كتب- باسم الشجاعي:

توتر غير مسبوق تشهده الساحة الداخلية في الأردن، فبعد تخطيها الأزمة الاقتصادية، عاد الإرهاب ليطل برأسه من جديد على عمّان.

وكان أدى انفجار عبوة ناسفة، “الجمعة” الماضية، زرعت أسفل سيارة دورية أمنية مكلفة بحماية مهرجان فني في مدينة الفحيص الأردنية، بحياة رجل أمن أردني، وإصابة 6 آخرين في محيط مهرجان الفحيص.

ومدينة الفحيص، التابعة لمحافظة البلقاء شمالي الأردن، يقام فيها “مهرجان الفحيص” منذ قرابة 27 عامًا، وللمهرجان حضور في الأردن يستقطب فعاليات فنية وثقافية وازنة على الساحة الأردنية والعربية.

عملية زرع العبوة في الدورية الأمنية ربما يكون دلالة على عدم قدرة المنفذ على الوصول إلى المهرجان، بسبب الأطواق الأمنية المشددة، ولكن اضطراه إلى زرعها في هدف آخر.

فالعبوة المزروعة في الفحيص لم تستهدف مدنيين بالرغم من وجود أعداد كبيرة مشاركة في مهرجان الفحيص، بل اصرت على إرسال رسالة واضحة أن خصم وهدف الإرهاب في هذه المرحلة الدولة نفسها.

وواجه الأردن العديد من عمليات الإرهاب ابتداءً من عقد السبعينات الماضي، ولكن ازدادت بعد ظهور ما سمي بالدولة الإسلامية “داعش”، على حدود الأردن الشمالية والشرقية مع كل من سوريا والعراق.

وكان شهد الأردن عدة هجمات تبنى بعضها تنظيم الدولة الإسلامية على غرار هجوم الكرك أواخر عام 2016، كما أعلنت السلطات في يناير الماضي إحباط مخطط آخر للتنظيم.

ولكن في ظل التطورات التي تشهدها الأردن وإن كانت تشير صوابع الاتهام لـ”داعش”، فلا يمكن أيضا استبعاد تدخل الإمارات والسعودية وإن لم يكن بصورة مباشرة.

فالرياض وأبوظبي، يعملان على تأجيج الأوضاع في الأردن كما حدث الشهر الماضي، أو محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت مطلع العام الجاري.

“صفقة القرن”

ويتعرض الأردن من حين لآخر لضغوط خليجية كبيرة، وتأتي تلك الضغوط للقبول بالصيغة المطروحة سواء أمريكيًا أو سعوديًا، فيما يتعلق بـ”صفقة القرن”.

و”صفقة القرن” هو مقترح وضعه الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويهدف إلى توطين الفلسطينيين في وطن بديل، خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي حال رفض الأردن لـ”صفقة القرن”، سيكون أمام خيار دخوله دوامة من المؤامرات التي تحاك ضدها، للرضوخ أمام العروض الخليجية والأمريكية.

انقلاب عسكري

فالعام الجاري كان شاهد على كثير من التدخلات من قبل الإمارات والسعودية في الأردن للضغط على ملك؛ للقبول بالصيغة المطروحة سواء أمريكيًا أو سعوديًا، فيما يتعلق بـ”صفقة القرن”.

وكانت البداية بتمويل انقلاب عسكري، وبدأ الحديث عن الأمر بعد قرار أصدره العاهل الأردني الملك “عبدالله الثاني”، بإحالة الأمراء “فيصل بن الحسين” و “علي بن الحسين” و”طلال بن محمد” للتقاعد.

وكان الهدف المعلن لهذا القرار هو “تطوير المؤسسة العسكرية الأردنية”، لكنّ سببًا آخرًا كشف النقاب عن أمر مريب، وهو الحديث عن الأمراء تورطوا في محاولة للانقلاب على الملك.

وبعد هذا “التورط المزعوم”، توجهت الأنظار إلى السعودية والإمارات، إذ تحدثت صحف أجنبية صراحةً عن أن خطوة ملك الأردن جاءت بعد وجود اتصالات بين الأمراء الثلاثة وولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، ونظيره الإماراتي “محمد بن زايد”، من أجل إجراء “انقلابًا عسكريًّا” في البلاد، وذلك بحسب ما كشف موقع “بريتبارت نيوز” الأمريكي.

سيف المساعدات

واستمرارا لعملية  التوتر المكتوم بين السعودية والأردن، فقد رفعت الرياض في وجه عمّان شعار “يجب الاعتماد على الذات”؛ حيث أظهرت بيانات أردنية رسمية تراجُع حجم المساعدات السعودية للأردن خلال عام 2017؛ إذ بلغت 165 مليون دولار، في حين كانت 474.3 مليون دولار في عام 2015.

وفي عام 2015، وبحسب أرقام وزارة التخطيط الأردنية المنشورة على موقعها الإلكتروني، بلغت مساعدات الصندوق السعودي للتنمية 153.3 مليون دولار، في حين قدَّم الصندوق مبلغ 321 مليون دولار ضمن المنحة الخليجية.

ويأتي تراجع المساعدات السعودية للأردن في ظل تراخٍ فعلي بالعلاقات بين الرياض وعمّان خلال الأشهر الماضية؛ بسبب تناقض مواقف الرياض من القضية الفلسطينية والقدس وملفات المنطقة، فضلاً عن قرار اعتراف الرئيس الأمريكي، “دونالد ترمب”، بمدينة القدس عاصمةً لدولة الاحتلال.

ومن باب ذَرّ الرماد في العُيون، دعت الرياض لعقد قمة “مكة”، لدعم الأردن بعد أزمته الاقتصادية الأخيرة، وانتهت بتقديم كل من السعودية والإمارات والكويت مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار أميركي للمملكة الأردنية.

ولكن بالعودة لما كشفته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، نرى أن “السعودية والإمارات”، كان لها دور في تصاعد الأحداث والاحتجاجات التي عمت الأردن بسبب مشروع قانون ضريبة الدخل”، ولكن جاء قمة مكة لرفع الحرج أمام الرأي العام.

هل يكون “داعش” الأردن كـ”القاعدة” في اليمن؟

وبحسب ما أعلن وزير الداخلية الأردني “سمير المبيضين”، أن “المتشددين الذين نفذوا هجوما على الشرطة يدعمون تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وإن التحقيقات كشفت خططا لشن المزيد من الهجمات على أهداف أمنية ومدنية”.

وبما أن الأردن مازالت بمنأى نسبيا عن الحروب الأهلية التي اجتاحت الشرق الأوسط منذ عام 2011، إلا أن بعض حوادث العنف االأخيرة في الغالب يقوم بها أفراد من عشائر قوية تشكل العمود الفقري لدعم الأسرة الهاشمية الحاكمة.

وماهو مايطرح يثير بعد التساؤلات، حول تكرر علاقة تلك الخليات المتشددة بالإمارات والسعودية، أسوة بما حدث في اليمن مؤخرًا.

فقد سبق وكشفت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، أن التحالف العسكري العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، عقد اتفاقيات سرية مع تنظيم القاعدة هناك، ودفع أموالا له مقابل انسحاب مقاتليه من بعض المناطق بالبلاد.

“الوكالة”، أكدت في تقرير لها، أعدته “الإثنين” الماضي، أن هذه الاتفاقات تمت بعلم أمريكي بل أن القوات الأمريكية أمنت انسحاب بعض مسلحي القاعدة مع العتاد والسلاح الذي نهبوه من بعض المدن، من بينها المكلا جنوبي اليمن وسبع مناطق في محافظة أبين (جنوب) ومدينة الصعيد بمحافظة شبوة (جنوب).