العدسة_ بسام الظاهر

خرج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال افتتاح منتدى شباب العالم الذي تستضيفه مدينة شرم الشيخ حتى 10 نوفمبر الجاري، بتصريحات أثارت علامات استفهام كثيرة.

السيسي قال: “إن مكافحة الإرهاب جزء من حقوق الإنسان”، ومثلما أثارت هذه العبارة حفاوة كبيرة من قبل الموالين للنظام الحالي، فإنها كانت محل سخرية شديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وهذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها السيسي هذه العبارة، وتكتسب أهمية كبيرة نظرا لإطلاقها خلال منتدى دولي يحضره عدد من الشخصيات والمسؤولين من خارج مصر.

ولكن السؤال الهام ماذا أراد السيسي من خلال إطلاق مثل هذه العبارة؟، وهل فعلا يمكن اعتبار مكافحة الإرهاب جزء من حقوق الإنسان؟.

انتقادات لمصر

يتحسس النظام الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي من أي ذكر لـ “حقوق الإنسان”، خاصة في ظل الانتقادات الشديدة لأوضاع حقوق الإنسان، منذ وصوله للحكم.

(صورة للسيسي في مؤتمر الشباب)

(صورة للسيسي في مؤتمر الشباب)

هذه الانتقادات تطالب السيسي في زيارته الخارجية وهو ما يشكل حرجا له، خاصة وأنها تأتي في صحفيين ومنظمات حقوقية أجنبية.

وخلال زيارة السيسي إلى فرنسا الأخيرة والتي كانت في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، انفعل الرئيس المصري ردا على سؤال حول تراجع أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ليوجه الحديث تجاه شمول مفهوم حقوق الإنسان للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وزاد السيسي في تصريحاته التي تثير حالة من اللغط، إذ أكد أنه لا يوجد في مصر تعليم ورعاية صحية، في رسالة بأن كل الحقوق مهدرة في مصر، وكأنه يريد توجيه دفة الحديث بعيدا عن الاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري، ولكنه ضاعف الأزمة تماما.

وقبل هذه الزيارة أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرا موثقا حول حالات التعذيب في السجون المصري، والذي أكد أن التعذيب يتم بشكل منهجي بما يشكل جرائم ضد الإنسانية.

وقالت المنظمة، في تقريرها الصادر في سبتمبر الماضي، إن ضباط وعناصر الشرطة وقطاع الأمن الوطني في مصر، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، يعذبون المعتقلين السياسيين بشكل روتيني بأساليب تشمل الضرب، الصعق بالكهرباء، وضعيات مجهدة، وأحيانا الاغتصاب.

وأضافت المنظمة، أن النيابة العامة تتجاهل عادة شكاوى المحتجزين بشأن سوء المعاملة وتهددهم في بعض الأحيان بالتعذيب، مما يخلق بيئة من الإفلات شبه التام من العقاب.

ولا يمكن تجاهل، بالتأكيد، اقتطاع الولايات المتحدة الأمريكية جزءًا من المعونة الأمريكية المقدمة لمصر في أغسطس الماضي، بعد انتقادات أوضاع حقوق الإنسان وتراجع الحريات.

وقال مسؤول أمريكي، إن وزير الخارجية ريكس تيلرسون قرر تجميد مساعدات عسكرية خارجية لمصر بقيمة 195 مليون دولار، لكنه أشار إلى أن هذه الأموال ستودع في حساب إلى حين إحراز مصر تقدما في أولويات أساسية، في إشارة إلى قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية.

السيسي و ماكرون

السيسي و ماكرون

شماعة الإرهاب

الضغوط التي يتعرض لها نظام السيسي يحاول الهرب منها منذ وصوله للحكم من خلال التعلل بشماعة الإرهاب.

وفي كل مرة يواجه السيسي بمسألة تردي أوضاع حقوق الإنسان في مصر، يبدأ في الحديث عن التحديات والمخاطر التي تواجهها مصر في مجال مكافحة الإرهاب.

ولكن السيسي لم يرد فقط التهرب من ملاحقته بملف حقوق الإنسان، ولكن تصدير مفهوم جديد لحقوق الإنسان من وجهة نظر النظام الحاكم في مصر.

المراوغة كانت سلاح السيسي والتلاعب بالألفاظ، فأطلق ذات مرة خلال لقاء له مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في أبريل 2016، تصريحات قال فيها “إن المنطقة التي نعيش فيها منطقة مضطربة جداً، ولا يمكن للمعايير الأوروبية أن ينظر لها في الظروف التي تمر بها دول المنطقة ومن ضمنها مصر”.

ولكن هذه التصريحات أثارت الحقوقيين نظرا لعدم صحتها، وقال محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، إنه لا يوجد ما يسمى بمعايير أوروبية لحقوق الإنسان أو معايير أمريكية، ولكنها معايير عالمية الجميع ملتزم بها.

وأضاف أنه من الممكن أن تعاني مصر من تحديات مثل الإرهاب، ولكن ذلك لا يكون مبررا للانتقاص من حقوق الإنسان.

ولفت إلى أن هناك معاناة فعلية من الانتهاك داخل مصر وممارسات تتعارض مع ما تلتزم به مصر ووقعت عليه.

وبدا أن السيسي كانت لديه نية لتصدير فكرته عن حقوق الإنسان، وهو ما عبر عنه في حوار خلال منتصف العام الماضي، وقال: “مصر تحاول شرح مواقفها من حقوق الإنسان للعالم بشكل واضح، لكن العالم يحتاج تطوير مفهوم حقوق الإنسان”.

ويسعى السيسي إلى تخفيف الضغوط عليه في مجال حقوق الإنسان من خلال تصدير فكرة أن مع مواجهة الإرهاب لا مجال للحديث عن معايير دولية لهذه الحقوق.

مظاهرات معارضة للسيسي خلال زيارته للخارج

مظاهرات معارضة للسيسي خلال زيارته للخارج

رؤية معيبة

وعلى الرغم من أن هذا التلاعب في الألفاظ وإطلاق عبارات من قبل السيسي حيال حقوق الإنسان وضرورة تعديل المفهوم دوليا، والاعتماد على شماعة “الإرهاب”.

إلا أن هذه الرؤية التي أطلقها السيسي بـأن “مكافحة الإرهاب من حقوق الإنسان”، معيبة للغاية في جوهرها، وخاصة في مصر.

وحقيقة الأمر أن العلاقة عكسية بين حقوق الإنسان والإره

اب، فكلما زاد الاهتمام بحقوق الإنسان قلّ العنف، والعكس صحيح، وهو ما يحاول تجاهله السيسي.

ولم تعرف مصر العمل المسلح والعنف منذ ثورة 25 يناير، إلا بعد 3 يوليو 2013 والإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم، وما تبعه من فض اعتصامات أنصار مرسي في ميداني رابعة العدوية والنهضة.

وشهدت مصر موجة عنف كبيرة مستمرة حتى الآن، بسبب الدماء التي سالت والتوسع في الانتهاكات التي نفذتها قوات الأمن ضد مؤيدي مرسي والمعارضين للسيسي.

وأكد المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة زيد بن رعد على هذه الجزئية، أن الإجراءات الأمنية العنيفة في مصر تغذي التطرف الذي تسعى الدولة لمحاربته، مشددًا على أن الحفاظ على الأمن يجب ألا يكون على حساب حقوق الإنسان.

تصريحات بن رعد تكشف أن كل محاولات السيسي التهرب من الحقيقة والمراوغة في ملف تراجع حقوق الإنسان لن تنطلي على المجتمع الدولي والأمم المتحدة.