ربى الطاهر

في حادثة غريبة من نوعها قامت امرأة هندية بانتحال شخصية رجل  لتتزوج من النساء حتى تحصل على القيمة المادية للمهر، وبعد أن افتضح أمر “كريشنا سين”، تم إلقاء القبض عليها في إقليم أوتاراخاند، شمالي البلاد.

وصرحت الشرطة أن “كريشنا” التي تبلغ من العمر 26 عامًا اشتهرت باسم سويتي، وأنها ادعت أنها رجل، ولكنها خضعت لفحوص طبية أكدت كذب ادعائها.

وقامت سين بالزواج من امرأة، وطلبت منها المهر، وهو أمر ممنوع قانونا في الهند، وإن كان متبعًا اجتماعيًّا، ولكنها بعد فترة قصيرة من الزواج انفصلت عن الزوجة الأولى، ثم تزوجت من امرأة ثانية في أبريل 2017.

إلا أن أهل الزوجة الأولى تقدموا ببلاغ يتهمون فيه “سين” بابتزاز ابنتهم من خلال المهر، واقترضت منهم 850 ألف روبية، مدعية تمويل مشروع تجاري، إلا أنها لم تسدد ما عليها من ديون.

والغريب أن كلتا الزوجتين لم تكتشفا أنها امرأة، ويرجح أنها لم تتكشف أمامهما، وكما لم تكن بينهما علاقة زواج طبيعية، وقد اعترفت “سين” أثناء تحقيقات الشرطة معها أنها كانت تتمنى أن تكون رجلا، وأن تعيش حياة الرجال، ولم يستدل على أن أهلها على علم بما كانت تفعله.

كما كشفت التحقيقات أن “سين” كانت تصادق الرجال، بل وكانت تستخدم مرحاض الرجال وتقوم ببعض الأعمال الخاصة بالرجال، مثل قيادة الدرجات النارية وشرب الخمر، وتدخن السجائر حتى تقنع الجميع بأنها رجل، وذكرت كذلك التحقيقات الشرطية أنها كانت تقلد مشية رجل واثق من نفسه تمامًا”.

وحسب التقاليد الهندية القديمة، تدفع عائلة العروس مهرًا في شكل هدايا تختلف قيمتها حسب إمكانيات أهل العروس، فقد تكون من المال أو الذهب أو أدوات منزلية أو حتى سيارات، إلا أن هذا التقليد قد تم منعه بقوة القانون منذ عام 1961، ولكن لا يزال شائعا في المجتمع وأصبحت المحاكم تنظر العديد من القضايا الخاصة بهذا الأمر مؤخرا.

ويطلق على مهر العريس “الدوتا”، التي تفاقمت منذ مطلع التسعينيات مع صعود الاقتصاد الهندي… إلا أن هذا التقليد قد أدى إلى مصرع أعداد كبيرة من النساء وإصابة أخريات إصابات خطيرة؛ بسبب اعتداءات الزوج وأهله الذين يعترضون على قيمة المهر المقدمة لهم.

حتى إن سجن “تيهار” قد خصص جناحًا بمسمى “نساء الدوتا”، أما السجينات أنفسهن فيطلقن عليه اسم “جناح الحموات”، وقد يصل بهم الأمر إلى السجن لأنهن يشاركن في تقليد “الدوتا” الذي يتعاظم مع مرور الوقت.

وحسب الإحصائيات الرسمية فقد لقيت 7 آلاف امرأة هندية مصرعها – والذي تشكك فيه جمعيات حقوق الإنسان هناك، وتقول إنه ربما يكون الرقم ضعف ذلك – عام 2000 وهو العام الذي بدأ فيه الاقتصاد الهندي في الانتعاش، حيث ارتفعت فيه نسبة قضايا القتل المتعلقة بـ”الدوتا” إلى 33%، كما ارتفعت القضايا الأخرى في الشكاوى والإصابات الأقل إلى الثلث.

ولا يقتصر الأمر في ذلك على طبقة دون غيرها في الهند، فالموضوع يبدأ من أعلى الطبقات في المجتمع، وينتهي بالعائلات الفقيرة، والجميع لا يلتفت إلى ذلك النهي القانوني.

ولكن الأمر تحول مع الوقت إلى ما يشبه أجرًا تدفعه العروس لأهل العريس، ما جعل العديد من النساء يتعرضن خلال الخلافات الزوجية لأشكال مختلفة من الضرب والتعذيب، وأحيانا تحبس الزوجة في خزانات منزلية لتجويعها، ومن تلك الحالات التي شهدتها ساحات المحاكم الهندية  قيام أخوات الزوج بربط العروس وتكتيفها، وقيام الزوج بسكب الكيروسين عليها.

ولا يتوقف الأمر عند بدايات الزواج، فقد تستمر عائلة الزوج بمطالبة الزوجة بالمزيد من الهدايا لفترة طويلة بعد إتمام الزفاف، خاصة مع تصاعد النمو الاقتصادي الذي أعلى من طموحات العائلات الفقيرة للحصول على أجهزة التليفزيون والدراجات النارية والمفروشات.

وربما يعكس “جناح الحموات” في سجن “تيهار” ذلك الاتجاه الاستهلاكي المتنامي في الهند، والذي يكتظ بالحموات في انتظار المحاكمة، وقد يستمر هذا الانتظار لسنوات، حيث إن المحاكم الهندية تكتظ بالقضايا التي تجعل عجلة القضاء بطيئة للغاية، وقد تمتد فترة الحبس في مثل هذه القضية من ثمان سنوات وقد تمتد إلى السجن مدى الحياة، حيث إنه غالبا ما تتدخل الحماة في الجريمة.

ولا تتوقف العقوبة في معظم الأحيان على الحماة فقط الضالعة في الاتهام، ولكنها قد تمتد إلى باقي أفراد الأسرة الذين يتم توقيفهم، إلا أن رجال الأسرة، سواء كانوا الأزواج أو أبناء معظم النساء الذين ينتقلن إلي السجن يفرج عنهم سريعا بكفالة مالية، ولكن الزوجات والبنات يستمر حبسهن خلف القضبان.

وطبيعة الحياة الاجتماعية في الهند تقوم على زواج الأبناء في منزل العائلة، وهو ما يجعل العلاقة بين الحماة وزوجة الابن “الكنة” معقدة على طول الخط، حيث إن “الكنة” مطالبة بالقيام بمعظم الأعمال المنزلية وحدها.

وهو ما يجعل المشاحنات بينهما دائمة، والتوتر يملأ أركان البيت، وهذه العلاقة الشائكة دائما هي مسار الحديث في الحياة بشكل عام، أو حتى موضوعات المسلسلات الاجتماعية الهندية، ولكن حتى المسلسلات لا تعكس مدى الظلم الذي يقع على كاهل “الكنة” التي قد تتعرض للقتل، والتي غالبا ما تختفي تلك الجرائم وراء ستار الحوادث، مثل ترتيب انفجار موقد الغاز مثلا… وما إلى ذلك من تلك الحوادث.

ولكن التحقيقات قد تكتشف في أحيان كثيرة، أن تلك الحوادث هي حالات انتحار حقيقية، بعدما لا تجد الزوجة أمامها مفرًّا من قتل نفسها للتخلص من ضغوط الزوج وأهله.

إلا أن السنوات الأخيرة شهدت طفرة في الوعي الاجتماعي، والذي عكسته الإحصائيات؛ حيث أن بلاغات جرائم المهور قد ازدادت، وتولى رجال الشرطة حماية هؤلاء النسوة اللاتي يتعرضن للابتزاز، وكما تتولى محاكمة  العائلات التي تطالب بالمهر.

وتظل قضية المهر في الهند أمرًا شائكا، فحتى الشريحة المثقفة تخضع له، وإن كن يتعاملن فيه بشكل مختلف؛ حيث يقدمن المهر عبارة عن هدايا رمزية، ولكن الأمر يختلف كثيرا بالنسبة للآخرين، حيث تظل منطقة المهر في الزواج محل مساومات و مفاوضات صعبة.

حتى إن وسائل الإعلام، ومنها الصحف والمجلات، تنشر إعلانات عن أسعار الزواج من مهن بعينها، فمثلا صحيفة “india times”، نشرت إعلانًا تقول فيه: “هل تريد أن تزوج ابنتك لموظف بنك؟”، وبجانب هذا السؤال قيمة المهر الذي حُدد بـ15 ألف دولار، تدفع لوالديه بالإضافة إلى الهدايا، أما مهر رجل الأعمال الذي يحمل شهادة “ماسترز” في إدارة الأعمال، فقد يرتفع عن تلك القيمة، كما ذكرت الصحيفة، حتى يصل إلى 22 ألف دولار، ويصل المهر 44 ألف دولار بحد أدنى للعريس الذي يحتل منصب عضو البيروقراطية، الذي يعمل في الإدارة الهندية.

ولكن تختلف القيمة تمامًا مع الطبقات الأقل اجتماعيًّا، والتي غالبًا ما يطمح من هم فيها إلى الانتقال إلى طبقات أعلى على درجات السلم الاقتصادي، فحتى هؤلاء ارتفعت الأرقام التي كانوا يطلبونها في الماضي، ويغالوا فيها حتى ينتهي بهم الأمر إلى جناح الحموات بسجن “تيهار”، نظرًا لاستمرارية مطالبهم التي تزداد حتى بعد إتمام الزفاف، طمعًا في المزيد من تلبية متطلبات الحياة الرفاهية.

ومن ذلك، أن تلك الأسر كانت في الماضي تكتفي بطلب أشياء كالدراجات الهوائية، ولكنها اليوم تأبى إلا أن يقدم لها السيارات، أو على أقل تقدير دراجات نارية، كما كانت فئة أخرى تكفل أهل الزوجة بالأثاث المنزلي، وأضافوا اليوم لهذا قائمة طويلة من الأجهزة والأدوات، بالإضافة إلى الأجهزة الإلكترونية كذلك.