تهدد كثيرًا بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي يعني عمليًا الدخول في حرب.
لكن غير تلك المواجهة المحتملة، تبدو مواجهة أخرى قائمة على أشدها وليست بعيدة عن إيران، وهي الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن ضد جماعة أنصار الله أو الحوثيين الشيعة المدعومين من طهران.
الساحة اليمنية كانت مجالًا واسعًا ولا تزال في استخدام الكثير من الأسلحة التي اشترتها السعودية، هذه الحرب كبدت المملكة خسائر ضخمة وأرهقت ميزانيتها، الأمر الذي دفعها إلى موجات من القرارات التقشفية.
تقارير إعلامية، قدرت تكاليف الحرب التي تشنها السعودية حتى الآن، بنحو تريليون ونصف التريليون دولار، مستندة إلى تقدير سابق لـ”فورين بوليسي”، قال إن تكلفة الستة شهور الأولى من الحملة السعودية بلغت 725 مليار دولار.
الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون تسبب قلقا بالغا للمملكة؛ حيث وصل بعضها إلى أطراف العاصمة الرياض واستهدفت أحد القصور الملكية، وقبل أيام قالت قوات التحالف العربي إن جماعة الحوثي استهدفت السعودية بـ95 صاروخًا باليستيًا، منذ بداية الحرب في مارس 2015.
لكن ثمة غرضا آخر لا يتعلق باستخدام تلك الأسلحة المتكدسة، ويتلخص في محاولة كسب ود الحلفاء الدوليين الأقوياء، وليس أدل على ذلك من سعي الرياض إلى تنويع مصادر أسلحتها بين الغريمين الكبيرين واشنطن وموسكو.
التحالف مع هاتين الدولتين يضمن لمملكة ابن سلمان التي تواجه تحديات داخلية وإقليمية غير مسبوقة، مساندة قوية في بقاء نظامها الحاكم متسلطا.
اضف تعليقا